وضعت مصر، بدءاً من شهر يونيو الماضي، سقفاً لعدد السيارات الممكن استيرادها بواقع 10 آلاف سيارة كحد أقصى شهرياً، بحسب 3 مسؤولين حكوميين تحدثوا لـ"الشرق" شرط عدم الإفصاح عن هوياتهم. مبررين الإجراء الجديد بأنه يصب ضمن محاولات الحكومة لترشيد استخدام الدولار وعدم الإفراط في الاستيراد.
تتوافق تصريحات المسؤولين مع وثيقة اطلعت عليها "الشرق" تبيّن أن مصلحة الجمارك المصرية وضعت خطة لتنظيم عمليات الإفراج عن السيارات المستوردة، بحيث لا يتعدى التسجيل المسبق للسيارات المستوردة تامة الصنع حاجز الـ10 آلاف سيارة فقط شهرياً.
تطبيق هذا الإجراء بحذافيره يعني أن إجمالي عدد السيارات التي سيتم استيرادها خلال عام لن يتجاوز 120 ألفاً. هذا الرقم يبقى أكثر بـ33% عمّا تم استيراده عام 2023 بأكمله، والذي بلغ 90 ألف سيارة. لكنه يقل كثيراً عن أرقام عامي 2021 و2022، قبل أزمة وقف الإفراج عن السلع في الموانئ بسبب شح الدولار، والبالغ 184 ألف سيارة و290 ألف سيارة على التوالي، بحسب تقرير مجلس معلومات سوق السيارات "أميك".
مسؤول في مصلحة الجمارك المصرية قال لـ"الشرق"، طالباً عدم نشر اسمه نظراً لحساسية الأمر، إن "الحكومة ممثلة بمصلحة الجمارك، أصدرت تعليمات شفهية للمسؤولين في الجمارك بالسماح فقط بالإفراج عن 10 آلاف سيارة مستوردة كل شهر، ووقف الإفراج تماماً عن السيارات الخاصة بالأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، لحين تعديل القانون الخاص بإعفائهم من الضريبة الجمركية، بعد اكتشاف تلاعب البعض واستغلال الأمر بشكل غير قانوني".
الشحات غتوري، رئيس مصلحة الجمارك المصرية، ردّ على سؤال "الشرق" بشأن تحديد 10 آلاف سيارة شهرياً كسقف للإفراج الجمركي منذ يونيو، بأنه من ضمن "موضوعات محل دراسة"، فيما لم يرد وزير المالية المصري أحمد كجوك على طلبات "الشرق" للتعقيب.
تحرّي الدقة
منتصف مايو 2023، اكتشفت شركات مستوردة للسيارات أن بند التسجيل الخاص بسيارات الركوب على منظومة التسجيل المسبق للشحنات (ACI) لا يعمل، وهو ما دفع البعض للاستيراد على "بند مخالف" مما تسبب في احتجاز مصلحة الجمارك المصرية نحو 18 ألف سيارة من مختلف الفئات (شخصي وتجاري ومخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة).
وبعد أكثر من شهر على هذه الخطوة، بدأت جمارك مصر الأسبوع الماضي الإفراج عن السيارات المحتجزة بالموانئ مقابل دفع غرامة 10 آلاف جنيه عن كل سيارة، لمخالفتها منظومة (ACI). لكن قبل نهاية الأسبوع، وتحديداً يوم الخميس الماضي أوقفت الإفراجات بعد خروج نحو 10 آلاف سيارة من الموانئ وهو الحد الأقصى للاستيراد الشهري الذي بدأ تطبيقه يونيو الماضي.
مسؤول حكومى آخر كشف لـ"الشرق" عن أن هناك "الكثير من السلع والمنتجات سيتم تقنين استيرادها من الخارج خلال الفترة المقبلة، وليس السيارات فقط، وذلك للحفاظ على العملة الصعبة".
شهدت مصر أزمة حادة في نقص العملة الصعبة خلال الأشهر الماضية، وتم حل الأمر من خلال توقيع بعض الصفقات الاستثمارية الكبرى، مثل صفقة رأس الحكمة، التي أدرت للدولة نحو 24 مليار دولار سيولة مباشرة.
حتى الأن لم تصدر السلطات المصرية أي قرارات رسمية بشأن ضبط الاستيراد، لكن مسؤولاً أكد لـ"الشرق" أن القرار عبارة عن تعليمات من مجلس الوزراء، تنفذها مصلحة الجمارك منذ الأسابيع الماضية، مرجعاً الأسباب إلى رغبة الحكومة في ترشيد استخدام الدولار في البضائع التي ليس لها علاقة بالسلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج.
سمح البنك المركزي المصري بتخفيض سعر صرف الجنيه لأول مرة منذ أكثر من 14 شهراً مقابل الدولار الأميركي في مارس الماضي، وبلغ متوسط سعر الصرف نحو 50 جنيهاً لكل دولار في معاملات البنوك، وما يمثل تراجعاً في سعر العملة المحلية مقابل الدولار بنحو 60%، قبل أن يتراجع حالياً إلى 47.98 جنيه لكل دولار.
وفي السياق ذاته، طالبت مصلحة الجمارك كافة مستوردي السيارات بـ"مراعاة تحري الدقة عند إدراج البند الجمركي لسيارات الركوب بمنظومة التسجيل المسبق للشحنات".
مصلحة الجمارك أكدت نهاية يونيو الماضي، أنه في حالة إدراج بند مغاير لسيارات الركوب ومخالفة أحكام قانون الجمارك ولائحته التنفيذية، "لن يتم السماح بتعديل البند، ولن يتم السير في إجراءات الإفراج عن السيارة، ويلتزم مالكها بإعادة شحنها مرة أخرى، وإلا سيتم إحالتها للمهمل لاتخاذ الإجراءات القانونية حيالها".
أقرت مصر تطبيق نظام التسجيل المسبق للشحنات سنة 2020، وبدأ التشغيل الإلزامي لهذا النظام في أكتوبر من العام التالي. ويعتمد هذا النظام على إتاحة بيانات ومستندات الشحنة قبل الشحن بـ48 ساعة على الأقل، ما يتيح للمستورد الحصول على رقم تعريفي للشحنة "بند جمركي" (ACID)، وذلك من خلال منصة "نافذة"
مسؤول حكومي ثالث نفى لـ"الشرق" توقف عمليات الإفراج عن السيارات المستوردة نهاية الأسبوع الماضي، موضحاً أن الجمارك المصرية تلقت تعليمات "شفهية" بتحديد سقف شهري لعدد السيارات المفرج عنها، بحيث لا تتجاوز 10 آلاف سيارة خلال الشهر الواحد، وفي حال تم الإفراج عن العدد المحدد خلال الشهر، سيتم وقف عمليات الإفراج مؤقتاً لحين بدء الشهر التالي.
المسؤول الذي اشترط عدم نشر اسمه أيضاً أكد لـ"الشرق" على أن عودة الإفراج عن السيارات بشكل طبيعي سيكون خلال يوليو الجاري بحجم 10 آلاف سيارة فقط أيضاً، بحيث لا يتجاوز الإجمالي نهاية العام حاجز 120 ألف سيارة.
في هذا الوقت.. يتساءل متعاملون في القطاع عن كيفية توزيع حصة كل شركة من إجمالي الـ 10 آلاف سيارة؟