أسفر الاجتماع السياسي الذي انعقد في بكين الأسبوع الماضي عن أحد أهم النتائج، وهو قرار يتعلق بحث الحكومة المركزية على إنفاق أموال أكثر لتخفيف العبء عن الحكومات المحلية التي تواجه ضائقة مالية.
أشار مسؤول بارز عن الاقتصاد في الحزب الشيوعي، خلال مؤتمر صحفي الجمعة الماضية، إلى أن بكين ستعيد هيكلة النظام المالي من خلال توفير مزيد من الأموال للحكومات المحلية، ومساعدتها في إيجاد مصادر جديدة للإيرادات.
قال هان ونشيو، نائب المدير المسؤول عن العمل الروتيني لمكتب اللجنة المركزية للشؤون المالية والاقتصادية (Office of the Central Financial and Economic Affairs Commission): "تمت التوصية بتحسين العلاقة المالية بين الحكومات المركزية والمحلية، وزيادة الموارد المالية المحلية المستقلة، وتعزيز مصادر الضرائب المحلية، وذلك استجابة للصعوبات المالية التي تواجهها الحكومات المحلية والمركزية".
لم يتضح بعد كيفية تنفيذ ذلك، لكن ربما يتضمن الأمر تغييراً في كيفية فرض الضرائب وتوزيع الأموال، وقد يشمل إصدار المزيد من السندات لتلبية متطلبات الإنفاق.
إليك خمسة رسوم بيانية توضح المشكلات التي تحاول بكين حلها:
العجز المحلي المتزايد
تحتاج الآلاف من الأقاليم والمدن والمقاطعات والبلدات في الصين إلى المساعدة. فقد سجل عجز ميزانياتها المجمع رقماً قياسياً قدره 15 تريليون يوان (2.1 تريليون دولار) خلال العام الماضي، ويبدو أنه سيكون أقل قليلاً هذا العام.
هناك أسباب متعددة لذلك، لكن أحد الأسباب الرئيسية هو تراجع كمية الأموال التي تجنيها من بيع الأراضي للمطورين، والتي كانت مصدر تمويل يُستخدم لدفع تكاليف التنمية المحلية. وهبطت هذه الإيرادات بأرقام تتجاوز 10% على مدار عامين حتى 2023، كما أنها سجلت في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري مستوى أقل مما كانت عليه في الفترة نفسها من 2021.
إضافة إلى ذلك، تحتاج الحكومات المحلية إلى إنفاق الأموال لإعداد تلك الأراضي للبيع، مما يعني أنها حققت فائضاً قدره 260 مليار يوان فقط من المبيعات العام الماضي.
هيمنة بكين
هناك سبب رئيسي آخر وراء العجز المحلي الكبير والمتزايد، وهو نظام توزيع الإيرادات الضريبية الذي طُبق منذ إصلاح النظام الضريبي في 1994، والذي يُخصص بموجبه جزءاً كبيراً من تلك الإيرادات للحكومة المركزية، والتي تعيد بدورها توزيع جزء منها على الحكومات المحلية.
مع ذلك، لم تكن هذه الأموال كافية بالنسبة لمعظم الحكومات المحلية لتغطية كافة نفقاتها المطلوبة، مما اضطرها للبحث عن بدائل مثل مبيعات الأراضي وإصدار السندات، بجانب الاستفادة من كيانات تعمل خارج الميزانية الحكومية المعروفة بـ"أدوات تمويل الحكومات المحلية" لاقتراض الأموال والإنفاق.
تحملت "أدوات تمويل الحكومات المحلية" تلك الكثير من الديون لتمويل تكاليف البناء والمشاريع التي لم تستطع الحكومات المحلية تمويلها من ميزانياتها الرسمية، لكن العديد منها يعاني الآن لسداد تلك الديون مع انخفاض أسعار الأراضي وتباطؤ النمو الاستهلاكي. وتُقدر قيمة هذه الديون بنحو 66 تريليون يوان هذا العام، أي ما يعادل تقريباً جميع الديون الرسمية المستحقة على الحكومات المركزية والمحلية، وفق صندوق النقد الدولي.
دولة منخفضة الضرائب
تتعلق المشكلة الأخرى بأن الصين ليست دولة مرتفعة الضرائب. فالغالبية العظمى من المواطنين لا يدفعون ضريبة على الدخل الشخصي لأنهم يكسبون أقل من حد الإعفاء الضريبي. ورغم وجود مساهمات إلزامية للضمان الاجتماعي للعمال، إلا أنها منخفضة، وجرى تعليق مدفوعاتها في الأعوام الأخيرة لتشجيع الناس على الإنفاق ودعم الاقتصاد.
تُعتبر نسبة الدخل الضريبي إلى حجم الاقتصاد أقل بكثير من العديد من البلدان المماثلة، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وبلغت الإيرادات الضريبية في الصين خلال 2022 خُمس حجم الاقتصاد، أي أقل من المتوسط البالغ 34% للدول المتقدمة الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
إذا استُبعدت مساهمات الضمان الاجتماعي، فإن الإيرادات الضريبية في الصين ستصبح أقل، حيث وصلت إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 13.8% في 2022، قبل أن ترتفع قليلاً بعد ذلك. لمعالجة هذه القضية جزئياً، حاول المسؤولون إدخال ضريبة عقارية على مستوى البلاد، والتي يمكن أن تفرضها الحكومات المحلية.
هذا من شأنه أن يضع مواردهم المالية على أسس أكثر استقراراً، لكن الوقت لم يحن بعد لتطبيق بكين للتجربة الحالية على مستوى البلاد. ومن المستبعد حدوث ذلك قريباً وسط تراجع أسعار المنازل لأعوام عديدة، ومن المرجح أن يُسرع فرض ضريبة على قيمة المنازل ذلك الانخفاض.
المزيد من السندات
تحولت حكومات الصين إلى تمويل الديون لسد الفجوة في ميزانياتها، حيث باعت مزيداً من السندات، والتي تشتري معظمها البنوك المملوكة للدولة والمستثمرون المحليون الباحثون عن عوائد مضمونة.
بشكل إجمالي (مع استثناء أدوات تمويل الحكومات المحلية)، باعت الحكومات المركزية والمحلية سندات بقيمة 20 تريليون يوان خلال 2023، بزيادة قدرها الخُمس عن العام السابق. ومن المرجح أن تحقق رقماً قياسياً جديداً هذا العام، مع ارتفاع المبيعات الإجمالية للسندات بنسبة 5% أخرى في النصف الأول من العام مقارنة بالفترة نفسها من 2023.
مع ذلك، كانت الحكومة المركزية السبب الرئيسي في ارتفاع الاقتراض، مع انخفاض إصدار ديون الحكومات المحلية بنسبة 20% في النصف الأول من العام. وهذا ربما يشير إلى الشكل الذي ستبدو عليه الإصلاحات المالية التي تلمح إليها بكين.
كتب بيرت هوفمان، الرئيس السابق لمكتب الصين بالبنك الدولي، أن "السياسة المالية أساسية لإدارة الاقتصاد الكلي في الصين حالياً، مع تقييد السياسة النقدية بسبب الحكومات المحلية المثقلة بالديون، والمقترضين المترددين من القطاع الخاص، وسياسة أسعار الصرف التي لا تترك سوى حيز ضئيل لمزيد من التيسير النقدي". كما كتب يوم الأحد قبل إعلان قرارات الجلسة الكاملة: "لكي تصبح تلك السياسات أداة فعالة، هناك حاجة إلى إصلاحات كبيرة في النظام الضريبي، والنظام المالي بين الحكومات، وإدارة الميزانية".