موسكو توزع شحنات حبوب مجاناً على 6 دول تواجه نقصاً في الغذاء مقابل الدعم السياسي

بوتين يمد نفوذ روسيا في أفريقيا عبر شحنات قمح مجانية

لافتة تحمل صورة فلاديمير بوتين خلال احتجاج لدعم رئيس بوركينا فاسو في واغادوغو، بوركينا فاسو، عام 2023 - المصدر: بلومبرغ
لافتة تحمل صورة فلاديمير بوتين خلال احتجاج لدعم رئيس بوركينا فاسو في واغادوغو، بوركينا فاسو، عام 2023 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

وصلت ناقلة البضائع السائبة ذات اللونين الأسود والأحمر (AT 27) إلى ميناء غينيا على الساحل الغربي لأفريقيا الشهر الماضي. كان على متن هذه الناقلة شحنة روسية نموذجية شملت 25 ألف طن من القمح متجهة إلى مالي، وهي دولة مجاورة تواجه انعداماً حاداً في الأمن الغذائي.

مع ذلك، لم تكن هذه البضائع جزءاً من أي تجارة عادية. وكانت السفينة التي يبلغ طولها 170 متراً التي ترسو في "كوناكري" واحدة من مجموعة سفن أرسلت الحبوب المجانية التي وعد بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى ست دول أفريقية، إلا أن هذا السخاء يأتي بثمن مختلف.

إلى جانب المساعدات الأمنية وإمدادات الأسلحة ومسابقات ملكات الجمال التي ترعاها روسيا، تُعتبر هذه التبرعات جزءاً من جهود الكرملين لتوثيق العلاقات مع أفريقيا في الوقت الذي يشن فيه حرباً على أوكرانيا. في المقابل فإن ما تحصل عليه روسيا هو دعم طموحاتها والوصول إلى الأسواق التي قد تخفف من تأثير العقوبات الأميركية والأوروبية.

يحقق الكرملين نجاحات مطردة، مستفيداً من حالات عدم الاستقرار في البلدان التي كانت تعتمد على العلاقات الاستعمارية السابقة مع أوروبا.

المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: غيتي إيمجز

200 ألف طن من المساعدات لأفريقيا

خلال القمة الروسية الأفريقية التي عُقدت العام الماضي، وعد بوتين بتقديم ما يصل إلى 50 ألف طن من الحبوب المجانية لكل من بوركينا فاسو وزيمبابوي ومالي والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا، التي عزز بعضها منذ ذلك الحين علاقاتها مع موسكو. وأعلنت وزارة الزراعة الروسية هذا الأسبوع عن تسليم 200 ألف طن من المساعدات الإنسانية لأفريقيا.

خلال الأشهر الماضية، شهدت بوركينا فاسو وصول القوات الروسية، وافتتاح موسكو سفارة في البلاد. كما تحصل مالي، التي تجنبت انتقاد الحرب في أوكرانيا، على مصفاة ذهب برعاية روسيا.

تخطط جمهورية أفريقيا الوسطى لاستضافة قاعدة عسكرية روسية، وتلقت الأسلحة والخبرات الأمنية والتدريب اللازم. صوتت إريتريا ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يطالب روسيا بسحب قواتها من أوكرانيا.

لا تُقدم المساعدات الروسية بالضرورة إلى البلدان التي هي في أمس الحاجة إليها، بل إلى الدول التي تُعتبر أفضل حلفاء روسيا، كما قال صديق أبا، الذي يرأس المعهد التعاوني للبحوث في العلوم البيئية (CIRES) الذي يركز على منطقة الساحل في أفريقيا.

"خذ على سبيل المثال إريتريا، دولة فقيرة ومعزولة ومصممة على معارضة الإمبريالية الغربية"، وفقاً لما قاله "أبا" من العاصمة الموريتانية نواكشوط، مضيفاً: "تلجأ روسيا إلى هذه الدول ذات العلاقات المتوترة مع الغرب، ما يعزز الانقسامات السياسية".

أقامت موسكو علاقات مع الدول الأفريقية خلال إنهاء الاستعمار في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، وتدريب مقاتلي التحرير في زيمبابوي، وتقديم المساعدات العسكرية والمنح الدراسية للطلاب من مالي وبوركينا فاسو للدراسة في الجامعات السوفييتية.

سلط قادة تلك الدول الضوء على تلك العلاقات السابقة أثناء تحركهم لقطع العلاقات مع الغرب -وخاصة فرنسا- وعلى حقيقة أن روسيا لم تستعمر تلك الدول أبداً.

المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: غيتي إيمجز

تبرعات موسكو

تُذكرنا تبرعات موسكو الأخيرة أيضاً بالطريقة التي استخدمت بها واشنطن الطعام كأداة لتحقيق الكفاءة السياسية لعقود، وفقاً لجنيفر كلاب، وهي أكاديمية ألفت كتاباً عن المساعدات الغذائية.

باستطاعة روسيا، التي تُعد الآن أكبر مصدر للقمح في العالم، تقديم هذا الفائض من الحبوب مجاناً، ويرجع ذلك جزئياً إلى نجاح الكرملين في إعادة تعزيز إنتاجه الزراعي وتحويله إلى قوة زراعية في العقدين الماضيين.

تتبع روسيا بعض الأنماط التي اعتادت الدول الكبيرة المانحة القيام بها، وفقاً لما قالته "كلاب"، التي تعمل كأستاذ في جامعة "واترلو" بكندا. مُضيفة: "تعطي مبالغ صغيرة وتحاول الحصول على فائدة سياسية كبيرة".

لدى روسيا وفرة من الحبوب بعد عدة محاصيل وفيرة، ويُعتبر الإجمالي الذي وعد به بوتين حصة صغيرة من صادرات روسيا البالغة 60 مليون طن. إلا أن الدعاية حول التبرعات المباشرة للحبوب ساعدت في إعطاء الانطباع بأن روسيا تقف إلى جانب أفريقيا، وفقاً لما قاله "أبا" من المعهد التعاوني للبحوث في العلوم البيئية.

يستورد ما يقرب من نصف الدول في القارة ما لا يقل عن 30% من قمحها من روسيا وأوكرانيا، وفقاً للمركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة.

تداعيات غزو أوكرانيا

ارتفعت أسعار المواد الغذائية بعد أن قطع غزو بوتين صادرات أوكرانيا التي تُشحن عن طريق البحر. كما تفاقم تعطل هذه الشحنات بسبب انسحاب الكرملين العام الماضي من اتفاق يسمح لكييف بشحن الحبوب عبر البحر الأسود، فضلاً عن الضربات المتكررة على مرافق الموانئ. وأدى ارتفاع التضخم إلى احتجاجات واسعة النطاق في أفريقيا.

لا تستهدف العقوبات الغذاء، على الرغم من مواجهة بعض المصدرين الزراعيين الروس مشكلات في التمويل والخدمات اللوجستية في أعقاب الغزو مباشرة. ومنذ ذلك الحين سجلت صادرات القمح الروسية مستويات قياسية، كما تعافت شحنات الأسمدة أيضاً، ما أدى إلى تراجع الأسعار.

قال "أبا": "عندما رفضت روسيا تجديد صفقة الحبوب، خاطرت بأن تبدو وكأنها الدولة الشريرة. وذكر أنه بتبرعاتها -حتى لو لم تكن كمية كبيرة- فإن "روسيا هي التي تعترف حقاً بكفاح الأفارقة والصعوبات التي يواجهونها".

بالعودة إلى "كوناكري"، يُرجح أن تغطي الحبوب في مالي احتياجات الاستيراد لمدة أسبوعين فقط، وفقاً لسوياي كوناتي، المسؤول في وكالة الحبوب الحكومية "أوبام" (OPAM). بالإضافة إلى ذلك، تأخرت الشحنة بسبب حدوث انفجار مميت في ميناء غينيا، وبسبب عدم دفع الرسوم في الوقت المحدد.

مع ذلك، قطعت الحكومة التي يقودها المجلس العسكري في مالي علاقاتها العسكرية مع حلفائها السابقين في الغرب، وتقترب من روسيا. وكما هو الحال في دول أخرى في جميع أنحاء المنطقة، أصبحت الأعلام الروسية رمزاً للمشاعر المعادية للغرب.

تضامن روسي مع أفريقيا

"بالنسبة إلى روسيا، يتعلق الأمر بحسن النية، لكنها في النهاية علاقات عامة جيدة تفيد كلا البلدين"، حسبما قال زعيم المعارضة المالية عمر ماريكو خلال مقابلة في أبيدجان، العاصمة التجارية لساحل العاج.

أضاف: "على المجلس العسكري أن يظهر أنه لا يزال لديه دول صديقة قوية بعد قطع العلاقات مع الدول الحليفة القديمة".

في بوركينا فاسو، وصل نحو 100 جندي روسي إلى العاصمة واغادوغو الشهر الماضي، في أول انتشار للفيلق الأفريقي، وهو قوة مسلحة تحل محل قوات مجموعة "فاغنر" التي تم حلها الآن في أفريقيا.

عرض التلفزيون الرسمي الروسي خلال الشهر الماضي أكياساً بيضاء من القمح كُتب عليها "هدية من الاتحاد الروسي إلى بوركينا فاسو" ورُسم عليها علم البلدين.

قالت ناندي سوم ديالو، وزيرة التضامن والعمل الإنساني في بوركينا فاسو، خلال حفل تسلم شحنات الحبوب في يناير: "يُظهر ذلك تضامن روسيا مع شعب بوركينا فاسو والعلاقات الجيدة والوطيدة بين البلدين".

أما في الصومال، لم تلعب روسيا دوراً مؤثراً منذ نهاية الحرب الباردة، لكنها الآن تتنافس مع تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات والدول الغربية للحصول على موطئ قدم هناك، وفقاً لنصار ماجد، الذي يدير برنامج الصومال في كلية لندن للاقتصاد. وتلقت البلاد شحنتين مجانيتين من الحبوب.

في هذا الإطار، قال "ماجد": "يمكن أن تندلع الحرب في أوكرانيا والبيئة العالمية المستقطبة الحالية في أجزاء مختلفة من أفريقيا، بما في ذلك الصومال". وتصبح المساعدات الغذائية مجرد جزء من تلك اللعبة".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك