التيسير النقدي سيدعم تعافي العقارات والتصنيع والبنوك بعد ركود في العامين الماضيين

خفض أسعار الفائدة المرتقب يبشر بانتعاش اقتصادي على غرار الثمانينيات

خفض أسعار الفائدة قد يساعد - المصدر: بلومبرغ
خفض أسعار الفائدة قد يساعد - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

تشغل تخفيضات أسعار الفائدة التي سيقرّها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الحيز الأبرز من التفكير على الصعيد الاقتصادي العام الجاري. فهل ستحمل أخباراً سارة بالنسبة إلى الاقتصاد، فيما يحالف الحظ المقترضين، أم أنها إشارة إلى ركود وشيك كما حدث في عامي 2001 و2007؟

ما يزال هناك خلاف كبير حول موعد التيسير النقدي ونطاقه، في ظل صدمة التضخم الأخيرة، لكن صناع السياسة في "الاحتياطي الفيدرالي" أشاروا بوضوح في محضر اجتماعهم الأخير، الذي نُشر يوم الأربعاء الماضي، إلى أن خفض أسعار الفائدة يجب أن يبدأ في وقت ما هذا العام.

أحد الاعتبارات المهمة في هذا النقاش هو درجة "عدم تزامن" التعافي الاقتصادي بعد الجائحة حتى الآن. فبينما حدث خفض أسعار الفائدة في عامي 2001 و2007 في نهاية موجة إفراط في الاستثمار أو الاقتراض، أو كليهما معاً، فالتيسير النقدي في العام الجاري سيأتي بعد تدهور القطاعات الاقتصادية الدورية الحساسة لأسعار الفائدة لمدة عامين تقريباً. يُتوقع تعافي تلك المجالات بدرجة ما في 2024. إلا أن الدفعة الإضافية من خفض أسعار الفائدة قد تحول ذلك التعافي إلى وضع أقرب للانتعاش.

سوق الإسكان أول المستفيدين

بالطبع ستكون سوق العقارات السكنية أول القطاعات المتأثرة وأهمها. ازدهرت شركات بناء المساكن في بيئة أسعار الفائدة المرتفعة، وأغرت المشترين عبر تقديم تكاليف رهون عقارية منخفضة، لكن المعروض المحدود من المنازل المملوكة سابقاً المطروحة في السوق جمّد صفقات إعادة البيع، فتراجعت مبيعات المنازل القائمة في الأشهر الماضية إلى مستويات سُجلت بعد إفلاس "ليمان براذرز هولدينغز" (Lehman Brothers Holdings)، وانفجار فقاعة الرهون العقارية عالية المخاطر في 2008.

يُفترض أن يساعد خفض معدلات فائدة الرهون العقارية على إنعاش سوق إعادة البيع، وأن يقدم دفعة إضافية إلى شركات البناء، بل وتمكين بعض مالكي المنازل من تمويل أعمال التجديد والمشروعات التكميلية التي أُوقفت في ظل ارتفاع أسعار الفائدة وتصاعد المخاوف من الركود.

تبدو الاستثمارات العقارية السكنية المُعدلة وفق التضخم مهيأة للنمو مجدداً، عاماً تلو الآخر، لتتعافى من المستويات السلبية العميقة التي سجلتها في أواخر 2022، ومطلع 2023. كان هذا النمط الذي شهدناه من الناحية التاريخية عند الخروج من حالة الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة. بحلول فصل الربيع المقبل، يُفترض أن تشعر سوق العقارات السكنية بعودتها إلى النمو مجدداً لأول مرة منذ بدء التشديد النقدي.

تعافٍ منتظر للتصنيع

يُعوّل على تعافي قطاع الإسكان أن يساعد قطاع التصنيع على الخروج من أزمته الممتدة. بدأ تدهور القطاع عندما حوّل المستهلكون وجهة إنفاقهم من السلع إلى الأنشطة، مثل السفر والترفيه، في ربيع 2022. ترك ذلك الشركات في مواجهة عرض مفرط؛ فأمضت عدة فصول سنوية لتقليص مستويات المخزون بدلاً من إنتاج المزيد.

وأدى ارتفاع معدل التضخم وتكاليف الاقتراض وتراجع معدلات الطلبيات الجديدة إلى تراجع ثقة الأعمال. رغم أن مؤشر "آي إس إم" للتصنيع (ISM Manufacturing Index)، الذي يُعد مقياساً للتفاؤل تجري متابعته على نطاق واسع، ينخفض إلى منطقة الانكماش للشهر الرابع عشر على التوالي، وهي نتيجة أسوأ مما سببه الركود في عام 2008، إلا أنه بدأ يظهِر دلائل على الاستقرار في الآونة الأخيرة. ويُفترض أن يرتفع المؤشر إلى منطقة التوسع بفضل زيادة طلبيات المصانع على مدى الأشهر القليلة المقبلة.

البنوك تسعى إلى استخدام السيولة

الجزء الأخير من الأحجية يتمثل في البنوك، التي يجب أن تبدأ في تيسير معايير الإقراض بعد حذر استمر 18 شهراً. زادت البنوك مستويات رأس المال طوال العام الماضي، وكما أشرتُ في نوفمبر، بدأ بعضها يناقش موعد التحول إلى استخدام السيولة بدلاً من جمعها.

إن التراجعات الحادة في أسعار الفائدة طويلة الأجل في الآونة الأخيرة قد تقدم موعد تلك التوقيتات عبر إصلاح قدر من الضرر الذي تكبدته محافظها الاستثمارية المكونة من سندات الخزانة الأميركية والأوراق المالية بضمان الرهون العقارية.

بالفعل، تراجع صافي نسبة البنوك التي تفرض معايير صارمة على اقتراض الشركات متوسطة وكبيرة الحجم خلال الربع الثالث عما كانت عليه في الأشهر الثلاثة السابقة، بحسب استطلاع رأي كبار مسؤولي القروض الذي أجراه الاحتياطي الفيدرالي.

كنت لأتوقع أن يتحول ذلك إلى تسهيل شامل لمعايير الاقتراض بحلول الربع الثاني أو الثالث، لا سيما أن أغلب تلك الشروط الصارمة نتجت عن انخفاض قيمة الأوراق المالية التي تُعد عالية الجودة في الأساس، رغم تضررها من أسعار الفائدة المرتفعة، بدلاً من خسائر القروض الناجمة عن حالات الركود.

فتح الأبواب للنمو

أشار بعض المراقبين إلى عامي 1995 و2019 على أنهما عامان آخران خفض فيهما "الاحتياطي الفيدرالي" أسعار الفائدة بشكل تكتيكي وهو الأمر الذي اتضح أنه لا يشير إلى حالة ركود.

أما عن نفسي، فأرى أن الوضع الحالي أشبه ما يكون بعام 1983، عندما رُفعت أسعار الفائدة لاحتواء التضخم، ما أعاق النمو الاقتصادي المتأثر بالائتمان، وعندما تراجع معدل التضخم، وسُمح بانخفاض تكاليف الاقتراض، انفتحت الأبواب أمام ذلك النمو بشكل مذهل.

لم تُفرض قيود على الائتمان والاستثمار على مدى العامين الماضيين كما حدث في مطلع الثمانينيات، لكن الديناميكيات الكلية ما تزال متشابهة. وقدر الزيادة التي سنشهدها في النمو المدفوع بالائتمان والاستثمار خلال 2024 سيحدد ما إذا كنا سنحقق ما يُطلق عليه الهبوط السلس أم بيئة أكثر نشاطاً.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك