غياب التفاصيل حول سبل تحقيق النمو لا يتناسب مع التحديات التي يواجهها ثاني أكبر اقتصاد في العالم

هدف الصين المتفائل للنمو بـ5% يفتقر إلى "خطة محددة"

مقر حزب الشعب الوطني في بكين، الصين - المصدر: بلومبرغ
مقر حزب الشعب الوطني في بكين، الصين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

حددت الصين هدفاً طموحاً لتحقيق نمو نسبته 5% تقريباً خلال العام الجاري، حيث يسعى كبار المسؤولين لتعزيز الثقة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم. لكن بالنسبة إلى بعض المحللين، فإن افتقار رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ إلى التفاصيل المتعلقة بكيفية تحقيق ذلك لا يواكب التحديات الكبيرة التي تواجهها البلاد.

أعلن الرجل الثاني في الصين أن بلاده ستحافظ على هدف النمو المسجل في العام الماضي مع افتتاح دورة البرلمان السنوية في العاصمة بكين يوم الثلاثاء. وكانت هذه المرة الثانية خلال عقد التي تحتفظ فيها بكين بطموحات تتعلق باقتصادها الذي يُدار بعناية فائقة، حيث كانت المرة الأخيرة في 2018 عندما كانت تواجه بداية حرب تجارية مع الولايات المتحدة.

على الرغم من أن لي قال لأعضاء البرلمان إن الدعم مطلوب على "كافة الجبهات"، إلا أن تقريره لم يعكس ذلك، فقد أبقى عجز الميزانية ثابتاً، وتجنب الإشارة إلى التدابير الكبيرة اللازمة لتعزيز الاستهلاك، ولم يقدم تفاصيل كثيرة بشأن حل الأزمة العقارية. كما لم يتطرق مباشرة لمشكلة انزلاق الدولة الآسيوية في أطول سلسلة من انخفاض الأسعار منذ تسعينيات القرن الماضي.

هدف بلا خطة

بالنسبة إلى هدف العام الذي يواجه أساساً أعلى للمقارنة، قالت أليسيا غارسيا هيريرو، كبيرة الاقتصاديين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى "ناتيكسيس" (Natixis SA)، إن "هذا هدف بلا خطة، فهو يُظهر عدم درايتهم بخطورة الوضع. كيف ستدعمون الاستهلاك؟.. الأجور تتراجع وهناك انكماش، ماذا ستفعلون؟".

يمكن أن يسد مؤتمر صحفي سيُعقد يوم الأربعاء مع كبار المسؤولين بعض الثغرات. كما يُتوقع أن يدلي محافظ بنك الشعب الصيني بان قونغ شنغ بتصريحات صحفية، بجانب وزيري التجارة والمالية ورئيس لجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية الجديد. وهذه هي المرة الأولى منذ 2016 على الأقل التي يشارك فيها عدة وزراء اقتصاديين في مؤتمر صحفي خلال الجلسة التشريعية، مما يقلل مساحة النقاش حول السياسات.

كذلك، ألغت الصين بشكل مفاجئ المؤتمر الصحفي السنوي لرئيس مجلس الدولة، مما يحطم تقليداً دام لثلاثة عقود، ويلغي نافذة نادرة للحوار العام مع زعيم كبير.

شهد اقتصاد الصين البالغ حجمه 18 تريليون دولار تباطؤاً لأكثر من عقد، لكن هذا التراجع يزداد حدة مع تجاوز متوسط معدل النمو خلال العاميين الماضيين حاجز 4% بقليل.

وتزامن هذا التباطؤ مع سعي الرئيس شي جين بينغ لوضع الاكتفاء الذاتي التكنولوجي والأمن القومي على أساس متساوٍ مع النمو الاقتصادي. في الوقت نفسه، لم تعد الحوافز الكبيرة خلال فترات الركود السابقة متاحة الآن، وسط محاولات رئيس الدولة للسيطرة على مخاطر الديون.

سياسات أكثر صرامة لتعزيز الاستهلاك

قال لي داوكوي، الأستاذ في جامعة تسينغهوا ببكين الذي قدم مشورة للحكومة بشأن الأهداف السنوية، إن هدف النمو لهذا العام "طموح للغاية". وأوضح أنه رغم أهمية المشاريع المسلط عليها الضوء يوم الثلاثاء، مثل تجديد أحياء المدن القديمة، يجب على المسؤولين التركيز على تحفيز المواطنين للإنفاق.

أفاد "لي" في تصريحات لتلفزيون "بلومبرغ": "أقولها صراحة لرئيس مجلس الدولة، إن الصين تحتاج إلى سياسات أكثر صرامة لتعزيز الاستهلاك"، مضيفاً أنه اقترح برنامجاً قيمته تريليون يوان (139 مليار دولار) لدعم الاستهلاك الحكومي خلال العطلة الكبرى المقبلة في البلاد.

وكرر الرجل الثاني في البلاد التعهد الذي قدمه رئيسه لتعزيز برنامج تجارة السلع القديمة اللازم لزيادة الإنفاق على السيارات الكهربائية والمنتجات الإلكترونية والسلع باهظة الثمن الأخرى. ويقدّر بنك "غولدمان ساكس" أن هذه المبادرة قد تضيف 0.6 نقطة مئوية إلى الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.

كما صدرت تعليمات إلى المسؤولين بإعادة توجيه النمو نحو "قوى إنتاجية جديدة" في تقرير العمل، وهو شعار قدمه شي في سبتمبر، والذي يشير بشكل عام إلى دوافع النمو في مجال التكنولوجيا الفائقة. بالرغم من أن العبارة لا تزال غامضة، فإنها تزيد بالفعل من المخاوف من أن سياسة الصين ستركز على جانب العرض، مما يؤدي إلى مزيد من الانكماش والتوترات التجارية الدولية.

أهداف توظيف طموحة

عززت الصين طموحاتها للعام المقبل من خلال تحديد هدف توظيف أعلى من أي وقت مضى للمناطق الحضرية، والذي تجاوز 12 مليون وظيفة لهذا العام. وهذا يأتي بعدما ارتفع معدل البطالة بين الشباب إلى مستوى قياسي في الصيف الماضي، قبل أن يتوقف المسؤولون مؤقتاً عن نشر البيانات، ثم إعادة نشرها بعد أشهر برقم أكثر تفاؤلاً.

لم يوضح تعهد الحكومة الغامض بـ"زيادة دخل سكان المناطق الحضرية والريفية من خلال وسائل متعددة" خططاً محددة لتحقيق هذا الهدف.

في الوقت نفسه، ذكر اقتصاديو شركة "نومورا هولدينغز" بقيادة لو تينغ، أن نمو الإنفاق المالي الإجمالي في موازنة بكين بنسبة 1% خلال 2024 يؤكد النزعة المحافظة للدولة. وتشير تقديرات بنك "بي إن بي باريبا" إلى أن العجز المالي العام سيظل كما كان في 2023، وهو رقم يأخذ في الاعتبار نطاقاً أوسع من الاقتراض عن هدف العجز الرئيسي في الصين.

قال هوانغ شوهونغ، مدير مكتب الأبحاث بمجلس الدولة، والذي شارك في خطة الحكومة الاقتصادية، في مؤتمر صحفي عُقد يوم الثلاثاء، إن صناع السياسة ربما يعتقدون أن التيسير النقدي بشكل كبير ومبكر سيحد من نطاق تحرك السياسة في المستقبل. وأضاف أن خطة الموازنة لهذا العام "تحتفظ بحيز سياسة للتعامل مع المخاطر والتحديات المحتملة".

يمكن أن تضيف بكين مزيداً من الحوافز في وقت لاحق من العام. حيث أشار المسؤولون إلى تزايد المرونة المالية من خلال إجراء مراجعة منتصف العام النادرة لعجزها الرسمي خلال 2023. وتُعد الأدوات الأخرى التي لا تُحتسب ضمن العجز الحكومي، مثل توفير البنك المركزي للأموال اللازمة لمشاريع البنية التحتية والإسكان، "ورقة رابحة" أخرى، وفقاً للاقتصاديين في "ماكواري غروب" (Macquarie Group)، بمن فيهم لاري هو.

قالت جينغ ليو، كبيرة الاقتصاديين الصينيين لدى بنك "إتش إس بي سي هولدينغز"، إنه بالرغم من أن هذه الخطوات تترك مجالاً للتفاؤل، تظل العقارات مصدر قلق رئيسياً. وأوضحت أنه "من المهم أن نرى الحكومة تضيف مزيداً من تدابير الدعم للإسكان، لكننا لا نعلم بعد أين وصل صناع السياسات في عملية اتخاذ القرار".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك