أزمة مياه القرم مشكلة بوتين المستحيلة

لوحة جدارية تظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقود مركباً، على جانب أحد المباني في يالطا، شبه جزيرة القرم - المصدر: بلومبرغ
لوحة جدارية تظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقود مركباً، على جانب أحد المباني في يالطا، شبه جزيرة القرم - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

تستنزف حالة الطوارئ الناجمة عن نقص المياه في شبه جزيرة القرم المليارات من أموال دافعي الضرائب الروس، بينما تحاول موسكو إصلاح مشكلة مستحيلة ناجمة عن ضم شبه الجزيرة في عام 2014.

تبدو جوهرة البحر الأسود التي رسمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكأنها حجر رحى على نحو متزايد.

كانت أوكرانيا قد بنت سداً على "قناة شمال القرم" قبل سبع سنوات، مما أدى إلى قطع ما يقرب من 90% من المياه العذبة عن المنطقة وإعادتها إلى ما قبل فترة الستينيات من القرن الماضي، عندما كان الكثير من أراضيها قاحلة. أضف إلى ذلك الجفاف الشديد ودرجات الحرارة المرتفعة العام الماضي، بجانب سنوات من نقص الاستثمار في الأنابيب والحفر، والحقول الجافة. وجرى تقنين استخدام المياه في العاصمة "سيمفيروبول" وفي أماكن أخرى.

أعطت شبه جزيرة القرم الصغيرة دفعة قوية لبوتين، في أعقاب الاحتجاجات التي أطاحت بحكومة كييف الصديقة لروسيا، عندما استولى، على منطقة تابعة لموسكو لعدة قرون لكنها كانت جزءاً من أوكرانيا المستقلة منذ عام 1991. وساعد ضم الإقليم الذي يساوي أقل من 0.2% من إجمالي مساحة روسيا في رفع شعبية بوتين الوطنية إلى مستويات قياسية في العام التالي، أو نحو ذلك. لكن الارتفاع في الشعبية تلاشى منذ ذلك الحين.

واليوم، يعاني السكان المحليون، الذين حصلوا على وعود قاطعة طموحة في عام 2014، من تداعيات حملة تأميم واسعة النطاق لم تخدم دائماً مصالحهم، وأزمة تفشي فيروس كورونا التي جرى التعامل معها بشكل سيئ، والصنابير الجافة. في غضون ذلك، أدت الأسعار المتضخمة بسبب العقوبات، والتي كانت مرتفعة حتى بعد بناء جسر بقيمة 3.7 مليار دولار فوق مضيق كيرتش، يربط الإقليم بروسيا، إلى التهام زيادات المعاشات التقاعدية والرواتب في هذه الأثناء. ومن الصعب الحصول على استطلاعات الرأي، لكن الأدلة من قصص الناس تكشف عن إحباط متزايد.

تعني الحاجة إلى ضخ المزيد من الأموال في شبه جزيرة القرم أن الروس في أماكن أخرى قد يخسرون، حيث يعانون بالفعل تحت اقتصاد تباطأ بسبب العقوبات الغربية التي أعقبت ضم القرم وغيرها من الأعمال السيئة. كما يتحملون وطأة قرار الكرملين بالتركيز على الاستقرار بدلاً من النمو، مما يحد من دعم الدخل المتأثر بالوباء. ولقد تضررت الأسر أولاً وقبل أي شيء من أزمة عام 2020 كثيراً -وربما بنفس مستوى أضرار أزمة شبه جزيرة القرم في بين عامي 2014-2015.

"><figcaption style="font-style: normal; text-align: right; direction: rtl;

فاتورة القرم

بلغت تكلفة دعم شبه جزيرة القرم 1.5 تريليون روبل روسي في السنوات الخمس الأولى من الاحتلال، أي ما يعادل عامين تقريباً من ميزانية التعليم في روسيا، وفقاً لمسؤول سابق في البنك المركزي، وهو ما يعادل أكثر من 20 مليار دولار بسعر الصرف اليوم. وفي العام الجاري، ستصل المساعدات والمنح والإعانات وحدها إلى حوالي 1.4 مليار دولار، ومن المقرر أن يرتفع الثمن.

المياه ليست جهة المعاناة الوحيدة، لكنها كانت الأصعب من حيث الحل، خاصة وأن الفوز بعودة القرم لا يزال يمثل أولوية للرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي". في الشهر الماضي، كان خزان "سيمفيروبول" ممتلئاً بنسبة 7%. وبدون مياه من نهر دنيبر، تقلصت الأراضي الصالحة للزراعة في شبه جزيرة القرم من 130 ألف هكتار في عام 2013 -وهي بالفعل تمثل جزءاً بسيطاً من مستويات الحقبة السوفيتية- إلى 14 ألف هكتار في عام 2017. وتضاءلت المحاصيل العطشى مثل الأرز.

لم يكن الأمر كذلك حتى العام الماضي عندما جرى تحفيز المسؤولين لاتخاذ إجراءات مهمة بشأن المياه، مع خطة بقيمة 48 مليار روبل تتضمن إصلاح الأنابيب لإنهاء الهدر جراء التسريب، وحفر الآبار، وتحلية المياه الحيوية والمكلفة للمحاصيل، ولكنها تعتبر مصدراً للتخفيف عن السكان. وقال مسؤولون حكوميون في اجتماع الكرملين يوم الخميس إن المشكلة ستحل.

يمثل هذا الأمر تحدياً. وحتى لو كان هناك المزيد من الأمطار هذا العام، فإن قدرة الحصول على المياه الرخيصة على المدى الطويل أمر في غاية الأهمية. يمكن تحقيق ذلك بسهولة من خلال إعادة فتح القناة وهو خيار تستبعده كييف. باستثناء ذلك، فإن فكرة الاكتفاء الذاتي لشبه جزيرة القرم بعيدة المنال، ولكن العديد من وفود السياحة الصينية مرحب بها على أمل الحصول على موارد نقدية جديدة.

"><figcaption style="font-style: normal; text-align: right; direction: rtl;

المساومة في المياه

الخلافات على المياه ليست جديدة بين الجيران والجيران القريبين، بداية من طاجيكستان وأوزبكستان المتصارعة حول سد "روغون"، إلى نهر النيل وسد النهضة الإثيوبي الكبير، أو نهر "ميكونغ" في جنوب شرق آسيا. في شبه جزيرة القرم، يلامس ذلك صميم عمل التوازن الروسي، بين الطموح الجيوسياسي والكرامة الوطنية، والاستياء المتزايد مع الواقع المكلف للعقوبات التي تعيق التنمية في المنطقة إلى الحد الذي يريد فيه الكرملين عدم الكشف عن هوية بعض كبار المستثمرين أصحاب الإنفاق الكبير.

إذا لم يجر إصلاحها قريباً، فإن هذه الأزمة قد تصل إلى ذروتها في وقت مهم بالنسبة لبوتين، حيث يحتاج إلى فوز قوي في انتخابات مجلس الدوما في شهر سبتمبر المقبل والانتخابات الإقليمية، التي ستكون الأخيرة قبل عام 2024، عندما تنتهي فترته الرئاسية الحالية. ولا يزال الروس يؤيدون بأغلبية ساحقة ضم شبه جزيرة القرم. ومن غير الواضح أن ذلك سيستمر مع ارتفاع التكاليف الناتجة عنه، وركود الاقتصاد، واستمرار الوباء، مما قد يدفع المناطق الأخرى إلى المطالبة بنصيبها من الإنفاق.

يواجه الكرملين الرفض، فبعد احتجاجات غير مسبوقة في الشوارع على سجن المعارض "أليكسي نافالني"، كثفت روسيا الجهود لإسكات المعارضين، مع حملات قمع على وسائل التواصل الاجتماعي واعتقال جماعي في نهاية الأسبوع الماضي لنواب المجلس البلدي.

فهل يمكن أن يجتمع الضغط السياسي المتزايد والعطش المطلق لإثارة التوغل الروسي في أوكرانيا؟ قد تعني مثل هذه الخطوة الوصول إلى القناة المسدودة، مع تقديم دفعة وطنية في الوقت المناسب. لكن هذا يبدو غير محتمل. وسيثير تساؤلات حول خطط منطقة "دونباس" الانفصالية الشرقية حيث يشتعل الصراع هناك. ويشير ماكسيميليان هيس، الزميل في معهد "فورين بوليسي" المختص بأبحاث السياسة الخارجية، إلى أن أوكرانيا "شبح" مفيد في تفسير الفشل في تطوير شبه جزيرة القرم، وهي مناقشة أسهل من الجدل حول نقص الاستثمار ومزاعم السرقة الحكومية.

ويضيف هيس أن المصالح المائية على الجانبين يمكن أن تشكل صفقات مفيدة، حتى ولو كانت بموجب اتفاق غير رسمي. ويتمثل أحد الاحتمالات في أن تقدم روسيا ضمانات حول حق الوصول المتنازع عليه إلى "بحر آزوف"، والذي من خلاله تصدر أوكرانيا الصلب والفحم وغيرهما. وفي عام 2018، احتجزت روسيا مجموعة من السفن الأوكرانية وأغلقت مضيق كيرتش.

وفي الحقيقة، لا يوجد احتمال لحل وشيك. وتعتبر شبه جزيرة القرم الظمآنة، حيث تخشى البنوك الروسية بسط نشاطها فيها، تذكير بأن ثمن العزلة الدولية يعني زيادة تكاليف دعم الحياة والركود الاقتصادي لجميع الأطراف المتورطة.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات
الآراء الأكثر قراءة