تفقد الصين بريقها كوجهة رئيسية للاستثمار مع سعي الشركات إلى تجنب المخاطر الجيوسياسية والتحول إلى جنوب شرق آسيا وأوروبا، وفقاً لاستطلاع أجرته غرفة التجارة الأوروبية في الصين.
رأت 13% فقط من الشركات التي شملها الاستطلاع في بداية العام الجاري الدولة كوجهة رئيسية للاستثمارات، وهو أدنى مستوى منذ بدء السجلات في 2010، انخفاضاً من 27% في 2021. وكانت الشركات أكثر تفاؤلاً بشأن النمو في الصين آنذاك، لكنها تحول الآن استثماراتها بشكل متزايد للتخفيف من تأثير "الفصل" بين الصين وبقية الدول، وكذلك لإيجاد فرص في أماكن أخرى، حسب استطلاع صدر اليوم الجمعة.
وتسلط ردود الفعل القاتمة الضوء على تلاشي جاذبية الصين بالنسبة للشركات الأجنبية رغم تعهد الرئيس شي جين بينغ في نوفمبر باتخاذ مزيد من التدابير "المطمئنة" لتسهيل الوصول إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم. ويثير تراجع المعنويات القلق بشكل خاص لأنه يعكس وجهة نظر حول البلاد مع انحسار الوباء بشكل كبير، مما يوضح أن التحديات طويلة الأمد.
تعليقاً على الأمر، أفاد ينس إسكيلوند، رئيس غرفة التجارة، في مؤتمر صحفي أمس الخميس: "ما نراه الآن هو أن إدراك القضايا في الاقتصاد المحلي بدأ يكتسب الآن طابعاً أكثر ديمومة، وهذا يعني أن الشركات بدأت في تعديل توقعاتها".
أوضاع أكبر صعوبة
أوضح أكثر من ثلثي المشاركين في الاستطلاع أن القيام بأعمال تجارية في الصين أصبح أكثر صعوبة في 2023، وهي أعلى نسبة منذ طرح السؤال لأول مرة في 2014. وأبلغ قطاع البناء عن ظروف صعبة بشكل خاص، مشيراً إلى أن الميدان يميل أكثر لصالح المنافسين المحليين مع تباطؤ نشاط البناء وسط أزمة العقارات في الصين.
اشتكى مجموعة من القادة الأجانب، مثل المستشار الألماني أولاف شولتس ووزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، في الأسابيع الأخيرة إلى بكين بشأن المعاملة غير المتكافئة للشركات الأجنبية العاملة في الدولة.
وكثف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حملتهما ضد الممارسات التجارية والاقتصادية للصين، مع الاعتراض بشكل خاص على ما يقولون إنها القدرة الصناعية الفائضة للصين ومحاولتها لإنعاش النمو عبر إغراق الأسواق العالمية بمنتجات رخيصة، مثل السيارات الكهربائية والصلب.
حملة ضد ممارسات الصين
عزز الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حملة ضد ممارسات الصين التجارية والاقتصادية، مع الاعتراض بشكل خاص على ما يقولون إنه فائض صناعي للصين ومحاولتها لإحياء النمو من خلال غمر الأسواق العالمية بمنتجات رخيصة، بما في ذلك المركبات الكهربائية والفولاذ.
وترديداً لهذه المخاوف، قال أكثر من ثلث شركات الاتحاد الأوروبي في الصين إنها ترى طاقة فائضة في مختلف الصناعات، مع التركيز بشكل أكبر على قطاعي البناء والسيارات. ويعزون ذلك إلى الاستثمار المفرط في الطاقة الإنتاجية المحلية ونقص الطلب داخل الصين، موضحين أن الفائض يُخفض الأسعار ويزيد الضغوط التنافسية في البلاد.
هدد قادة أوروبا بفرض رسوم جمركية جديدة على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين، متهمين بكين بتقديم دعم مالي غير قانوني لهذه الصناعة. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين هذا الأسبوع إن الكتلة مستعدة لاستخدام كافة الأدوات المتاحة للدفاع عن اقتصاداتها بعد اجتماع مع شي في باريس.
ومن جانبها، رفضت الصين هذه المزاعم معتبرة أن صناعتها تتمتع بتنافسية بسبب الابتكار، وليس بسبب الدعم الحكومي.
تظل القواعد الغامضة والبيئة القانونية غير المتوقعة من العقبات التنظيمية الرئيسية، وفقاً للاستطلاع. وتعتقد شركات الخدمات المالية أن القوانين المتعلقة بالبيانات تشكل مصدر قلق كبير، رغم إجراء الاستطلاع في يناير وفبراير قبل أن تتراجع الصين عن القواعد الجديدة التي تحكم تدفق البيانات عبر الحدود.
خفض التكاليف
تفاقمت المخاوف بشأن تباطؤ اقتصاد الصين خلال 2024، حيث صنفه 55% من المشاركين ضمن أكبر ثلاثة تحديات تجارية مقارنة بـ36% فقط في العام السابق. وتخطط أكثر من نصف الشركات التي شملها الاستطلاع لخفض التكاليف، حيث تتطلع واحدة من كل أربع من تلك الشركات إلى فعل ذلك عبر تقليل عدد الموظفين.
ويخطط 42% فقط من المستطلعين لتوسيع عملياتهم في البلاد خلال 2024، وهو أدنى مستوى منذ بدء السجلات في 2012. وأوضحت الغرفة التجارية أن هذه الإجراءات تهدد بتفاقم المشكلات الاقتصادية في البلاد.
مع تلاشي جاذبية الصين كوجهة استثمارية للشركات الأوروبية، ظهرت رابطة دول جنوب شرق آسيا كمستفيد رئيسي من الأموال المعاد توجيهها، تليها أوروبا والهند وأميركا الشمالية، وفقاً للاستطلاع.