الغموض يسيطر على لعبة المفاوضات في قطاع الشحن بسبب الحروب والجفاف وأزمة الاقتصاد

جنون شهر مارس قادم في لعبة الشحن العالمية

سفينة الحاويات "إم إس سي ديانا" في ميناء فيليكسستو، المملوكة لوحدة تابعة لشركة "سي كيه هاتشيسون هولدينغز" (CK Hutchison Holdings)، في فيليكسستو، المملكة المتحدة، يوم الإثنين 4 مارس 2024. - المصدر: بلومبرغ
سفينة الحاويات "إم إس سي ديانا" في ميناء فيليكسستو، المملوكة لوحدة تابعة لشركة "سي كيه هاتشيسون هولدينغز" (CK Hutchison Holdings)، في فيليكسستو، المملكة المتحدة، يوم الإثنين 4 مارس 2024. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

مارس هو موسم الانخفاض التقليدي في نشاط الخدمات اللوجستية العالمية بعد انقضاء فترة التسوق في أعياد الميلاد وإغلاق المحال بمناسبة السنة القمرية الجديدة في يناير وفبراير، ما يؤدي إلى انخفاض عدد البضائع الخارجة من المصانع في آسيا. وهو أيضاً الوقت الذي يجلس فيه مشغلو السفن والمستوردون ووكلاء الشحن لمناقشة التعاقدات طويلة الأجل.

في أفضل الأوقات، يبدو ذلك مثل رقصة شديدة التعقيد بين عدد كبير من أصحاب المصلحة مع المخاطرة بمليارات الدولارات من الإيرادات والمخزون والبنية التحتية. ويعد التفاوض في هذه الصفقات تمريناً هائلاً في نظرية اللعبة، إذ يحاول كل طرف تقييم احتياجاته الخاصة مع تخمين ما سيقدمه الطرف الآخر.

ربما صارت هذه العملية أشد تعقيداً بكثير في عام 2024 مقارنة بما كانت عليه أثناء ذروة جائحة كوفيد-19، عندما حلق الطلب إلى أعلى وتعطلت الخدمات اللوجستية بسبب عمليات الإغلاق.

ونستطيع النظر إلى العوامل المتأرجحة التي تؤثر على العرض والطلب في قطاع الشحن على أنها تنقسم إلى متغيرات متوقعة وأخرى غير متوقعة. في الفئة الأولى، هناك مخاطر عرف القطاع دائماً بوجودها، حتى لو تعذر التنبؤ بتوقيتها أو شدتها بدرجة عالية من الدقة، أي سوء الأحوال الجوية، وغلة المحاصيل، وتقلب أسعار النفط، والركود. أما المتغيرات غير المتوقعة فتشمل الحروب والأوبئة والحظر والأزمات المالية المفاجئة.

أوضاع أصعب من زمن الجائحة

كانت الأوضاع صعبة على وجه الخصوص في عامي 2020 و2021. فلم يتوقع أحد جائحة كورونا، ويقيناً، لم نكن نعلم إلى متى ستستمر. ومع ذلك، كانت الجائحة متغيراً كبيراً نستطيع تتبعه بسهولة مع قيام الحكومات بفتح الحدود وإغلاقها، في حين وفرت بيانات التجارة – شاملة طلبات التصدير المستقبلية – بعض الوضوح في وضع يطغى عليه الشك والغموض.

أما في الوقت الحالي، فإن المتغيرات العادية، مثل احتمال انتعاش الاقتصاد العالمي وتدفق حركة التجارة نتيجة لذلك، ليست واضحة. حتى البنوك المركزية ليست متأكدة تماماً من الاتجاه الذي تهب فيه الرياح. بيد أن الأشد من ذلك تعقيداً هو حربان كبيرتان ليس أمامهما طريق واضح نحو السلام، وتنتشر آثارهما خارج ساحة المعركة. فقد دخل الغزو الروسي لأوكرانيا عامه الثالث، ولذلك تعرف شركات الشحن بالفعل تلك الممرات البحرية التي يجب تجنبها وكيف تغيرت تدفقات التجارة.

اقرأ أيضاً: أميركا تعاقب شركة شحن عملاقة للضغط على مبيعات النفط الروسية

ومع ذلك، امتدت الحرب الإسرائيلية على غزة إلى البحر الأحمر حيث تسببت جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، في حالة من الخوف وعدم اليقين على طريق يعتبر من أكثر طرق الشحن البحري نشاطاً في العالم. ولا سبيل إلى التنبؤ بموعد نهاية الهجمات، التي بدأت في نوفمبر، وشملت صواريخ تستهدف السفن في المياه القريبة من قناة السويس.

هناك طريقة للدوران حول هذه المشكلة. إذ تستطيع حركة الملاحة البحرية أن تتخطى القناة الضيقة التي تربط آسيا بأوروبا وتسلك الطريق الطويل عبر جنوب أفريقيا. غير أن هذا الطريق يرفع تكلفة الرحلة بملايين الدولارات، ويطيل زمنها بعدة أيام. علاوة على أنه يؤدي فعلاً إلى تخفيض المعروض لأنه يؤخر تفريغ الحمولة من السفينة وبداية الرحلة التالية. ثم أمامنا استمرار الجفاف في قناة بنما الذي أثر على حركة التجارة البحرية على الجانب الآخر من العالم.

نظرية اللعبة في مقامرة التعاقد

إذا كنت تمثل شركة تشتري آلاف الحاويات من البضائع سنوياً، فإن معرفة موعد انتهاء هذه الأزمات لها أهمية حاسمة في تحديد الكمية التي يجب تأمينها الآن للمدى الطويل، مقابل الكمية التي ينبغي شراؤها بالأسعار السائدة عند الحاجة إليها.

فقد تتكلف الرهانات الخاطئة مليارات الدولارات بسبب الارتفاع المبالغ فيه لرسوم الشحن. أو ربما الأسوأ من ذلك، وهو عدم توافر المنتج عندما تحتاج إلى شحن أطنان من المانجو الطازجة أو السيارات الكهربائية أو معدات المصانع وتسليمها في الوقت المحدد، ولكنها تُترك بدلاً من ذلك على أرصفة الموانئ.

اقرأ أيضاً: زيادة أسعار الشحن تتجاوز تكاليف تغيير المسار بعد اضطرابات البحر الأحمر

وتبدأ نظرية اللعبة عندما لا يحتاج المشتري إلى تقييم احتياجاته الخاصة فحسب، بل أيضاً إلى معرفة احتمال توافر طاقة استيعابية زائدة عند شركات الشحن في المستقبل –لأن أحداً لم يحجزها في اتفاق طويل الأجل– أو احتمال نقص العرض من خدمات الشحن لأن الشركات الأخرى قامت بحجزها مبكراً. ويتراوح تأثير ذلك على المستهلكين بين نقص السلع في الأسواق وارتفاع مستمر في التضخم، أو تخمة في المعروض وانخفاض الأسعار.

في موسم المفاوضات الحالي تخرج علينا إشارات مربكة فعلاً. فحركة التجارة العالمية في مستوى طبيعي نسبياً مقارنة بالأيام المحمومة أثناء الجائحة، ومع ذلك لا تزال أسعار الشحن مرتفعة. فقد وصل سعر الشحن على مؤشر "دروري وورلد كونتينر" (Drewry World Container Index)، وهو مقياس واسع النطاق للسعر الفوري لنقل حاوية حجمها 40 قدماً عبر ثمانية مسارات رئيسية، إلى 3287 دولاراً في 7 مارس الحالي. ويزيد هذا السعر بنسبة 82% عن مستوى العام السابق، كما يتجاوز متوسط أسعار عام 2019 بنسبة 131%. ومع ذلك، تتوقع شركة "دروري شيبينغ كونسلتانتس" (Drewry Shipping Consultants)، التي تجمع بيانات المؤشر، انخفاض الأسعار الفورية في الأسابيع المقبلة.

انخفاض الأسعار في الواقع وارتفاعها في التوقعات

قد يؤدي أي انخفاض مستمر إلى تشجيع المشترين على الضغط من أجل الحصول على أسعار شحن أقل، أو تأجيل حجز السفن للمدى الطويل. ومع ذلك، يمكن أن يصبح التصور على نفس درجة أهمية الواقع.

وفي هذا الصدد، تشير البيانات إلى اتجاه صعودي لأسعار الشحن. وتلاحظ شركة "إكستشينج سولوشنز" (xChange Solutions)، ومقرها في هامبورغ، والتي تتعقب أسعار الحاويات من خلال مؤشرها "إكستشينج سينتمنت برايس إندكس" (xCSPI)، أن مقياس الحالة المعنوية في السوق وصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق في شهر فبراير، على الرغم من انخفاض الأسعار.

وكتبت "إكستشينج سولوشنز" في 5 مارس، أن المؤشر لا يزال في المنطقة الإيجابية وأعلى كثيراً مما كان عليه قبل عام، مما يشير إلى أن "المتخصصين في سلسلة التوريد لا يزالون يتوقعون ارتفاعاً آخر في أسعار الحاويات في شهر مارس بسبب استمرار الوضع في البحر الأحمر وتداعياته على سلاسل التوريد".

مباراة التوفيق هذا العام بين المشترين والبائعين تقدم للاعبين خيارين: إما اتباع البيانات الثابتة حول طلب المستهلكين والانتعاش الاقتصادي، أو الاعتماد على مؤشرات الثقة والشعور الغريزي. وفي كلتا الحالتين، سيتم وضع رهانات كبيرة وسنتحمل جميعاً عواقبها.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة