مع انتهاء الانتخابات الرئاسية في مصر، تستعد البلاد التي تعاني من ضائقة مالية لزيادة المساعدات المالية التي ربما تخفف من أزمة شح الدولار الأميركي، وتحفز الاستثمار الأجنبي الذي تحتاجه بشدة، بحسب أشخاص على دراية بالمناقشات.
أوضح الأشخاص الذين طلبوا عدم الإفصاح عن هوياتهم نظراً لخصوصية المناقشات، أن البلد الأكثر اكتظاظاً بالسكان بمنطقة الشرق الأوسط تقترب من التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي لزيادة برنامج حزمة الإنقاذ البالغة قيمته 3 مليارات دولار أميركي -وجزء قليل منه جرى تسليمه إلى مصر حتى الآن- إلى 6 مليارات دولار أميركي تقريباً. وأضافوا أن هذا المبلغ قد يرتفع لمستوى أعلى حتى من ذلك، في حين أن شركاء آخرين متعددي الأطراف قد يوفرون أيضاً تمويلاً جديداً.
من غير الواضح ما إذا كان إبرام الاتفاق سيحتاج لأسابيع أو شهور، لكنه سيكون حافزاً للرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي تُمدد عملية إعادة انتخابه فترة حكمه التي بلغت عقداً تقريباً حتى 2030. يواجه المشير السابق بالجيش صعوبة في مواجهة أسوأ أزمة اقتصادية تمر بها البلاد منذ عقود ويتوقع مستثمرون عالميون تخفيضاً لقيمة الجنيه المصري خلال الشهور المقبلة، والذي سيكون الرابع من نوعه في مصر منذ أوائل 2022.
سيقطع أيضاً الحصول على أموال من شركاء أجانب شوطاً طويلاً لضمان تفادي مصر التخلف عن سداد ديونها. وهبط متوسط عوائد السندات المقومة بالدولار منذ منتصف أكتوبر من أكثر من 19% إلى 13.4%، بحسب مؤشرات بلومبرغ، لكنه ما يزال من بين الأعلى عالمياً.
فاقمت الحرب بين إسرائيل وحماس من صعوبة أزمة البلاد. وعزز الصراع مكانة مصر الجيوسياسية بدرجة كبيرة باعتبارها البوابة الرئيسية لمساعدة غزة، ما قد يمنح الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وغيرهما حافزاً أكبر لدعم حكومة السيسي.
أزمة قناة السويس
لكن القتال يحول دون قدوم بعض السياح أيضاً إلى البلاد، وفي الأسبوع الماضي بدأت شركات الشحن الكبرى في تجنب المرور عبر قناة السويس، -التي تعد مصدراً رئيسياً لإيرادات العملات الأجنبية للقاهرة- جراء هجمات المتمردين الحوثيين في اليمن بالبحر الأحمر.
بوقت سابق من الشهر الجاري، صرحت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا بأنه يوجد "احتمال كبير" أن تزيد مؤسسة الإقراض التي يقع مقرها في واشنطن قرض مصر الحالي بسبب الأعباء الجديدة التي تتعرض لها.
ولم يتسن الوصول إلى ممثلي البنك المركزي المصري ووزارة المالية في مصر للتعليق على الموضوع. فيما طلب صندوق النقد الدولي من بلومبرغ الاستعانة بالتصريحات التي أُطلقت بمؤتمر صحفي عقدته مديرة الاتصال الإعلامي جولي كوزاك في 7 ديسمبر الجاري، وصرحت فيه بأن التمويل الإضافي سيكون مهماً لنجاح برنامج مصر، وأن المناقشات جارية بشأن تحديد المبلغ بالضبط.
فرصة أكبر لدعم مصر مالياً
ذكر سايمون ويليامز، كبير خبراء الاقتصاد في "إتش إس بي سي هولدينغز" بمناطق أوروبا الوسطى والشرقية والشرق الأوسط وأفريقيا: "بدا موقف صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي وآخرين واضحاً تماماً إزاء زيادة فرص حصول مصر على دعم مالي نتيجة اندلاع حرب غزة".
أشارت جورجيفا أيضاً إلى أن أولوية الحكومة ينبغي أن تكون تخفيض معدل التضخم (35% حالياً) عوضاً عن التصدي لمشكلة العملة. وربما يدل ذلك على أن خفض قيمة العملة قد لا يحدث بسرعة كما توقع بعض خبراء الاقتصاد.
من جانبه، يرى جون ميشيل صليبا، الخبير الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط في "بنك أوف أميركا" أن برنامج صندوق النقد الدولي المعدل من المحتمل أن "يعكس تقييماً جديداً" لموقف مصر و"سيوازن بعناية استعادة ثقة السوق مع عدم تقليص حوافز المسؤولين لتنفيذ الإصلاحات".
موعد تعويم الجنيه المصري
حتى لو عقد صندوق النقد الدولي ومصر اتفاقاً قريباً، فإن مؤسسات "وول ستريت" والبنوك الأخرى ترى أن تخفيض قيمة العملة مسألة لا مفر منها. استقر سعر الصرف الرسمي للجنيه عند 30.9 للدولار الأميركي الواحد منذ شهور. لكنه أقل بحوالي 36% من سعر السوق السوداء (50 جينهاً مقابل الدولار). هذا أيضاً هو نفس المستوى الذي يتم فيه تداول العملة بحسب العقود الآجلة لأجل سنة مقبلة، ما يدل على أن المستثمرين يتوقعون تراجعه لهذا المستوى خلال الإطار الزمني نفسه.
صرح زياد داود، كبير خبراء الاقتصاد للأسواق الناشئة في "بلومبرغ إيكونوميكس"، لتلفزيون بلومبرغ أمس: "بمقدور مصر أن تخفض قيمة العملة بنسبة أقل من 36% إذا حصلت على تمويل من الخارج عن طريق صندوق النقد الدولي، أو ربما من دول الخليج العربي".
في سياق متصل، يتوقع مصرفا "إتش إس بي سي " و"بنك أوف أميركا" أن يُضعف البنك المركزي المصري سعر صرف العملة المحلية خلال الربع الأول من السنة المقبلة. وقاوم السيسي تحركاً مماثلاً من قبل نظراً لأنه قد يفاقم أزمة تكلفة المعيشة للمواطنين المصريين، على الأقل في المدى القصير.
رغم ذلك، مع أزمات نقص العملات الصعبة التي تعرقل قدرة الشركات على استيراد البضائع الحيوية، ربما لا تتمكن مصر من الصمود لمدة أطول. وحذرت جورجيفا في أكتوبر الماضي من أن مصر "ستستنزف" احتياطياتها النقدية ما لم تخفض قيمة الجنيه المصري.
ختاماً، يمكن القول إن الوصول لاتفاق مع صندوق النقد الدولي "سيكون مشروطاً على الأرجح بتعديل سعر صرف العملة، كإجراء مسبق"، وتأثير الحرب ربما لن يغير من وجود حاجة للإصلاحات الاقتصادية، بحسب لورا دي نيرفو، كبيرة محللي الشؤون المصرية في وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، التي خفضت تصنيف البلاد خلال نوفمبر الماضي إلى "B-" لتسقط في منطقة الاستثمارات عالية المخاطر.