مع تركيز القوات البحرية الغربية على محاولة درء هجمات المسلحين الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر، يُظهر القراصنة الصوماليون بهدوء علامات على عودتهم إلى المشهد.
ففي ديسمبر، خطفوا أول سفينة منذ ست سنوات عندما اعتلوا متن سفينة البضائع "روين" (Ruen) ونقلوها إلى ميناء في الصومال الواقع في شرق أفريقيا، وفقاً للمكتب البحري الدولي المعني بمراقبة القرصنة. وتظهر الأرقام الصادرة عن القوة البحرية للاتحاد الأوروبي أنه كانت هناك محاولات أخرى منذ ذلك الحين، وأصدرت البحرية البريطانية الأسبوع المنصرم تحذيراً لشركات الشحن من أن القراصنة ينشطون في المحيط الهندي.
"لا تطعم الوحش المال"
وبالنسبة لقطاع الشحن البحري، تذكر هذه الحوادث بفترة -قبل ما يزيد قليلاً عن عقد- كان القراصنة الصوماليون يهددون خلالها السفن عبر مساحات واسعة من المحيط الهندي. في ذلك الوقت، شملت الحوادث الاستيلاء على ناقلة النفط العملاقة "سيريوس ستار" (Sirius Star) وسفينة الحاويات التي ترفع العلم الأميركي "ميرسك ألاباما" (Maersk Alabama). وأدى ذلك إلى ما كان يُنظر إليه في ذلك الوقت على أنه نشر مثير للجدل لحراس مسلحين على متن السفن التجارية.
بعد توترات البحر الأحمر.. تزايد أعمال قرصنة السفن في الصومال
غير أن محللين استبعدوا أن تمثل معاودة القراصنة الظهور في الآونة الأخيرة تكراراً كاملاً لتلك الحقبة، لأسباب منها أن التكنولوجيا باتت أكثر تطوراً، وحقيقة أن استخدام الحراس المسلحين أصبح الآن أكثر شيوعاً. لكن مدى عودة القراصنة إلى الظهور يعتمد على مدى نجاح القراصنة في إحياء أساليبهم القديمة، وهي خطف السفن وإعادتها إلى الصومال وانتظار دفع الفدية، التي قد تصل في بعض الأحيان إلى عدة ملايين من الدولارات.
قال جون طومسون، مؤسس شركة الاستخبارات "أمبري" (Ambrey)، في بث صوتي لشركة التأمين "نورث ستاندارد" (NorthStandard): "إذا أطعمت الوحش المال، فسوف يستمر بالقدوم".
وكانت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، وهي جهة اتصال بين البحرية البريطانية والسفن التجارية، حذرت الأسبوع المنصرم من وجود مجموعتين من القراصنة تعملان في المحيط الهندي. جاء ذلك بعد أن تبادل حراس ناقلة بضائع إطلاق النار مع قارب صغير على بعد 700 ميل تقريباً جنوب شرق عمان في مطلع الأسبوع الماضي، بعيداً عن المكان الذي وقعت فيه هجمات الحوثيين.
التركيز على البحر الأحمر
قال مدير الوكالة البحرية الصومالية الشهر الماضي إنه يعتقد بأن المزيد من الأصول البحرية تركز على المياه التي يهاجمها الحوثيون، والتي يقع معظمها على بعد مئات الأميال. ويعتبر وقف تلك الحوادث أمراً حيوياً لاستمرار عبور تجارة بمليارات الدولارات قناة السويس.
وفي الماضي، اعتاد القراصنة الاستيلاء على سفينة واحدة كبيرة نسبياً، تعرف باسم السفينة الأم، لتنسيق الهجمات منها.
وأوضح مدير المكتب البحري الدولي سايروس مودي: "خطف السفينة (روين)، والصعود على متنها في يناير، والتقارير عن خطف سفن الصيد التي كانت تستخدم تقليديا كسفن أم، أمر مثير للقلق"، مضيفاً أن السفن في المنطقة يجب أن تلتزم بنصائح القطاع لوقف مثل هذه الهجمات.
أزمة البحر الأحمر تُعيد تشكيل خريطة الموانئ في المنطقة
وتسمى مهمة مكافحة القرصنة البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي في المنطقة بـ"عملية أتالانتا". واعترفت قوات "يونافور" (EUNavfor)، مثلما تُعرف، بارتفاع حاد في الحوادث منذ نوفمبر. وقالت: "لم يُعد توجيه أي سفن من أتالانتا إلى مناطق خارج منطقة العمليات".
ومع ذلك، من بين السفن الثلاث التي قالت إنها تقدم الدعم لـ"العملية أتالانتا"، ذهبت إحداها–ألزاس (Alsace)– لمساعدة ناقلة تعرضت لهجوم شنه الحوثيون بينما أسقطت أخرى، "لانغدوك" (Languedoc)، طائرة مسيرة تابعة للحوثيين في البحر الأحمر. وفق منشورات للجيش الفرنسي والقيادة المركزية الأميركية على "إكس".
وقالت "يونافور" إنه من الشائع جداً أن تدعم مثل هذه السفن عمليات أخرى.
200 حادث سنوياً
ورغم التهديد المتجدد، فإن تحديث التكنولوجيا يجعل من السهل أيضاً تجنب مثل هذه الحوادث، بحسب طومسون.
وقال إن "أمبري" نصحت نحو 20 سفينة بتغيير مساراتها حتى تتجنب السفن التي يُزعم أنها تحمل قراصنة على متنها. مضيفاً أنه في الموجة السابقة، لم تكن هناك التكنولوجيا اللازمة للقيام بذلك.
وبلغت هجمات القرصنة قبالة سواحل الصومال ذروتها بنحو 200 حادث سنوياً في الفترة من 2009 إلى 2011، وفقاً لبيانات بعثة الاتحاد الأوروبي. ومع مرور ما يزيد قليلاً عن شهر من 2024، كانت هناك بالفعل ثلاث حالات، كما تظهر بيانات البعثة.
ناقلة نفط سنغافورية تتعرض للقرصنة قبالة سواحل أفريقيا
هناك أيضاً روابط جغرافية بين القراصنة الصوماليين واليمن، وفق ما ذكره هانز تينو هانسن، الرئيس التنفيذي لشركة "ريسك إنتليجنس" إيه/إس (Risk Intelligence A/S) في الدنمارك.
وقال في ندوة عبر الإنترنت مع مجموعة "بيمكو" (BIMCO) التجارية إن العديد من مجموعات القرصنة متورطة في التهريب، عبر طرق تشمل اليمن.
وأضاف: "يمكنهم القيام بعمليات قرصنة إذا احتاجوا لذلك أو إذا حصلوا على أموال مقابل القيام بذلك، أو إذا رأوا أن مكافآت المخاطرة تصبح في صالح أنشطتهم الأخرى". وتابع "لا أعتقد أنه (نشاط القرصنة) سيلعب دوراً كبيراً جداً في هذا الصراع، فهو في الواقع دور صغير للغاية، ولكن من الممكن الاستعانة بالبعض للقيام بشيء ما".