غياب اتفاقية حماية الاستثمارات بين البلدين تمثل أبرز التحديات

جملة تحديات أمام المجلس السعودي البرازيلي لإحداث نقلة استثمارية

ولي العهد السعودي خلال استقبال رئيس البرازيل في الرياض اليوم - المصدر: بلومبرغ
ولي العهد السعودي خلال استقبال رئيس البرازيل في الرياض اليوم - المصدر: بلومبرغ
حسن يحيى
المصدر:

الشرق

قبل أيام، وافق مجلس الوزراء في السعودية على مذكرة تفاهم لإنشاء مجلس التنسيق السعودي البرازيلي، في إشارة إلى مدى أهمية تعزيز التعاون الاستثماري والتجاري بين البلدين العضوين في مجموعة العشرين ويتسمان بتحقيق مستويات نمو مرتفعة.

لكن طريق المجلس الجديد لن يكون معبداً بالورود، بل أمامه العديد من التحديات بهدف تحقيق الطموح الذي عبّر عنه وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح عندما قال في كلمة له خلال المنتدى السعودي البرازيلي الذي أقيم في يوليو الماضي: "لماذا لا يمكننا أن نصبح أكبر خمسة مستثمرين في اقتصاد بعضنا؟ أعتقد أننا نستطيع ذلك، ويجب أن نفعل ذلك، وأعتقد أنه من الضروري القيام بذلك".

ترشُّح السعودية للانضمام إلى مجموعة "بريكس"، التي تعد البرازيل مؤسساً لها، يدعم هذا المستهدف، وقد ينعكس أيضاً على حجم التجارة البينية الذي لا يتجاوز حالياً 8 مليارات دولار.

البيروقراطية

تعتبر البيروقراطية في البرازيل التي تتألف من 27 ولاية وتتمتع بحكم فيدرالي، من أبرز التحديات التي على المجلس الجديد الالتفات إليها، إذ يشير مشعل بن حثلين رئيس مجلس الأعمال السعودي اللاتيني في تصريحات لـ"الشرق" إلى وجود بيروقراطية في عملية تأسيس الشركات وممارسة الأعمال في البرازيل، ما يؤدي إلى تأخير عمليات الاستثمار الخاص.

وبحسب مؤسسة التمويل الدولية التابعة لمجموعة البنك الدولي، فإن السعودية تتفوق على البرازيل في كافة مؤشرات ممارسة الأعمال باستثناء معالجة الإعسار، إذ احتلت الأخيرة المرتبة 124 في حين جاءت المملكة في المرتبة 62 عالمياً.

"60 يوماً"

رئيس وكالة التجارة والاستثمار البرازيلية الحكومية خورخي فيانا أشار في تصريحات لـ"الشرق"، إلى عدم وجود فترة زمنية محددة لمباشرة الاستثمار والأعمال، "فكل قطاع وقسم له خصوصيته". وأضاف أن عملية فتح الشركة والحسابات في البنوك، تعتبر "بسيطة وغير معقدة، ويمكننا الحديث عن فترة تقل عن 60 يوماً".

أما بالنسبة للاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية أو الطاقة أو الصناعات، فأوضح فيانا أنها تتطلب الحصول على تراخيص بيئية ورخص بناء وتشغيل؛ مشيراً إلى وجود هيئات متخصصة بهدف خفض الفترة الزمنية المطلوبة للحصول على الرخص.

حماية الاستثمارات

البيروقراطية ليست التحدي الوحيد، إذ لفت بن حثلين إلى وجود بعض القيود على حركة رأس المال، كما هناك مخاوف من تذبذب أسعار الصرف، رغم أن "البرازيل أكثر استقراراً من الناحية الاقتصادية من دول أميركا اللاتينية الأخرى".

النقطة الأكثر حساسية في هذا السياق تتمثل في عدم وجود اتفاقية حماية الاستثمارات بين الجانبين. وأشار بن حثلين الذي كان حاضراً خلال المنتدى السعودي البرازيلي الذي عقد في يوليو الماضي، إلى أن هذه القضية تم طرحها عدة مرات، وكان هناك التزام من الجانبين بضرورة تطوير العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين.

التحدي الذي تكلم عنه بن حثلين سبق وأثير على المستوى الرسمي، فخلال زيارة الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في نوفمبر الماضي إلى السعودية، أكد البلدان على ضرورة "تسريع وتيرة التفاوض حول اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار".

اقرأ أيضاً: السعودية تسعى لتعزيز الربط الجوي مع البرازيل والمنطقة

وعن أسباب التأخر في إقرار هكذا اتفاقية، أشار رئيس مجلس الأعمال السعودي اللاتيني إلى أن البرازيل تتميز بحجم كبير في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، و"هذا يمكن أن يكون سبباً في عدم تحفز متخذي القرار في البرازيل على تقديم مزيد من التنازلات في بعض الإجراءات".

إصلاحات بنيوية برازيلية

لم تبلغ الاستثمارات السعودية في البرازيل مكانة متقدمة خلال السنوات الماضية، إذ أشار فيانا إلى أن سجلات البنك المركزي البرازيلي لا تظهر أي استثمارات سعودية في بلاده، التي اعتُبرت خلال العام 2022 خامس أكبر وجهة عالمية للاستثمار الأجنبي المباشر الذي وصل حجمه إلى 86 مليار دولار، وفقاً لـ"مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية" (أونكتاد).

وأوضح فيانا أنه لأسباب تتعلق بالسرية الاستثمارية للشركات غير المدرجة، لا يكشف البنك المركزي عن قيمة الأسهم التي تستثمر فيها شركات من بلد معين، إذا كان عدد هذه الشركات 3 أو أقل، منبهاً إلى أن الاستثمارات السعودية في البرازيل قد تكون أيضاً من خلال وسطاء، كالمشاركة في الصناديق التي تستثمر في البلاد.

اقرأ أيضاً: الطاقة باكورة الاتفاقيات بين السعودية والبرازيل

لكن رئيس وكالة التجارة والاستثمار البرازيلية أشار إلى أن بلاده تجري إصلاحات بنيوية تركز فيها على الإصلاح الضريبي وتبسيط النظام المعقد، معتبراً أنه من العقبات التي تحول دون التنمية. في ديسمبر الماضي، أقرت البرازيل إصلاحاً ضريبياً، وصفه وزير المالية فرناندو حداد آنذاك بأنه "الأكثر أهمية لأنه ينظم النظام الإنتاجي بأكمله"، في حين اعتبر فيانا إقرار هذا القانون بأنه مقدمة لـ"وضع البلاد على رادار المستثمرين".

زيادة الاستثمارات

رحلة الاستثمارات السعودية في البرازيل انطلقت بشكل ملحوظ خلال العام الماضي، مع زيادة تركيز المملكة على أميركا اللاتينية ككل وأكبر اقتصاد فيها بشكل خاص.

مشعل بن حثلين وصف البرازيل بأنها "جوهرة تاج" القارة، معتبراً أنها بلد قوي في أغلب القطاعات، وتعتبر من أكبر المصدرين للسلع الاستراتيجية المرتبطة بالأمن الغذائي على غرار الدواجن واللحوم والحبوب والقهوة والسكر.

وبدا هذا الاهتمام جلياً من خلال دخول الشركات الحكومية وشبه الحكومية إلى البلاد، وذلك من خلال "خارطة طريق للاستثمار" بقيمة 10 مليارات دولار، التي أطلقها "صندوق الاستثمارات العامة السعودي".

فيانا توقع أن يتم استثمار 9 مليارات دولار خلال السنوات المقبلة، معتبراً أن الاستثمارات ستطال قطاعات مرتبطة بالأمن الغذائي وأمن الطاقة والبنية التحتية.

ومنذ ذلك الحين، كرت سبحة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، وكان أبرزها مؤخراً صفقة استحواذ "منارة مينرلز" السعودية على حصة في "فالي" للتعدين بقيمة 2.6 مليار دولار، ودخول "سالك" السعودية كمساهم في "بي آر أف" إحدى أكبر منتجي الدواجن الدوليين، إلى جانب استثمار الصندوق السيادي السعودي في مشروع بنية تحتية بتكلفة 1.2 مليار دولار.

في المقابل، تعتزم "جي بي إس" البرازيلية المصنفة كأكبر شركة لحوم ودواجن في العالم إنشاء مزرعة ومصنع لإنتاج هاتين السلعتين في القصيم السعودية باستثمارات تصل إلى ملياري دولار.

تصنيفات

قصص قد تهمك