أوقفت 8 من أكبر 10 شركات لسفن الحاويات المرور في البحر الأحمر بسبب الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي، حسب بيانات حديثة تتبع شركات الشحن منذ بدء الاضطرابات حتى 5 يناير 2024.
ففي الخامس عشر من نوفمبر 2023، أعلن زعيم "أنصار الله" عبد الملك الحوثي، أن "عيون الجماعة مفتوحة لرصد أي سفن تعود ملكيتها أو تُشغلها شركات إسرائيلية"، رداً على الحرب في غزة، قبل أن توسع عملياتها تجاه "كل السفن" المتوجهة لإسرائيل.
وتسيطر الشركات الثماني على 61% من قدرة الشحن العالمية، وتتجنب المرور عبر مضيق باب المندب الذي يبلغ عرضه 29 كيلومتراً، وهو الممر البحري الذي يربط المحيط الهندي بالبحر الأحمر، وفق "بلومبرغ إنتلجينس".
تؤدي هجمات "الحوثي" إلى استمرار ارتفاع الأسعار الفورية المرتفعة لنقل الحاويات، إذ تدفع شركات الشحن إلى تحويل سفنها إلى مسار أكثر تكلفة حول أفريقيا. وصعدت أسعار الشحن 84% بالفعل منذ بدء الهجمات، وفق التقرير، ما يشير إلى ارتفاع أرباح كبرى الشركات المشغلة للناقلات وارتفاع أسعار شحن البضائع الجافة.
فيتش": مرور السفن بعيداً عن قناة السويس يرفع أسعار الشحن لتعويض التكاليف
كما أن الرحلات التي غيرت مسارها للدوران حول أفريقيا قد تطول 25% عن الفترة المطلوبة لعبور قناة السويس، بحسب شركة "فليكسبورت". وهو ما يرفع تكلفة تلك الرحلات ويصعد بأسعار كل السلع والبضائع -من الأحذية الرياضية والأغذية إلى النفط- على المستهلكين في حال استمرار التحول إلى الرحلات الأطول.
مليون دولار إضافية على كل سفينة
يمكن أن يؤدي تجنب العبور عبر باب المندب الحيوي -وهو البوابة الأساسية إلى البحر الأحمر وقناة السويس- إلى ارتفاع أسعار الشحن، خاصة بالنسبة لشحنات النفط المتجهة إلى أوروبا والمتجهة إلى آسيا. وفي 24 ديسمبر 2023، قال صندوق النقد الدولي، إن التدفقات التجارية في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا وأفريقيا، تتعرض للخطر بسبب اضطرابات الشحن في الممر الماضي. كما أظهرت منصة "بورت ووتش" التابعة للصندوق في تقرير لها، أن "حركة المرور البحرية عبر مضيق باب المندب انخفضت بشكل حاد في الأيام الأخيرة".
تراجع حاد بحركة ناقلات النفط عبر مضيق باب المندب في البحر الأحمر
قد يؤدي وقف معظم سفن الحاويات عبور البحر الأحمر إلى إضافة نحو مليون دولار إلى التكلفة الإضافية لكل سفينة في رحلتها ذهاباً وإياباً بين آسيا وشمال أوروبا أثناء إعادة توجيه مسارها حول أفريقيا.
من جانبها، قالت وكالة "فيتش" في تقرير حديث إن تغيير مسار السفن للمرور حول أفريقيا، بعيداً عن قناة السويس المصرية، في أعقاب الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر يضيف تكاليف على شركات الشحن، لكن من المرجح أن يتم تعويضها من خلال رفع أسعار نقل البضائع، حال استمرار الوضع لأكثر من بضعة أيام. وقد يؤدي تغيير مسار المرور حول أفريقيا إلى زيادة وقت السفر من الشرق الأقصى إلى أوروبا 50%، ويقلل من القدرة العالمية الفعالة لشحن الحاويات بنسبة 10% إلى 15%، وفق "فيتش".
زيادة تكاليف الوقود والتأمين
تعتبر واقعة إغلاق قناة السويس المصرية في مارس 2021 بسبب توقف السفينة "إيفر غيفن"، والتي كلفت التجارة العالمية نحو 9.6 مليار دولار يومياً، خير مثال على أن الاضطرابات الأخيرة في الشحن قد تكون مكلفة، حسب التقرير. ويمر عبر قناة السويس نحو 5% من تجارة النفط في العالم، و10% من منتجاته النفطية، بحسب إدارة الطاقة الدولية.
رجح تقرير "بلومبرغ إنتلجينس" أن يؤدي القرار الذي اتخذته معظم شركات شحن الحاويات الكبرى بإعادة توجيه مسار السفن حول أفريقيا إلى زيادة كبيرة في تكاليف الوقود والتأمين، فضلاً عن أوقات العبور، ويمكن أن تتوسع الاضطرابات في التجارة المنقولة بحراً إلى ما هو أبعد من الازدحام في منطقة الصراع.
كما قد يؤدي مزيد من تصعيد الصراع بين إسرائيل وحماس إلى ارتفاع أسعار الشحن بالناقلات، حيث يميل الطلب على شحن النفط الخام والمنتجات النفطية إلى الارتفاع استجابةً للاضطرابات التي تثير المخاوف من نقص النفط الخام.
قال مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" ومقره في جنيف، إن توقعاته إزاء عام 2024 متشائمة، وذلك بعد توقعات ببلوغ حجم التجارة العالمية في عام 2023 نحو 30.7 تريليون دولار، بانكماش قدره 5% مقارنة بعام 2022.
"أونكتاد" يتوقع انخفاض التجارة العالمية بنحو تريليوني دولار
وربما تتعرض الولايات المتحدة لضغوط متزايدة لتشديد العقوبات على صادرات النفط الإيرانية، نظراً لدور إيران في الصراع، وفق"بلومبرغ إنتلجينس". وقد يترتب على ذلك ارتفاع أسعار النفط مع تنافس المشترين، مما يجبر أسعار الشحن بالناقلات على الارتفاع حيث يدفع أصحاب البضائع مزيداً من التكاليف لضمان الشحن في الوقت المناسب، وفق التقرير.
إدارة أمن الطاقة
في الأمد الأبعد، قد تسلط الحرب الضوء أيضاً على الحاجة إلى إدارة المخاطر المرتبطة بأمن الطاقة. وقد تحاول دول مثل الصين التخفيف من هذه التهديدات من خلال توسيع شبكات استيراد النفط الخام والمنتجات النفطية والغاز الطبيعي المسال. كما قد تضع مثل هذه التحركات الطلب على الشحن بالطن ميل على مسار تصاعدي ثابت.
ويشير نشر قوة عمل بحرية بقيادة الولايات المتحدة في المنطقة إلى تزايد خطر نشوب صراع أوسع نطاقاً، حسب "بلومبرغ إنتلجينس". ويمكن لأي تصعيد إضافي للحرب أن يثير صراعاً إقليمياً ويؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل التي قد تسبب تأخيرات واسعة النطاق في الشحن وحدوث فوضى في سلسلة التوريد.
مخاطر البحر الأحمر والمناخ ترفع تكاليف استئجار ناقلات النفط
من جانبها، حثت الولايات المتحدة و11 دولة حليفة، الأربعاء الماضي، جماعة الحوثي في اليمن على أن يوقفوا "فوراً هجماتهم غير القانونية" على السفن في البحر الأحمر، التي تضعهم تحت طائلة "القانون". كما يحاول الجيش الأميركي طمأنة شركات الشحن بأن توفير قوة متعددة الجنسيات سيجعل الإبحار عبر البحر الأحمر وقناة السويس آمناً، رغم أن هجمات الحوثيين المتمركزين في اليمن لا تظهر أي علامة على التباطؤ، وفق "بلومبرغ".
ختاماً، دعا أعضاء مجلس الأمن الدولي، الأربعاء الماضي، الحوثيين إلى وقف هجماتهم على الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، قائلين إنها تهدد الاستقرار الإقليمي وحرية الملاحة وإمدادات الغذاء العالمية.