بدأت أجراس الإنذار تدقُّ في الأسواق الناشئة، في حين تستعدُّ البلدان لعصر جديد من ارتفاع أسعار الفائدة، فبعد فترة غير مسبوقة من خفض أسعار الفائدة لدعم الاقتصادات المتضررة من تداعيات وباء كورونا، من المتوقَّع أن ترفع البرازيل أسعار الفائدة الأسبوع الجاري، ويمكن أن تحذو حذوها نيجيريا وجنوب أفريقيا قريباً، وفقاً لـِ " بلومبرغ إيكونوميكس".
وتوقَّفت روسيا بالفعل عن التيسير النقدي في وقت مبكر جداً عما كان متوقَّعاً، وقد تلحق بها إندونيسيا.
ويرجع سبب التحول نحو رفع أسعار الفائدة، إلى تجدد التفاؤل بالنسبة لآفاق الاقتصاد العالمي وسط إقرار حزمة تحفيز أكبر في الولايات المتحدة لمواجهة تداعيات كورونا، مما يؤدي لارتفاع تضخم أسعار السلع الأساسية، وعوائد السندات العالمية، في حين يثقل كاهل عملات الدول النامية مع تدفُّق رؤوس الأموال إلى خارجها لأماكن أخرى.
ومن المرجَّح أن يتسبَّب التحول في السياسة النقدية في إلحاق أكبر قدر من الألم بتلك الاقتصادات التي لا تزال تكافح من أجل التعافي، أو التي تضخَّمت أعباء ديونها أثناء الوباء.
وعلاوةً على ذلك، فإنَّ صعود أسعار المستهلكين ( التضخم)، بما في ذلك تكاليف الغذاء، التي ستؤدي إلى ارتفاع المعدَّلات، مما يلحق الضرر الأكبر بأشد الأشخاص فقراً في العالم.
أسعار الغذاء والتضخم
وقالت كارمن راينهارت، كبيرة الاقتصاديين في البنك الدولي، في مقابلة، إنَّ "ما يحدث في أسعار الغذاء والتضخم مهم بالنسبة لقضية عدم المساواة، فيما يتعلَّق بالصدمة التي لها آثار غير متساوية للغاية"، في إشارة إلى تركيا ونيجيريا؛ لأنَّهما دولتان تواجهان عدَّة مخاطر.
وأضافت: "ما قد نراه هو سلسلة من زيادات أسعار الفائدة في الأسواق الناشئة في محاولة لمواجهة تأثيرات انخفاض العملة، ومحاولة الحد من الاتجاه الصعودي للتضخم".
المستثمرون على أهبة الاستعداد
وانخفض مؤشر" إم إس سي أي" (MSCI ) للأسواق الناشئة للعملات بنسبة 0.5% حتى الآن في 2021 بعد ارتفاعه بنسبة 3.3% في 2020، في حين قفز مؤشر بلومبرغ للسلع بنسبة 10%، مع انتعاش النفط الخام إلى أعلى مستوياته خلال عامين تقريباً.
وتعدُّ زيادة أسعار الفائدة مشكلة بالنسبة للأسواق الناشئة بسبب زيادة الاقتراض المرتبط بالوباء.
وارتفع إجمالي الديون المستحقة في جميع بلدان العالم النامي إلى 250% من الناتج المحلي الإجمالي للدول مجتمعة في 2020، فقد اقترضت الحكومات، والشركات، والأسر على مستوى العالم 24 تريليون دولار لمواجهة تداعيات الوباء.
وكانت أكبر زيادة في عمليات الاقتراض بالصين، وتركيا، وكوريا الجنوبية، والإمارات العربية المتحدة.
تخفيف عبء الاقتراض
ويقول زياد داوود محلل الأسواق الناشئة في "بلومبرغ إيكونوميكس": "المدُّ يتجه نحو البنوك المركزية في الأسواق الناشئة. والتوقيت غير مناسب، فمعظم الأسواق الناشئة لم تتعافَ بالكامل بعد من الركود بسبب الوباء".
وأضاف "هناك فرصة ضئيلة لتخفيف عبء الاقتراض في أيِّ وقت قريب، فمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وصندوق النقد الدولي من بين المنظمات التي حذَّرت الحكومات من مغبة وقف حزم التحفيز قريباً جداً".
وترى وكالة "موديز"، أنَّه يتعيَّن استمرار ضخِّ حزم التحفيز، إذ يقول كولين إليس ، كبير مسؤولي الائتمان بوكالة "موديز" في لندن، و"آن فان براغ"، مدير قسم الدخل الثابت بنيويورك، في تقرير الأسبوع الماضي، "في حين تعافت أسعار الأصول والوصول إلى الأسواق لمصدِّري الديون إلى حدٍّ كبير من الصدمة، فإنَّ مقاييس الرافعة المالية قد تحوَّلت بشكل دائم".
وأضاف المحللان أنَّ "هذا دليل بشكل واضح خاصة بالنسبة للحكومات، التي أنفق بعضها مبالغ غير مسبوقة لمكافحة الوباء، ودعم النشاط الاقتصادي".
ومما يزيد من تعقيد التوقُّعات بالنسبة للأسواق الناشئة أنَّها كانت أبطأ في طرح لقاحات كورونا.
وتعتقد مؤسسة " سيتي غروب" أنَّ مثل هذه الاقتصادات لن تشكل مناعة قطيع حتى الوقت بين نهاية الربع الثالث من 2021، والنصف الأول من عام 2022. ومن المتوقَّع أن تشكِّل الاقتصادات المتقدِّمة مناعة القطيع مع حلول نهاية عام 2021.
زيادة الفائدة في الأسواق الناشئة
ومن المرجَّح أن تكون البرازيل هي أوَّل الدول التي تغيِّر المسار (وترفع أسعار الفائدة). ومن المتوقَّع أن يرفع صانعو السياسة سعر الفائدة القياسي بمقدار 50 أساساً (0.5%) إلى 2.5% عندما يجتمعون يوم الأربعاء.
ويجتمع البنك المركزي التركي، الذي شرع بالفعل في زيادة أسعار الفائدة لدعم الليرة وترويض التضخم، يوم الخميس، مع احتمال رفعها 100 نقطة أساس (1%). وقد يشير البنك المركزي الروسي يوم الجمعة إلى أنَّ التشديد النقدي (رفع أسعار الفائدة) بات وشيكاً.
ويمكن لنيجيريا والأرجنتين بعد ذلك رفع أسعار الفائدة لديهما في أقرب وقت ممكن في الربع الثاني من العام الجاري، وفقاً لـ " بلومبرغ إيكونوميكس".
وتظهر مقاييس السوق أنَّ التوقُّعات تتزايد أيضاً لتشديد السياسة النقدية في الهند، وكوريا الجنوبية، وماليزيا، وتايلاند.
وكتب محللو مصرف الاستثمار العالمي "غولدمان ساكس" في تقرير أنَّه " في ضوء ارتفاع المعدَّلات العالمية، وما كان من المرجح أن يؤدي إلى ارتفاع معدَّل التضخم الأساسي في العام المقبل، فإنَّنا نرفع توقُّعاتنا لعودة السياسة النقدية إلى وضعها الطبيعي لدى معظم البنوك المركزية حتى عام 2022، بدءاً من أواخر عام 2022، أو 2023 قبل ذلك".
وأضاف المحللون في التقرير: " بالنسبة لبنك الاحتياطي الهندي، فإنَّ تشديد السيولة هذا العام يمكن أن يتحوَّل إلى دورة رفع في العام المقبل، بالنظر إلى مسار التعافي الأسرع، والتضخم الأساسي المرتفع والثابت".
تقلُّبات مفاجئة في أسواق الصرف
وقد تكون بعض البلدان في وضع أفضل لمواجهة العاصفة مقارنة بما كانت عليه خلال "نوبة غضب الأسواق" في عام 2013 عندما أدَّت الرهانات على خفض حزم التحفيز بالولايات المتحدة (تقليل المركزي الأمريكي شراء السندات) إلى تدفُّقات رأس المال إلى الخارج، وتقلُّبات مفاجئة في أسواق الصرف الأجنبي.
وفي آسيا الناشئة، قامت البنوك المركزية بتكوين احتياطيات مهمة جزئياً، عن طريق إضافة 468 مليار دولار إلى الاحتياطيات الدولية في 2020، أكبر قيمة في ثماني سنوات.
ومع ذلك، فإنَّ المعدَّلات المرتفعة ستكشف أنَّ بلداناً، مثل البرازيل وجنوب إفريقيا، غير مؤهلة لتحقيق الاستقرار في الديون التي تراكمت عليها في العام الماضي، بحسب ما قال سيرجي لاناو وجوناثان فورتون، الاقتصاديان في "معهد التمويل الدولي"، ومقرُّه واشنطن، في تقرير الأسبوع الماضي.
وكتب الاقتصاديان: "بالنسبة إلى الأسواق المتقدِّمة، فإنَّ أسعار الفائدة المنخفضة التي توفِّرها الأسواق الناشئة محدودة بدرجة أكبر"
وأضافوا أنَّ "أسعار الفائدة المرتفعة من شأنها أن تقلل الحيز المالي بشكل كبير. الأسواق الناشئة الآسيوية ذات النمو المرتفع قد تكون قادرة على تحمُّل عجز أولي مع استمرار استقرار الديون".
أكثر الأسواق عرضة للخطر
وقال ويليام جاكسون، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في "كابيتال إيكونوميكس" بلندن، في تقرير، إنَّ أكثر الأسواق عرضة للخطر، هي التي لا تزال تعتمد بشدَّة على الديون الخارجية، مثل تركيا، وكينيا، وتونس.
ومع ذلك، فقد ارتفعت عائدات السندات السيادية بالعملة المحلية، مما ألحق أضراراً باقتصادات أمريكا اللاتينية أكثر من غيرها، وفق جاكسون.
وقد تضطر أسواق ناشئة أخرى إلى تأجيل إجراءاتها المالية الخاصة بعد تمرير حزمة التحفيز الأمريكية البالغة 1.9 تريليون دولار، وهو الخطر الذي أكَّدته مؤسسة "نومورا هولدنغز" منذ أكثر من شهر.
وكتب روب سوبارامان، رئيس أبحاث الأسواق العالمية في "نومورا" بسنغافورة، في تقرير حديث: "قد تميل الحكومات إلى اتباع دعوة جانيت يلين (وزيرة الخزانة الأمريكية) الواضحة للعمل بشكل كبير خلال العام الجاري بشأن السياسة المالية، لمواصلة إدارة عجز مالي كبير أو حتى أكبر.. ومع ذلك، قد تكون هذه استراتيجية تنطوي على خطورة".
وقال، إنَّ عبء الفائدة الصافي لحكومات الأسواق الناشئة يزيد ثلاثة أضعاف عن نظرائها في الأسواق المتقدِّمة، في حين أنَّ الأسواق الناشئة أكثر عرضة للتضخم، وتعتمد على التمويل الخارجي.
وبالإضافة إلى جنوب أفريقيا، سلَّط تقرير "نومورا" الضوء على مصر، وباكستان، والهند، لأنَّها أسواق شهدت ارتفاع صافي مدفوعات الفائدة على الدين الحكومي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة بين عامي 2011، و 2020.