يتجه المستثمرون الذين يجذبهم العائد المرتفع وانخفاض قيمة العملة، إلى شراء السندات المحلية المصرية بوتيرة قياسية، بعد أن أدى التغيير في السياسة النقدية خلال وقت سابق من الشهر الجاري إلى إتاحة مساعدات وتمويلات بعشرات المليارات من الدولارات.
زادت العروض المقدمة في عطاءات شراء أذون الخزانة إلى مستويات مرتفعة تاريخياً بعد تخفيض قيمة العملة المصرية في السادس من مارس، مع تلاشي خطر انخفاض العملة بشكل أكبر، وارتفاع علاوة الاحتفاظ بها إلى مستوى قياسي مقارنة بسندات الأسواق الناشئة الأخرى.
قفز الطلب على أذون الخزانة لأجل 364 يوماً إلى أكثر من 400 مليار جنيه مصري (8.5 مليار دولار) في عطاء واحد هذا الشهر، وهو الأعلى على الإطلاق، مع إقبال المستثمرين بقوة على شراء أدوات الدين بمختلف آجال الاستحقاق.
تحظى مصر بمكانة متميزة بشكل متزايد بالنسبة لتجار الفائدة، الذين يقترضون مقابل أسعار فائدة منخفضة، بهدف الاستثمار في أماكن أخرى لتحقيق عوائد مرتفعة. ارتفعت العملة المحلية مقابل الدولار منذ السماح لها بالانخفاض بأكثر من 38% قبل ثلاثة أسابيع، وهو القرار الذي رافقه أكبر رفع لأسعار الفائدة في مصر على الإطلاق.
وقال سمير جاديو، رئيس استراتيجية أفريقيا لدى بنك "ستاندرد تشارترد" إن "المستثمرين كانوا ينتظرون حدوث تحوّل في السوق المحلية لشراء كميات كبيرة من السندات المصرية باستخدام استراتيجية تجارة الفائدة".
اقرأ أيضاً: الأموال الساخنة تتأهب لدخول مصر مع عودة جاذبية سنداتها المحلية
حصلت مصر هذا العام على تعهدات بشأن استثمارات وقروض تزيد قيمتها عن 50 مليار دولار في خطة إنقاذ عالمية تضمنت صفقة بقيمة 35 مليار دولار مع الإمارات، وهو أكبر استثمار مباشر في تاريخ مصر. مهد تعهد الإمارات الطريق أمام تعويم العملة بعد طول انتظار، والتوصل إلى برنامج موسع مع صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار.
تراجع الفجوة في سعر الصرف
يتم تداول أذون الخزانة المصرية بأكبر خصم على الإطلاق مقارنة بديون الأسواق الناشئة الأخرى، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ". ضاقت الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والعقود الآجلة غير القابلة للتسليم للجنيه المصري بشكل حاد بعد تخفيض قيمة العملة، مما يشير إلى توقعات استقرارها بشكل أكثر في السوق.
وقال جوردون باورز، المحلل لدى "كولومبيا ثريد نيدل إنفستمنتس" (Columbia Threadneedle Investments) في لندن إن "هناك طلباً كبيراً في العطاءات كون المستثمرين الأجانب يحرصون على الشراء عند المستويات الحالية للعملة، حيث يمكن القول إن الجنيه أقوى مما ينبغي بفضل تدفق الكميات الكبيرة من الاحتياطيات الأجنبية". وأضاف أن الطلب على أذون الخزانة "أصبح قوياً للغاية لأنها توفر الكثير من الحماية لاستيعاب أي انخفاض في قيمة العملة في المستقبل"، مشيراً إلى أنه "رغم قوة الطلب على عطاءات أذون الخزانة، إلا أنه قد يتراجع أكثر عن المستويات القياسية المرتفعة في الآونة الأخيرة مع تراجع العوائد"، موضحاً: "ربما ارتفع الطلب بشدة على شراء أذون الخزانة مباشرة بعد تخفيض قيمة العملة".
اقرأ أيضاً: المركزي المصري يرفع أسعار الفائدة 600 نقطة أساس في اجتماع استثنائي
كان المستثمرون يتجنبون في السابق شراء أدوات الدين المصرية مع مقاومة البنك المركزي تخفيض قيمة الجنيه الذي يديره عن كثب. أصبحت قيمة الجنيه مبالغاً فيها في نظر المستثمرين الأجانب، مما ساهم في نقص العملة الصعبة، الأمر الذي كان سبباً في ارتفاع التضخم.
تغيير النظرة المستقبلية
أشار تييري لاروس، مدير محفظة استثمارية لدى "فونتوبيل أسيت مانجمنت" ( Vontobel Asset Management AG) إلى أن حجم خطة الإنقاذ وسرعة التحول في معنويات المستثمرين يستدعي الحذر، مضيفاً أن "ضخ الأموال في اقتصاد صغير نسبياً والتدفقات الاستثمارية بشكل مفاجئ، قد يجلبان مخاطر".
وتابع: "أتوقع في مرحلة ما أن الحكومة قد ترتكب بعض الأخطاء، ما يترك مساحة ضيقة أمام المستثمرين الأجانب للخروج. بالنسبة لنا فإن الاستثمار في مصر هو لعبة تكتيكية، بدلاً من رؤية استراتيجية لدعم التنمية طويلة المدى".
في الوقت نفسه، بلغ العائد الإضافي الذي يطلبه المستثمرون لحيازة سندات مصر المقومة بالدولار بدلاً من سندات الخزانة الأميركية دون 600 نقطة أساس أمس الأربعاء، وفق بيانات "جيه بي مورغان"، منخفضاً من مستوى 1000 نقطة أساس الذي يعتبر بين المستثمرين إشارة إلى أن الأصول معرضة للخطر.
اقرأ أيضاً: مصر نجت من انهيار اقتصادي.. فماذا بعد؟
وقال كيفن دالي وكليمنس غراف، المحللان لدى "غولدمان ساكس"، في مذكرة بحثية، إن "الجمع بين إجراء تغيير في السياسات والتمويل الكبير من الخارج، أدى إلى تغيير النظرة المستقبلية لاقتصاد مصر، وسيستمر في دعم نظرية الاستثمار في الأصول المصرية المحفوفة بالمخاطر".
توقع المحللان "استمرار ارتفاع قيمة الجنيه بدفع من التدفقات القوية من العملات الأجنبية، وانخفاضاً حاداً في التضخم وأسعار الفائدة على مدى الـ 12 شهراً المقبلة، وارتفاع الاحتياطيات الخارجية بفضل التحسن الكبير في توقعات التمويل الخارجي".