تتعرض الخطة الطموحة لمرور التجارة ما بين آسيا وأوروبا عبر الشرق الأوسط إلى خطر التوقف حتى قبل أن يبدأ تنفيذها.
عرقلت الحرب الإسرائيلية على غزة تنفيذ ما يُعرف باسم الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وهو مشروع روّجت له واشنطن وحلفاؤها الرئيسيون العام الماضي، يستهدف إنشاء سكك حديدية جديدة في أنحاء شبه الجزيرة العربية. غير أن المشروع جُمِّد فعلياً في ظل اضطرابات الشحن البحري بالبحر الأحمر التي سببتها هجمات الحوثيين، واتساع رقعة الأزمة في المنطقة.
يُعد توقف المشروع عقبة أمام استراتيجية الولايات المتحدة، إذ إن الخطة كانت ستحقق عدة أهداف، من بينها مجابهة مبادرة الحزام والطريق الصينية لمشروعات البنية التحتية، وتعزيز نفوذ أميركا في ما يُطلق عليها دول "الجنوب العالمي"، وتسريع وتيرة التقارب الذي طال انتظاره بين إسرائيل والسعودية.
رومانا فلاهوتين، المبعوثة الخاصة السابقة للاتحاد الأوروبي لشؤون الاتصال التي تشغل الآن منصب عضو شرفي في "صندوق مارشال الألماني" (German Marshall Fund)، ترى أن "هذا مشروع أثار قلق إيران والصين وروسيا، بل وتركيا أيضاً. ربما يكون ذلك أفضل دليل على أهميته الاستراتيجية".
عند السؤال حول الجدول الزمني للمشروع، قال شخص مطلع على خطط المشروع إن اندلاع أعمال العنف في الشرق الأوسط حوّل الاهتمام بعيداً عن محادثات مشروع الممر الاقتصادي.
تغيير جذري
في إطار التنافس مع الصين على النفوذ العالمي، واجهت الولايات المتحدة وأوروبا تحديات في كسب دعم الدول النامية، إذ إن عديداً من الدول الناشئة واصلت موقفها الحيادي أمام غزو روسيا لأوكرانيا، ودعمت الإنهاء الفوري لحرب إسرائيل على غزة، ورفضت اتباع المسار الأميركي في كلتا القضيتين.
اقرأ أيضاً: ما تفاصيل الممر الاقتصادي الجديد بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا؟
تشارك دول مجموعة السبع فيما يُطلق عليها "معركة العروض" بغية تعزيز نفوذها، لتقدم فرصاً لمشروعات بنية تحتية حقيقية، بدلاً من اللجوء إلى مناشدة القيم المشتركة.
كان الممر الاقتصادي أحد أكثر المشروعات طموحاً، وتحول إلى حقيقة في قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في سبتمبر الماضي، في صورة مصافحة ثلاثية بين الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
باغت الإعلان عن المشروع كثيرين، ويقوم على سكك حديدية جديدة ستربط شبكات النقل البحري والبري ببعضها، ووصفه بايدن بأنه "استثمار إقليمي يمثل تغييراً جذرياً".
نظر محللون أيضاً إلى المشروع على أنه خطوة للأمام تجاه الهدف الحقيقي للإدارة الأميركية، المتمثل في الوصول إلى اتفاق بين إسرائيل والسعودية.
مستشار الأمن القومي جيك سوليفان أشار في قمة دافوس التي أقيمت الأسبوع الماضي إلى أنه لطالما كان نهج الولايات المتحدة هو العمل على إنجاز اتفاق شامل يتضمن التطبيع بين إسرائيل وكبرى الدول العربية، فضلاً عن تقديم أفق سياسي للفلسطينيين، وأضاف: "كان هذا هدفنا قبل 7 أكتوبر".
اقرأ أيضاً: أميركا تلجأ لأسلحة اقتصادية جديدة لإبطاء الصين
الهجمات التي شنتها حماس ذلك اليوم أسفرت عن حرب إسرائيل على غزة، التي تهدد بالتوسع لتشمل عدة جبهات، وتورط حلفاء حماس المدعومين من إيران، مثل جماعة الحوثي وحزب الله، بالإضافة إلى الولايات المتحدة.
وعود نجاح على الورق
أدت كل هذه الاضطرابات إلى وقف مشروع الممر الاقتصادي بشكل مفاجئ، فالطريق الممتد لمسافة تقارب 4830 كيلومتراً (3 آلاف ميل) يمر عبر دول باتت في أقصى حالات التأهب تحسباً لجرها إلى الحرب. كما أن غضب الشعوب العربية نتيجة ارتفاع عدد الضحايا من المدنيين في غزة يعني أن على الحكومات المشاركة في المشروع، مثل الإمارات، التصرف بحذر. فيما استبعدت السعودية عقد أي اتفاق مع إسرائيل ما لم يوجد مسار واضح لقيام دولة فلسطينية.
اقرأ أيضاً: الإمارات تحذّر من نفاد الوقت لتجنب أزمة أوسع في الشرق الأوسط
بالطبع كان يمكن أن يخفق المشروع حتى مع عدم قيام حرب في الشرق الأوسط، ورغم توافقه التام مع الخطاب الجيوسياسي الأميركي، إلا أن التفاصيل المتاحة عنه ما تزال محدودة.
كريغ سينغلتون، الزميل الأول بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (Foundation for Defense of Democracies)، المجموعة البحثية التي يقع مقرها في واشنطن، يعتبر أنه "على الرغم من أن مشروع الممر الاقتصادي يبدو واعداً على الورق، فإن الديناميكيات الإقليمية المعقدة من شأنها دوماً أن تفرض تحديات أمام تنفيذه".
لافتاً في المقابل إلى أن هناك حافزاً واضحاً بين الدول الموقعة على الاتفاقية في سبتمبر الماضي على استئناف الاتفاق إذا تراجعت حدة التوترات الإقليمية.
محمد سليمان، مدير برنامج التقنيات الاستراتيجية والأمن السيبراني في معهد الشرق الأوسط، ومقره في واشنطن، يؤكد أن "المنطق الاستراتيجي يظل ثابتاً لا يتزعزع، بل أكثر قوة. فالدول المشاركة لا تزال في غاية الالتزام بهذه الرؤية".
وأشار بايدن إلى المشروع التاريخي في عدة مناسبات منذ قمة مجموعة العشرين، من بينها بوصفه طريقة لمجابهة مبادرة الحزام والطريق. وقال الرئيس في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض في أكتوبر: "سنتقدم للمنافسة، ولكن بطريقة مختلفة".
فرصة كبيرة
يستعد بايدن لانتخابات نوفمبر، ويُرجّح أن تمثل جولة أخرى تضعه في مواجهة دونالد ترمب. وفي ظل التزام الحزبين الأميركيين بسياسة متشددة تجاه الصين، تسعى إدارة بايدن إلى تمييز سياستها الخارجية، بما يتضمن الاستعداد للتعاون مع الحلفاء في مشروعات متعددة الأطراف.
اقرأ أيضاً: ترمب يتوعد الصين مجدداً مع تقدمه في سباق الانتخابات الرئاسية
واعترف مصممو خطة الممر الاقتصادي الجديد بأن هناك ضرورة ملحة لبذل مثل تلك الجهود في الفترة الحالية، وسط التغيرات السريعة في النظام العالمي الذي قادته الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.
عند سؤال سوليفان في قمة دافوس عن تلك التغيرات، أشار إلى أهمية منح صوت أكبر للدول التي لم تسترد صوتها بعد 1945، لكنها تستحق ذلك في الفترة الحالية.
وترى فلاهوتين، صانعة السياسة السابقة بالاتحاد الأوروبي، أنه في ظل بحث رأس المال الغربي عن بدائل للاستثمار بمنأى عن الصين، أمام ما يُطلق عليها دول الجنوب العالمي -بالأخص الهند- فرصة كبيرة.
رغم ذلك، فهناك مجالات تسعى فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى اللحاق بالصين، التي أطلقت مبادرة الحزام والطريق قبل عقد.
عن ذلك يصرح سينغلتون: "واشنطن تكافح جدياً من أجل التصدي للرؤية الاقتصادية الكبرى للصين. وُيعد تداعي مشروع الممر الاقتصادي الجديد تذكيراً صارخاً بأن المشروعات الاستراتيجية الضخمة غالباً ما تتعثر أمام العوامل الجيوسياسية القاسية".