تباطأ معدل التضخم في المملكة المتحدة خلال نوفمبر بأكثر مما توقعه اقتصاديون، مما شكّل مفاجأة دفعت المتداولين لزيادة رهاناتهم على أن بنك إنجلترا سوف يتخلى قريباً عن خطابه بشأن رفع أسعار الفائدة الذي اتبعه لفترة طويلة.
ارتفعت أسعار المستهلكين 3.9% على أساس سنوي، مقابل 4.6% في أكتوبر، وفقاً لبيانات أصدرها مكتب الإحصاءات الوطنية الأربعاء. جاء التباطؤ أكثر بكثير من المعدل الذي توقعه الاقتصاديون البالغ 4.3%. ولم يتوقع أحد أن ترتفع الأسعار بأقل من 4.2%.
كثّف المتعاملون الرهانات على خفض بنك إنجلترا أسعار الفائدة العام المقبل إلى 145 نقطة أساس، فيما يعد أكبر معدل في الدورة الحالية. يعني هذا أن المتعاملين يسعّرون خمس تخفيضات لأسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في كل مرة. تراجعت عائدات السندات الحكومية البريطانية لأجل 10 سنوات 11 نقطة أساس إلى 3.54%. وواصل الجنيه الإسترليني خسائره، منخفضاً 0.6% إلى 1.2658 دولار، فيما ارتفعت الأسهم البريطانية مدفوعة بشركات التطوير العقاري.
وصل تضخم أسعار المواد الغذائية لأول مرة إلى خانة الآحاد منذ يونيو 2022، والذي يعتبر أحد أكبر المحركات وراء أزمة تكلفة المعيشة في بريطانيا. كما ساهمت أسعار وقود السيارات في التباطؤ. انخفض تضخم الخدمات إلى أدنى مستوى له منذ يناير، والذي كان بنك إنجلترا يعتبره مراراً مصدر الضغط المتواصل على الأسعار.
تكشف أرقام التضخم عن حدوث تراجع يفوق التوقعات للمرة الثالثة في الأشهر الأربعة الماضية وهو الأكبر منذ أن سيطرت مخاوف التضخم في عام 2021. انخفضت أسعار المستهلكين 0.2% بين أكتوبر ونوفمبر على أساس شهري، في أكبر تراجع يشهده نوفمبر منذ عام 2014.
مخالفة توقعات السوق
يأتي إصدار هذه البيانات بعد أقل من أسبوع من آخر محاولة خالف فيها محافظ بنك إنجلترا، أندرو بيلي، توقعات السوق للتحول نحو التيسير النقدي. كان "بيلي" صرح يوم الخميس الماضي أنه "لا يزال هناك مسار طويل" في مكافحة التضخم، بعد أن صوّتت لجنة السياسة النقدية بالبنك لصالح الإبقاء على أسعار الفائدة عند أعلى مستوى لها منذ 15 عاماً في اجتماعها الثالث على التوالي.
قال أولريش ليوتشتمان، رئيس أبحاث العملات الأجنبية في "كوميرزبنك" (Commerzbank AG)، بفرانكفورت: "القراءة المنخفضة بشكل مدهش في أرقام مؤشر أسعار المستهلكين في المملكة المتحدة اليوم تثير شكوكاً حول انطباع الأسبوع الماضي بعد اجتماع لجنة السياسة النقدية، مفادها أن المملكة المتحدة قد تكون واحدة من الدول المتباطئة من حيث قرارات تخفيض أسعار الفائدة في عام 2024 وما بعده".
تمنح هذه الأرقام حكومة ريشي سوناك المجال للتركيز على مسار الانتخابات المقررة في العام المقبل، في الوقت الذي يتراجع فيه حزبه بمقدار 20 نقطة مئوية عن حزب العمال المعارض، وفقاً لاستطلاعات الرأي. بدأ "سوناك" العام الحالي بالتعهد بخفض التضخم إلى النصف هذا العام، والذي كان قد تجاوز 10%.
التخلص من الضغوط التضخمية
قال وزير الخزانة جيريمي هَنت: "مع انخفاض التضخم بأكثر من النصف، بدأنا في التخلص من الضغوط التضخمية من الاقتصاد"، مشيراً إلى أن سياسات الميزانية التي أُعلنت الشهر الماضي كانت ستدعم النمو أيضاً. وأضاف: "إلى جانب التخفيضات الضريبية على الشركات التي أُعلن عنها في بيان الخريف، فإن هذا يعني أننا على المسار الصحيح نحو نمو سليم ومستدام".
كما تباطأت المؤشرات الأساسية للأسعار التي يراقبها بنك إنجلترا عن كثب بحثاً عن علامات لاستمرار التضخم بأكثر من المتوقع. تراجع التضخم الأساسي–الذي يستثني تكاليف الغذاء والطاقة المتقلبة– إلى 5.1% من 5.7%، في حين انخفض تضخم الخدمات إلى 6.3% بعد أن كان 6.6%. ويراقب بنك إنجلترا أسعار الخدمات بحثاً عن دلائل على أن سوق العمل المتشددة (وظائف شاغرة أكثر من العاطلين عن العمل) لا تزال تغذي ارتفاع الأجور، وبالتالي تدفع الأسعار إلى الارتفاع.
ضوء في نهاية النفق
قال سورين ثيرو، مدير الاقتصاد لدى معهد المحاسبين القانونيين في إنجلترا وويلز (ICAEW): "هذا الانخفاض المفاجئ في التضخم سيزيد من طمأنة الأفراد والشركات بوجود ضوء بنهاية النفق في مكافحة الزيادة الكبيرة للأسعار. وتوضح أرقام التضخم أن بنك إنجلترا حذر للغاية في خطابه بشأن موعد بدء خفض أسعار الفائدة".
كثف المستثمرون رهاناتهم على خفض تكاليف الاقتراض بعد الانخفاض الحاد في التضخم، وظهور مؤشرات على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بصدد تغيير السياسة النقدية. بعد اجتماع السياسة النقدية الأخير الذي عقده بنك إنجلترا الأسبوع الماضي، رفض "بيلي" التكهنات المتزايدة، وقال "لا يزال هناك بعض العمل الذي يتعين القيام به" في مكافحة التضخم. لم تكن لدى بنك إنجلترا رؤية مُسبقة لأحدث أرقام التضخم في ذلك الوقت.
لا يزال التضخم يقارب ضعف المعدل الذي يستهدفه بنك إنجلترا البالغ 2%، وأعلى من المعدل في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو. قال غرانت فيتزنر، كبير الاقتصاديين في شركة "أو إن إس" (ONS)، يوم الأربعاء: "تراجع التضخم مرة أخرى إلى أدنى معدل سنوي له منذ أكثر من عامين، لكن الأسعار ظلت أعلى بكثير مما كانت عليه قبل غزو أوكرانيا".
أسعار الغذاء
ارتفعت أسعار المواد الغذائية 9.2%، مقارنة بالعام السابق، وأقل من 10.1% المسجلة في أكتوبر الماضي. وانخفضت أسعار وقود السيارات بـ10.6% بعد تراجعها 2.4% على أساس شهري.
أدت أسعار السلع والخدمات الترفيهية والثقافية إلى انخفاض التضخم، حيث تراجعت 0.4% بين أكتوبر ونوفمبر. جاءت أكبر مساهمة في هذا التراجع من جانب الألعاب وألعاب الأطفال والمنتجات المتعلقة بالهوايات-خاصة ألعاب الكمبيوتر-والخدمات الثقافية، وخاصة رسوم الدخول إلى المسارح وفعاليات الموسيقى المباشرة.
جاء الانخفاض في أسعار المنتجين-والذي غالباً ما يشير إلى التكاليف التي يتحملها المستهلكون-أقل من المتوقع. انخفضت أسعار منتجات تسليم باب المصنع بـ0.2% مقارنة بالعام السابق، أي أقل من الانخفاض بنسبة 0.5% الذي توقعه الاقتصاديون. لم يتغير الانخفاض بـ2.6% في تكاليف المدخلات التي يدفعها المنتجون مقابل المواد الخام والوقود عن الشهر السابق.
قالت آنا أندرادي، من "بلومبرغ إيكونوميكس"، لتلفزيون "بلومبرغ": "أهم التفاصيل موجودة في مؤشر الخدمات. من المؤكد أن هذه النسخة من البيانات زادت فرص الخفض المبكر للفائدة".