الاقتصاد الصيني يمر بمرحلة صعبة بعد أن كان منافساً يُتوقع أن يتفوق على أميركا

كيف ستساعد آلام الصين الاقتصادية باول ونظراءه؟

حي لوجياتسوي المالي في منطقة بوندونغ في شنغهاي، الصين - المصدر: بلومبرغ
حي لوجياتسوي المالي في منطقة بوندونغ في شنغهاي، الصين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

لا يزال من السابق لأوانه فقدان الثقة في الفكرة الكبيرة التي دفعت الأسواق منذ ديسمبر، ومفادها أن التضخم آخذ في الانخفاض، بل وربما يختفي تماماً، وأن الخطوة التالية ستكون خفض أسعار الفائدة.

إذا كنت متشككاً من ذلك، خذ فرصتك في التركيز بعناية بشأن التفاصيل المتعلقة بأسعار المستهلك في الولايات المتحدة، أو التفكير في ما إذا كانت البنوك المركزية المتشددة لها اليد العليا في أوروبا، أو إعادة الاطلاع على المؤتمر الصحفي الأول لمحافظ البنك الاحتياطي الأسترالي. كما عليك إلقاء نظرة على ما يحدث في الصين.

يمر أكبر اقتصاد في آسيا بمرحلة صعبة، بعد أن كان يُعتبر لفترة ليست ببعيدة أنه منافس سوف يحل محل الولايات المتحدة، حيث يواجه النمو الاقتصادي للصين تحديات ما بعد الجائحة، والاستثمار الأجنبي يتضاءل، فضلاً عن انهيارات الشركات العقارية. لكن التطور الأكثر خطورة كان الانكماش. فعندما سجلت أسعار المستهلك انخفاضاً طفيفاً في يوليو، مررنا برقم التراجع مرور الكرام. لكنه لم يتحسّن، حتى أن شهر يناير شهد أكبر انخفاض منذ 2009.

اقرأ أيضاً: أسعار المستهلكين في الصين تتراجع بأسرع وتيرة منذ 2009

يكمن الخطر في الاهتمام الشديد الذي يوليه المتداولون بشأن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، لدرجة أنهم لم يعبأوا بما يواجهه نظيره في بكين بان قونغ شنغ. سيكون ذلك خطأ، فكلما أحجمت الصين عن بذل جهود جادة للتصدي للانكماش الاقتصادي، زادت مخاطر ترسيخه، ليصبح الإفلات منه أكثر صعوبة. تنبأ الاقتصاديون في "سيتي غروب" بذلك، وحذروا في مايو من "فخ الثقة".

الصين تلعب دوراً محورياً

يُعتبر فتح اقتصاد الصين، واندماجه مجدداً في سوق العمل العالمية ومنظمة التجارة العالمية، من الأحداث البارزة على نطاق واسع. إذ شكّلت هذه الأحداث تطورات حاسمة لنظام التضخم المنخفض الذي ساد تقريباً في كل مكان في العقود السابقة على "كورونا".

وربما تثبت الصين دورها المحوري مجدداً، لكن هذه المرة في الانكماش. إذ ستساعد في خفض التضخم من مستويات لا تزال السلطات المعنية في جميع أنحاء العالم أقل حماساً بشأنها، رغم انخفاضه الواضح منذ منتصف 2022.

اقرأ أيضاً: ماذا فعلت الصين لتعزيز اقتصادها وإنقاذ الأسواق؟

يمكن القول إن المعركة محسومة، لكن المسؤولين لا يريدون منك التفكير في ذلك. فالفرصة الضئيلة التي قد يكونون مخطئين بشأنها تكفي لإقناعهم بالانتظار. ويبدو أن يونيو هو الاقتراح الأكثر احتمالاً لبدء بنك الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة، وليس مارس، الذي لم يعط صُناع السياسة أي إشارة جادة بتفضيلهم له، لكنه أصبح اختياراً مبكراً بين المستثمرين.

أحياناً ما تبدو البنوك المركزية وكأنها تبحث حتى عن أعذار لعدم خفض أسعار الفائدة، حيث أعرب اثنان من رؤساء بنك الاحتياطي الفدرالي في الولايات الأميركية مؤخراً عن رغبتهما في رؤية تراجع أوسع نطاقاً في التضخم، وليس فقط استمرار التباطؤ.

يتوخى بنك الاحتياطي الأسترالي الحذر تجاه أي أخطاء، إذ قالت المحافظة ميشيل بولوك للمشرعين إن "مجلس الإدارة لم يستبعد زيادة أخرى في أسعار الفائدة، لكنه لم يؤكد الأمر أيضاً". وإذا كان المسؤولون يبحثون عن أسباب جديدة للامتناع عن التيسير النقدي، فلن يجدوها في الصين.

واشنطن لا تتأثر بمشكلات بكين

صرّح باول في برنامج "60 دقيقة" أن مشكلات الصين لن تؤثر على الأرجح بشكل كبير على الولايات المتحدة. وهو محق في أن انخفاض الطلب أو انهيار شركات التطوير العقاري هناك لن يتسبب في توقف النمو الأميركي فجأة، أو وضع النظام المالي في مأزق مثلما أدى تخلف روسيا عن سداد ديونها في 1998 إلى تعريض وول ستريت للخطر. وربما يكون الانكماش مجرد شرارة بطيئة، أو شيء أكثر محدودية، لكن هذا لا يعني أنه سيأتي بلا عواقب.

سيكون لنهاية الطفرة العقارية في الصين عواقب خطيرة على أسعار السلع الأساسية. فقد كتب توماس جاتلي، كبير المحللين لدى "غيفكال دراغونوميكس" (Gavekal Dragonomics) الأسبوع الماضي أنه "منذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في 2001، تسببت في ضغوط هبوطية مستمرة على أسعار السلع المصنعة عالمياً، بينما شكلت في الوقت ذاته قوة تضخمية هائلة لمدخلات السلع الأساسية التي غذت بناء مشروعاتها العقارية والصناعية. ومع انتهاء الطفرة العقارية التاريخية بشكل واضح، تضع الحكومة كل رهاناتها على التوسع في قطاع التصنيع لدفع عجلة النمو المستقبلي".

اقرأ أيضاً: لماذا تتعثر الصين فيما تدخل عام التنين؟

ربما كان باول شديد الاستخفاف بمعاناة الصين. ويمكن أن يكون رئيس الاحتياطي الفيدرالي محقاً في ذلك وسط قدرة الاقتصاد الأميركي على تحدي توقعات الركود. والشيء الوحيد الذي لا يريد أن يظهر عليه هو أن يكون متعاطفاً أكثر مما ينبغي، أو أسوأ من ذلك، أو حتى أن يحدد سياسات بلاده على أساس الأوقات الصعبة التي يواجهها منافسه الاقتصادي.

تواجه القوة العملاقة التي كان يصعب إيقافها يوماً ما، مشكلات لا تبدو عابرة. وهذا مؤلم للصين، لكنه ليس سيئاً تماماً بالنسبة للآخرين.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة