تهدد الأحكام الصادرة ضد دونالد ترمب بأن تأتي على أجزاء من ثروته وإمبراطوريته التجارية كذلك، إذ تستنزف الأتعاب القانونية التي يتكبدها ليواجه هذه الدعاوى ما في خزنته. لقد ألزمه حكمان صدرا في نيويورك في قضيتين مدنيتين بارزتين بدفع غرامات مالية قد تستنفد معظم ما لديه من سيولة، إن لم تذهب بجميعها. وقد حُظر على الرئيس السابق إدارة أي شركة في ولاية نيويورك لثلاث سنوات.
وفيما كان الحكمان ضربةً موجعةً للسياسي الذي يربط صورته بالنجاح والثروة، فإن التحدي الأكبر الذي يتهدد طموحه بالعودة إلى سدة الرئاسة في نوفمبر، هو احتمال صدور أحكام ضده في أي من القضايا الجنائية الأربع التي يواجهها.
الحكم الصادر ضد ترمب
أصدرت محكمة في 16 فبراير قراراً بإلزام ترمب ونجليه الأكبر سناً وشركته العقارية بإعادة مبلغ 364 مليون دولار، بالإضافة إلى فوائد بعشرات الملايين حصلوا عليها كأرباح غير شرعية، وذلك بموجب دعوى رفعتها ضده المدعية العامة في نيويورك ليتيشا جيمس.
وسبق أن أدانه القاضي الذي ينظر في القضية بتضخيم قيمة عدد من أصوله أمام المصارف ليحصل على قروض بشروط أفضل. بموجب الحكم، منع القاضي ترمب من تولي مسؤولية أو إدارة أي شركة في نيويورك لمدة ثلاث سنوات، فيما أصدر حظراً لمدة سنتين بحق ولديه.
اقرأ أيضاً: إدانة ترمب بتضخيم ثروته للحصول على تمويلات بنكية بشروط أفضل
قبل ثلاثة أسابيع من ذلك، أمرت هيئة محلفين ترمب بدفع 83.3 مليون دولار للكاتبة إي. جاين كارول بتهمة التشهير في 2019، على خلفية نفي ترمب اتهامها له بالاعتداء عليها جنسياً، وادعائه أنها نسبت له ذلك زوراً بغرض تسويق أحد كتبها.
كانت هيئة محلفين أخرى قضت بمنح كارول تعويض أضرار إجمالية بلغ 5 ملايين دولار، بعد أن خلصت إلى أن ترمب مسؤول عن الاعتداء الجنسي عليها، والتشهير بها، إثر تكراره لتلك التصريحات في 2022 عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ينفي ترمب التهم في القضيتين، ولديه تاريخ حافل باستئناف الأحكام الصادرة ضده. مع ذلك، قد يظلّ مضطراً لدفع مبالغ نقدية طائلة، على الأقل إلى حين حسم القضايا في الاستئناف. وقد يضطر لإيداع كفالة في قضية الاستئناف ربما تصل إلى عشرات ملايين الدولارات.
في حالة الحكم الأول بالتعويض لكارول، تم إلزام ترمب بإيداع ما نسبته 110% من المبلغ، أي 5.5 مليون دولار في حساب ضمان لصالح المحكمة بينما يستأنف الحكم، على أن يسترجع الأموال إن جاء حكم الاستئناف لصالحه.
ثروة ترمب
أعلن ترمب العام الماضي أن مخزونه النقدي "يزيد بقدر كبير" عن 400 مليون دولار. كما قدّر مؤشر بلومبرغ لأصحاب المليارات السيولة المتوفرة لدى ترمب بحوالي 600 مليون دولار، برغم أن وضعه المالي الدقيق دائم الغموض. لا شكّ في أن الرئيس السابق يملك أصولاً بمئات ملايين الدولارات يمكن أن يستخدمها لتعزيز السيولة المتوفرة لديه، إذ تقدّر ثروته الصافية بـ3.1 مليار دولار، بحسب مؤشر بلومبرغ.
إمبراطوريته التجارية
لم تتضح بعد مفاعيل الحظر الصادر في 16 فبراير الذي يمنع ترمب من إدارة شركاته في نيويورك. وكان القاضي قد ألغى أمراً سابقاً يتيح إبطال رخص تشغيل شركات ترمب. وكان هذا الأمر أثار قلق محاميه من إمكانية إضطرار الشركة لبيع أصولها في نيويورك، بما فيها شقته في برج ترمب وبرج "40 وول ستريت" وعقار "سيفن سبرينغز" في مقاطعة ويستشيستر. وقال القاضي إنه ما يزال بإمكان مدير الامتثال المستقل المعيّن حديثاً ومراقب آخر، أن يطلبا حلّ الشركة مستقبلاً.
ترتبط معظم ثروة ترمب بالعقارات، إذ تشكل ممتلكاته في نيويورك حوالى نصف قيمة محفظته العقارية. مع ذلك، سجلت محفظته نمواً في السنوات الماضية خارج الولاية. فقد حققت ممتلكاته في فلوريدا، ومنها منتجع "ترمب دورال" وملاعب الغولف مثل نادي "مار إيه لاغو" الشهير في بالم بيتش، ارتفاعاً كبيراً في الإيرادات في ظلّ الازدهار الذي شهدته الولاية.
اقرأ أيضاً: ادعاء نيويورك يتهم ترمب بتضخيم أصوله بمقدار 2.2 مليار دولار
تمويل نفقات ترمب القانونية
أنفق ترمب 51.2 مليون دولار على الأتعاب القانونية عام 2023، ويمكنه الحصول على 23.5 مليون دولار إضافية، معظمها من إحدى لجان العمل السياسي العليا المتحالفة معه لتسديد أتعاب محاميه. ولكن مع اقتراب موعد بدء محاكمته الجنائية الرابعة، يُتوقع أن تُستنفد هذه الأموال في وقت حرج ربما يكون قريباً، مع زيادة حملته الانتخابية إنفاقها على السباق الانتخابي المتوقع أن يتكرر بينه وبين الرئيس الحالي جو بايدن.
يواجه ترمب فواتير قانونية متراكمة بعد توجيه 91 تهمة جنائية له في أربع قضايا جنائية، منها قضيتان منفصلتان، إحداهما اتحادية والأخرى على مستوى الولاية، على خلفية اتهامه بمحاولة قلب نتيجة الانتخابات الرئاسية التي خسرها عام 2020، وقضية ثالثة تتهمه بسوء التعامل مع وثائق سرية في "مار إيه لاغو"، والقضية الرابعة تتعلق بتزوير وثائق تجارية لإخفاء دفع أموال لممثلة إباحية لإسكاتها، وقد حُدد 25 مارس تاريخاً لبدء جلسات المحاكمة الخاصة بالقضية الأخيرة.
وضع ترمب مشاكله القانونية في صلب حملاته لجمع التبرعات من داعميه، وتمكن من تحصيل ملايين الدولارات، استخدم بعضاً منها لتسديد فواتيره القانونية. وهو ما يزال يتصدر المرشحين الجمهوريين للانتخابات الرئيسية، حتى أن نسبة التأييد له ارتفعت بعدما نسبت التهم لشخصه.
حتى الآن، ما تزال الأحكام الصادرة ضده تتعلق بدعاوى مدنية، إلا أن صدور حكم ضده في أي من القضايا الجنائية قد يشكل اختباراً أقسى لحملته الانتخابية.
لقد أظهر استطلاع رأي من بلومبرغ نيوز و"مورنينغ كونسلت" في يناير أن 53% من الناخبين في الولايات السبع المتأرجحة التي يتوقع أن تشهد منافسة شرسة، قالوا إنهم ليسوا على استعداد للتصويت لترمب في الانتخابات العامة إذا ما أدين بجناية، وتزداد هذه النسبة إلى 55% إن حكم عليه بالسجن.