بدأ المغرب إصلاح نظام دعم أسعار بعض المواد الاستهلاكية المعمول به منذ عقود بهدف تقليص عجز الميزانية وأولى الخطوات المتخذة في هذا الصدد تمثلت في رفع تدريجي لأسعار أسطوانات غاز الطهي (البوتان) منذ الاثنين الماضي بعدما تم تأجيل القرار لسنوات عديدة.
قد يحمل القرار تأثيراً إيجابياً لصالح الدولة بخفض العجز وتوفير موارد مالية لتمويل البرامج الاجتماعية. في المقابل يُحذر خبراء اقتصاديون في حديث لـ"الشرق" من موجة تضخمية جديدة بسبب استخدام غاز البوتان في أنشطة اقتصادية عديدة.
يشمل نظام الدعم في المغرب أسعار أسطوانات غاز الطهي إضافة إلى مادتي السكر والدقيق عبر صندوق يُسمى "المقاصة" بلغت تكلفته العام الماضي نحو 3 مليارات دولار، خصصت 1.6 مليار دولار منها لغاز الطهي الذي يُستعمل في المنازل وأيضاً في المطاعم والمخابز والقطاع الزراعي.
سعي لخفض عجز الميزانية
يَقضي القرار الذي أعلنت عنه وزارة الاقتصاد والمالية برفع أسعار أسطوانة الغاز بحجم 3 كجم بقيمة 2.5 درهم إلى 12.5 درهم، بينما سترتفع الأسطوانة بحجم 12 كجم بنحو 10 دراهم إلى 50 درهماً وهي الأكثر استخداماً. يقدر متوسط الاستهلاك الإجمالي بأكثر من 220 مليون أسطوانة في السنة، لتمثل بذلك 24% من استهلاك المواد البترولية في البلاد.
يرى حسن العرفي، الخبير في المالية العمومية أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس في الرباط أن "رفع أسعار غاز الطهي يدخل ضمن بحث الحكومة على معادلات مالية تتيح تمويل برنامج الدعم المالي المباشر وأيضاً بهدف الحفاظ على التوازن المالي".
وفقاً لحسابات "الشرق"، ستوفر الدولة من خلال رفع أسعار أسطوانات غاز البوتان من الحجم الكبير بمقدار 10 دراهم حوالي 2.2 مليار درهم في السنة على الأقل، ليصل المجموع إلى 6.6 مليار درهم بحلول 2026 وفقاً لخطة الحكومة برفع الأسعار 10 دراهم في السنة.
خلال السنوات الماضية، تقلص عجز ميزانية المملكة بشكل كبير حيث انتقل من 7.1% عام 2021 إلى 4.4% العام الماضي، وتطمح الحكومة لتقليص النسبة إلى 3% بحلول عام 2026، بينما يربط صندوق النقد الدولي تحقيق خفضه إلى 3.3% بنجاح الحكومة في ترشيد الإنفاق والتخلي عن نظام دعم الأسعار لصالح التحويلات النقدية للأسر المحتاجة.
في المقابل، نوه يوسف كراوي، رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، بأن "خفض نفقات صندوق المقاصة لن يكون له تأثير كبير على عجز الميزانية، لأن ما سيتم اقتصاده سيتم توجيهه للدعم النقدي المباشر للأسر الفقيرة"، وأضاف أن "تقليص عجز الميزانية يحتاج لرفع الإيرادات الضريبية وترشيد الإنفاق الحكومي بصفة عامة".
في يناير الماضي، بدأت الحكومة المغربية لأول مرة صرف إعانات مالية نقدية شهرية للأسر المحتاجة بقيمة لا تقل عن 50 دولاراً وبلغ عدد المستفيدين في نهاية أبريل الماضي 3.6 مليون أسرة. من المرتقب أن يكلف هذا البرنامج هذا العام 2.5 مليار دولار، بحسب نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية في مقابلة سابقة مع "الشرق".
موجة تضخمية جديدة؟
مع إعلان الحكومة قرار رفع أسعار أسطوانات الغاز ساد التخوف من أن يُسبب ذلك موجةً تضخميةً جديدةً. حول هذا السيناريو، قال وديع مديح، رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك، إن "الأسعار الجديدة قد لا يُسفر عنها أي تأثير على الأسر، لكن قد تنتج عنها زيادات غير مباشرة وغير مبررة للأعمال التي تستهلك هذه المادة بشكل كبير وهي قطاع المطاعم والمخابز والضيعات الزراعية لضخ مياه الري".
تباطأ معدل التضخم العام في أبريل الماضي إلى 0.2% على أساس سنوي، وهو أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات ما يؤشر على عودة التضخم إلى مستويات ما قبل 2022 حيث سجل آنذاك معدل 6.6% وكان الأعلى منذ تسعينيات القرن الماضي.
يتفق الخبير الاقتصادي يوسف كراوي في حديث لـ"الشرق" مع الطرح السابق، وقال إن "رفع أسعار أسطوانات الغاز لن يكون له تأثير مباشر على الأسر بما أن الاستهلاك المتوسط لا يتجاوز قنينة واحدة في الشهر، لكن التأثير قد يأتي من المستهلكين الكبار لهذه المادة في قطاعات المخابز والمطاعم والقطاع الفلاحي إذا قرروا تمرير الارتفاع في تكلفة الإنتاج إلى المستهلك النهائي".
بحسب معطيات بنك المغرب المركزي؛ تستحوذ المواد المدعمة الثلاث (السكر والدقيق وغاز البوتان) على 7% من متوسط النفقات السنوية للأسر ذات الدخل المنخفض. من حيث الاستهلاك أكد المركزي في تقريره السنوي لعام 2022 أن الأسر الميسورة تحتكر النسبة الأكبر، وبالتالي؛ تكون المستفيدة الرئيسية من نظام الدعم.
ينتظر أن يأخذ البنك المركزي القرار الحكومي الجديد في توقعاته الجديدة للتضخم خلال اجتماع مجلس الشهر القادم. سبق للوالي عبد اللطيف الجواهري أن أكد لـ"الشرق" نهاية العام الماضي أن إمكانية العودة لرفع سعر الفائدة الرئيسي تعتمد على عدة معطيات من بينها توجه الحكومة للرفع التدريجي لدعم صندوق المقاصة وتأثيراته المحتملة على الأسعار.
التزام لصندوق النقد الدولي
في تقرير صدر في مارس الماضي، ذكر صندوق النقد الدولي أن المغرب قدم التزاماً بالرفع التدريجي لدعم صندوق المقاصة، ضمن التزامات أخرى، مقابل حصوله على قرض بقيمة 1.3 مليار دولار العام الماضي. وتدعم المؤسسة المالية المُقرضة خيار الدعم النقدي المباشر لتحقيق أكبر استهداف للمستحقين.
تعود منظومة دعم أسعار المواد الاستهلاكية في المملكة إلى أربعينيات القرن الماضي بتأسيس صندوق "المقاصة" التابع لوزارة الاقتصاد والمالية لدعم السكر والدقيق وغاز المنازل، وكان يدعم أيضاً أسعار المحروقات إلى أن تم تحريرها عام 2015.
خلال الفترة 2015-2023 بلغ دعم الدولة لأسعار أسطوانات غاز البوتان نحو 111 مليار درهم. بلغ متوسط الدعم الحكومي لكل أسطوانة بحجم 12 كجم حوالي 68 درهماً خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الماضي وفقاً لمعطيات وزارة الاقتصاد والمالية، ما يجعل متوسط السعر الحقيقي للقنينة الواحدة يتجاوز 100 درهم ويخضع ذلك لتطور الأسعار في السوق الدولية حيث يعتمد المغرب بالأساس على الولايات المتحدة الأميركية لاستيراد أغلب حاجياته من هذه المادة.