التحسن في اقتصاد منطقة اليورو لن يكون محسوساً في 2024 في ظل أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة

الاقتصاد لن يدعم قادة أوروبا في عام الانتخابات الحاسم

علم الاتحاد الأوروبي أمام مبنى بيرلايمونت، حيث مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل، بلجيكا، يوم 3 ديسمبر 2022 - المصدر: بلومبرغ
علم الاتحاد الأوروبي أمام مبنى بيرلايمونت، حيث مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل، بلجيكا، يوم 3 ديسمبر 2022 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

من المستبعد أن يحصل زعماء منطقة اليورو، الذين يتطلعون لإبقاء الأحزاب الشعبوية بعيدة عن الضوء في الانتخابات المقبلة، على الدعم من الاقتصاد خلال العام الجاري، حتى في حال قام البنك المركزي الأوروبي بتخفيض أسعار الفائدة.

مع اقتراب موعد انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو المقبل، يبرز عام 2024 بالنسبة للكثير من الطبقة السياسية المستقرة في القارة باعتباره عاماً محفوفاً بالمخاطر، حيث ستواجه هذه الطبقة مخاطر اكتساب الحركات، بداية من "التجمع الوطني" في فرنسا إلى حزب "البديل من أجل ألمانيا"، المزيد من دعم الناخبين، فيما تشكل انتخابات الولايات الألمانية في سبتمبر مدعاة أخرى للقلق.

يتزامن هذا الجدول الزمني مع تحسن متوقع في نمو الاقتصاد العالمي كما في منطقة اليورو، مع انخفاض التضخم، وتراجع الانكماش الذي قد يقود إلى خفض تكاليف الاقتراض المرتفعة. إلا أنه من غير المرجح حتى الآن أن تؤدي أي من هذه المكونات المحتملة إلى الشعور بالكثير من الارتياح.

خلافات حول الميزانية في ألمانيا

قال هولغر شميدينج، الخبير الاقتصادي في شركة "بيرينبرغ" في لندن: "على المدى الطويل، سيكون لدينا توظيف مكتمل، ونمو أقوى في الرواتب، قد يؤدي إلى تقليص الفجوة بين الأجور". مضيفاً، "لكنني أعتقد أننا لن نرى تأثير ذلك في وقت الانتخابات الأوروبية أو انتخابات الولايات الألمانية في الخريف، حيث إن هذه المدة قصيرة للغاية".

تعد ألمانيا على وجه الخصوص منطقة ساخنة هذا العام، حيث يواجه ائتلاف المستشار أولاف شولتس خلافات حول الميزانية وتزايد الدعم لحزب "البديل من أجل ألمانيا".

ستُجرى الانتخابات في ثلاث ولايات شرقية، حيث يتقدم هذا الحزب حالياً بفارق كبير في استطلاعات الرأي، في الوقت الذي تضخ الحكومة المزيد من الإعانات المالية لتعزيز خلق فرص العمل.

خبر سار

مما زاد من قتامة الخلفية السياسية حدوث عدة إضرابات، أولها من قبل سائقي القطارات، ثم في المطارات وفي وسائل النقل المحلية.

كما احتج المزارعون أيضاً في ألمانيا وفي أماكن أخرى بما في ذلك فرنسا، حيث ظل حزب الرئيس إيمانويل ماكرون متخلفاً عن حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان لمدة عام تقريباً.

الخبر السار هو أنه لا توجد دلائل تذكر على ضعف سوق العمل، ومن المتوقع أن تتحسن اقتصادات منطقة اليورو مقارنة بالعام الماضي. ومع ذلك، فإن التوقعات محدودة، كما اعترفت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد الشهر الماضي.

قالت لاغارد في 25 يناير: "تستمر البيانات الواردة بالإشارة إلى الضعف على المدى القريب، حتى لو كانت الدراسات الاستقصائية تشير إلى ارتفاع النمو في الفترة المقبلة".

يتوافق ذلك مع توقعات صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي التي أظهرت تسارع توسع منطقة اليورو بوتيرة معتدلة إلى 0.9% هذا العام، من 0.5% في عام 2023.

من بين الاقتصادات الأربعة الكبرى، يرى المسؤولون تحسناً في أداء فرنسا وألمانيا فقط، على الرغم من أن المأزق الذي تعاني منه ميزانية ألمانيا لا يزال يشكل علامة استفهام حول آفاق اقتصاد ذلك البلد.

وحتى في حال خفّض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة، فإنه من المرجح أن لا يحدث فرق فوري كبير في النمو أيضاً.

سيناريوهان لخفض سعر الفائدة

باستخدام نموذج (SHOK) الذي أنشأته "بلومبرغ إيكونوميكس"، فإننا أمام سيناريوهين: الأول يتضمن بدء صناع السياسات في خفض تكاليف الاقتراض بمقدار ربع نقطة مئوية بداية من مارس القادم وعند كل قرار بعد ذلك، فيما يتمثل السيناريو الثاني في البدء بتخفيض أسعار الفائدة في يونيو، وهو التوقيت الزمني الذي يميل صناع السياسات إلى الإشارة إليه.

السيناريو الأول من شأنه أن يرفع الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0.22% بحلول نهاية العام مقارنة بالسيناريو الثاني، مما يضيف ما يزيد قليلاً عن 0.1 نقطة مئوية إلى النمو في عام 2024. وهو ما يعني تأثيراً هامشياً فقط في الوقت الذي يتجه فيه الناخبون إلى صناديق الاقتراع. علاوة على ذلك، فإن المسؤولين لديهم سبب للحذر حيث إنهم يركزون على إبقاء الأسعار تحت السيطرة.

قال جونترام وولف، رئيس المجلس الألماني للعلاقات الخارجية في برلين: "إذا أراد البنك المركزي الأوروبي تعزيز الاقتصاد في الوقت المناسب قبل انتخابات الاتحاد الأوروبي، فإن عليه خفض أسعار الفائدة بالفعل". أضاف: "لكن المركزي الأوروبي قلق بشكل أكبر بخصوص المخاطر المتعلقة بسمعته، لأن التضخم كان أعلى من مستهدف 2% لفترة طويلة، وهذا ما يتذكره الناس".

أكثر ما يهم الناخبين الأوروبيين

الشيء الوحيد الذي قد يرضي الناخبين هو تخفيف أزمة تكاليف المعيشة. وفي حين أن النمو في الدخل الحقيقي- الأجور المعدلة حسب التضخم- كان سلبياً لسنوات، فمن المرجح أن ينتعش الآن.

قال شميدينغ من "بيرنبرغ" إن تحسين مستويات المعيشة عبر رفع الأجور واستقرار الأسعار يمكن أن يغير الآراء. لكنه حذر من أن المستهلكين من المرجح أن يركزوا أكثر على تجاربهم الأخيرة.

أضاف: "لا يزال الناس غاضبين من ارتفاع الأسعار"، متوقعاً أن يهدأ المناخ السياسي على المدى الطويل، لأن الوضع الاقتصادي للأسر ذات الدخل المنخفض، التي عانت بشدة من ارتفاع أسعار الطاقة، سوف يتحسن.

ينسجم توقع تأخر الشعور بالارتياح مع استطلاعات الباروميتر الأوروبي التي أجرتها المفوضية الأوروبية في شهر ديسمبر، حيث قال غالبية المشاركين في الاستطلاع، من 22 دولة، إن مستوى معيشتهم قد انخفض، مع استبعادهم لوجود أي تحسن في الأفق خلال العام المقبل.

في الوقت نفسه، تواجه ألمانيا التحدي المستمر المتمثل في أن نمو أسعار المستهلك سوف يستغرق وقتاً أطول للوصول إلى هدف البنك المركزي الأوروبي عند 2% مقارنة بنظرائه الرئيسيين في منطقة اليورو، وفقاً لتوقعات البنك المركزي الألماني.

أسباب تصب في صالح اليمين المتطرف

علاوة على ذلك، ليس التضخم وتكاليف المعيشة فقط هما ما يدفعان الناخبين إلى الأحزاب المتطرفة. رغم أن هاتين القضيتين تقعان في صلب اهتماماتهم وفقاً لمقياس باروميتر الأوروبي، فالهجرة والحرب في أوكرانيا يمثلان أكبر المخاوف بالنسبة للمنطقة ككل، وهو ما يعكس المشاعر الأعمق التي تغذي التحول نحو الأحزاب الشعبوية.

تقول كورنيليا وول، رئيسة مدرسة "هيرتي" في برلين وأستاذة الاقتصاد السياسي، "ما يثير قلق الناخب هو الوضع الاقتصادي؛ الخوف من فقدان الوظيفة، أو العمل في مهنة أو قطاع غير ذي أهمية، أو أن يكون أقل ثراءً من الآخرين"، مشيرة إلى أن "اليمين المتطرف يستغل القلق الاقتصادي ويؤجج المخاوف بشأن المستقبل".

يمكن لتلك لأحزاب التي تثير الشكوك أن تحصد أكثر من 25% من الأصوات في انتخابات يونيو، فيما تستحوذ على أعلى استطلاعات الرأي في تسع دول في الاتحاد الأوروبي البالغ عدد أعضائه 27 دولة، وفقاً لمجموعة أوراسيا.

أياً كانت النتيجة فإن الحكومات ليس لديها مجال كبير لإرضاء الناخبين مالياً، في الوقت الذي تركز فيه على توحيد الديون من أجل خفض قروض منطقة اليورو التي يبلغ مجموعها نحو 90% من الناتج الاقتصادي. ولا يواجه مواطنو أوروبا خياراً سوى ابتلاع "الحبة المريرة" المتمثلة في قلة الأموال المتاحة لهم.

قالت لينا كوميليفا، كبيرة الاقتصاديين في شركة "جي بلس إيكونوميكس": "تحتاج الحكومات إلى خفض الإنفاق حتى مع استمرار المستهلكين في مواجهة ارتفاع تكاليف الرهن العقاري وأسعار المتاجر". مشيرة إلى أن الارتفاع التراكمي في الأجور سيكون أقل من الارتفاع في التكاليف التي يواجهها المستهلكون.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك