تراهن البنوك الأميركية على صعود سعر صرف الدولار في حال فوز دونالد ترمب بولاية رئاسية ثانية، رغم أن التاريخ يخالف تلك التوقعات، وفق بحث حلل بيانات تمتد لنحو 40 عاماً.
توصل باسكالي ديلا كورتي من كلية "إمبريال كوليدج" للأعمال في لندن، وهسوان فو من جامعة "لافال" في كيبيك، إلى وجود علاقة إحصائية ملموسة بين ارتفاع أسعار الصرف ودورات الانتخابات الرئاسية الأميركية.
أوضحت الدراسة التي لم يراجعها النظراء بعد، ارتفاع الدولار بنسبة 4.2% سنوياً في المتوسط عند تولي الحزب الديمقراطي السلطة، وانخفاضه بنسبة 1.3% في عهد الجمهوريين. فخلال فترة رئاسة ترمب الأولى، هبطت العملة الخضراء بنسبة 10% على أساس مُرجح بالتجارة.
السياسة التجارية لها الأثر الأهم
تخالف نتائج الدراسة التوقعات المتزايدة من بنوك مثل "باركليز" و"جيه بي مورغان" و"ويلز فارغو" و"سيتي غروب" بأن يؤدي مزيج يجمع خفض الرسوم الجمركية على الصادرات والتخفيضات الضريبية، إلى ارتفاع الدولار، إذ إنه سيدفع التضخم إلى الارتفاع ويطرح احتمال رفع أسعار الفائدة في الوقت نفسه. وتشير الدراسة إلى أن العامل الحاسم الجدير بالمتابعة يتمثل في استراتيجية التجارة، التي طالما كان لها الأثر الأكبر على العملة الخضراء من الناحية التاريخية.
قال ديلا كورتي في حوار: "توصلنا إلى أن رؤساء الولايات المتحدة وسياساتهم التجارية لها تأثير كبير على الدولار. وعلى النقيض، لم نجد علاقة بين ارتفاع العملة الخضراء من جهة وفرق أسعار الفوائد أو معدل التضخم في أنحاء البلاد من جهة أخرى".
اقرأ أيضاً: ترمب يهدد بفرض 100% رسوماً جمركية على السيارات الصينية المصنوعة في المكسيك
تفيد إحدى النظريات الأولية التي طرحها الأكاديميان بأن ذلك النوع من الحواجز التجارية التي يفرضها الجمهوريون عادة ما تستجلب رداً، وتضر التجارة العالمية، وتقلل الطلب على الدولار في نهاية المطاف، وقال ديلا كورتي: "نحن لا نعبر عن موقف سياسي، فهذا ما أثبتته الدراسة".
اقترح ترمب فرض تعريفة جمركية بنسبة 10% على كل البضائع المستوردة، ونسبة أعلى بكثير على الواردات الصينية، كما سيستهدف الاتحاد الأوروبي بمجموعة من الإجراءات التجارية المحتملة، وكذلك طرح فكرة تحويل المساعدات الأجنبية إلى قروض.
تغير كبير في سياسة الدولار
منذ 2017، تميل سياسة العملة في الولايات المتحدة إلى انخفاض سعر صرف الدولار، يعد ذلك تغيراً جذرياً عن تفضيل عملة قوية، وهو النهج الذي استمر لعقود. هذا التغيير الذي بدأ في عهد رئاسة ترمب وتبنته إدارة الرئيس جو بايدن بعدها، يهدف إلى دعم السياسات الاقتصادية التي تتوخى المصلحة الذاتية للبلاد، والغرض منها إنعاش قطاع التصنيع الأميركي.
رغم أن وزارة الخزانة هي الجهة المنوطة بوضع سياسة العملة في الولايات المتحدة، فإن الإجراءات التي يتخذها بنك الاحتياطي الفيدرالي لها أثر أكبر من السياسة المالية على سعر صرف الدولار.
توقعات السوق
لم تسبب النتيجة المحتملة للانتخابات المرتقبة إقامتها في نوفمبر المقبل أي تحركات في سوق العملة، حيث ينشغل التجار باحتمال خفض أسعار الفائدة. غير أن توقعات المحللين الاستراتيجيين في عدد من أكبر البنوك الأميركية تشير إلى تشكل إجماع على رهان أن فوز ترمب سيفيد الدولار.
اقرأ أيضاً: حائز "نوبل" في الاقتصاد مايكل سبنس لـ"الشرق": الحرب على التضخم اقتربت من نهايتها
توقع المحللون في "باركليز" ارتفاع الدولار بنسبة تصل إلى 3% بفضل التعريفة الجمركية التي اقترحها ترمب، فيما توقع المحللون الاستراتيجيون في "جيه بي مورغان" ارتفاعاً محتملاً في نطاق يتراوح بين 4% و6%، مشيرين إلى أن احتدام المنافسة بين الولايات المتحدة والصين سيصب في مصلحة الدولار. وكذلك يرى بنكا "سيتي غروب" و"ويلز فارغو" فرصة لارتفاع العملة الأميركية مرتبطة بفوز ترمب المحتمل.
قالت تشارو تشانانا، مديرة استراتيجية العملات الأجنبية في "ساكسو ماركتس" (Saxo Markets) في سنغافورة: "ستبدأ الأسواق في توقع بعض المخاطر المرتبطة بالانتخابات، وينصب التركيز الأكبر على خطر فوز ترمب بالرئاسة، وخطر زيادة التعريفة الجمركية". وأضافت أن ذلك سيجلب طلباً آمناً على الدولار.
تأثير الانتخابات على سعر الصرف
بدأ ديلا كورتي دراسة تأثير السياسة على العملات في 2016، بعدما لاحظ أن الاستفتاء على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي وحملة ترمب الانتخابية سببا تقلباً كبيراً في سعر صرف العملتين. وطرح تقريراً عن النتائج لأول مرة بالاشتراك مع "فو" في 2018. وجرى تحديث النسخة الأحدث من البحث الذي يحمل اسم "دورات الانتخابات الرئاسية وأسعار الصرف" (Presidential Cycles and Exchange Rates) في العام الجاري.
اقرأ أيضاً: بايدن يعتمد تمويلاً بـ1.2 تريليون دولار لإنقاذ الحكومة من الإغلاق
ركز الأكاديميان على الولايات المتحدة نظراً لوجود جدول زمني موثوق للانتخابات في البلاد، ولأن المواقف السياسية للحزبين السياسيين يسهل توقعها نسبياً. كما فحصت الدراسة التي أعداها أثر عوامل متغيرة، مثل أسعار الفائدة والأوضاع السياسية القائمة من قبل.
وأكد ديلا كورتي أن الدراسة تنطبق على الإجراءات السياسية بشكل أكبر من انطباقها على المرشحين. فإذا غيّر رئيس من الحزب الجمهوري موقفه لصالح اتفاقيات التجارة، أو أصبح رئيس من الحزب الديمقراطي أكثر تشدداً، ستكون النتائج التاريخية أقل موثوقية.