بعد الفشل في التعامل مع الجائحة..هل تتحقق نبوءة انهيار الاتحاد الأوروبي؟

الاتحاد الأوروبي يواجه مأزقا حقيقيا - المصدر: بلومبرغ
الاتحاد الأوروبي يواجه مأزقا حقيقيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

في الرابع من مارس، وصل اثنان من القادة الأوروبيين إلى إسرائيل في زيارة من شأنها أن تثير قلق محبي الاتحاد الأوروبي، وتُبهج المشككين في هذا الاتحاد.

لم يصرح المستشار النمساوي "سيباستيان كورتز"، ولا رئيسة الوزراء الدنماركية "ميت فريدريكسن" بذلك صراحة، لكن كلاهما يفقد الثقة في قدرة الاتحاد الأوروبي على تطعيم سكان الكتلة بالسرعة الكافية.

لذا فهم يتحدثون مع بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل (الذي يقود العالم من ناحية التطعيمات)، حول المشاريع التي يمكن أن تضع جرعات اللقاح في أكتاف النمسا والدنمارك في وقت الأزمة.

وليس سراً الآن، أن الاتحاد الأوروبي قد تسبب في فوضى خلال حملته لشراء وتخصيص لقاحات ضد فيروس كورونا. المفارقة المريرة هي أن هذا الجهد المبذول والمتمثل في قرار بروكسل بالاستيلاء على زمام أمور العواصم الوطنية السبع والعشرين، كان في حد ذاته رد فعل على فشل سابق حاول الاتحاد الأوروبي تعويضه.

بزوغ القومية مجدداً

في الربيع الماضي، عندما هدد الوباء لأول مرة باكتساح الكتلة، قامت الدول الأعضاء باتباع ردود أفعالها، ووضعت مفهوم "البلد أولاً"، وأصبح شعار التضامن القديم غير مسموع. وبدلاً عن ذلك، توقفت البلدان مؤقتاً عن مشاركة الكمامات والمعدات الطبية مع بعضها البعض وأغلقت حدودها. واعترفت "أورسولا فون دير لاين"، رئيسة المفوضية الأوروبية، في وقت لاحق بأننا "ألقينا نظرة خاطفة على الهاوية"، والهاوية هي تفكك الاتحاد الأوروبي.

في ذلك الوقت تقريباً، كنت أنا من بين أولئك الذين سألوا عما إذا كان لا يزال لدى الاتحاد الأوروبي مستقبل، سواء كبنية عملية أو فكرة ملهمة. وكان عندها رد الديمقراطيين الأوروبيين هو نفسه منذ الخمسينيات من القرن الماضي بأن أوروبا دائماً ما تتأرجح، وتقفز إلى مستويات جديدة من التكامل عند استجابتها لكل أزمة.

وكان من المفترض أن يتم تقديم التصور "أ" لهذا "التفاؤل الأوروبي" عبر الدور القيادي المذكور أعلاه للاتحاد الأوروبي في إدارة طرح اللقاح. من خلال جعل بروكسل تقوم بالمناقصات والتفاوض والتخصيص، كانت الكتلة مصممة على إثبات أن التعددية والتعاون أفضل من القومية (على الأقل داخل الاتحاد الأوروبي).

شماتة بريطانية

بدلاً من ذلك، قدم "البيروقراطيون الأوروبيون" عن غير قصد بشيء يشبه المحاكاة الساخرة لما هو حال بروكسل. حيث كان الاتحاد الأوروبي بطيئاً في إبرام الصفقات، وخجولاً في المفاوضة. واستغرق المنظمون وقتاً طويلاً للموافقة على اللقاحات التي يتم طرحها في السوق، بما في ذلك اللقاحات المصنعة داخل الاتحاد.

ثم كان رد فعل بروكسل سيئاً على نقص الإنتاج. وعلى النقيض من ذلك، لم تصب المملكة المتحدة مثل هذه المشاكل. ومن غير المفاجئ، أن هذه كانت مناسبة لبعض الشماتة البريطانية –وربما أنت على اطلاع بأن بريطانيا غادرت الاتحاد الأوروبي مؤخراً.

وبالتالي فإن هذه المحاولة الأخيرة لتقوية "قوى الجاذبية المركزية" للاتحاد الأوروبي تأتي بنتائج عكسية، وبدلاً من ذلك يتم تفضيل التوجه الـ"طارد من المركز"، فسلوفاكيا تطلب لقاحات من روسيا، وبولندا تحصل على لقاحات من الصين، وهنغاريا تتعامل مع كليهما. (لم يوافق الاتحاد الأوروبي على أي من هذه الجرعات).

وتلقى رئيس الوزراء المجري "فيكتور أوربان" مؤخراً جرعة لقاح صينية في ذراعه من شركة "سينوفارم" (Sinopharm). ومع استمرار هذه الإشارات، فإن زيارة "كورتز" و"فريدريكسن" لنتنياهو لها دلالات دقيقة عند مقارنتها مع هذه الأوضاع.

حزمة لإنعاش التضامن

لقد أفسد هذا التوجه الـ"طارد من المركز" ذلك التصور "ب" الخاص بالـ"متفائلين الأوربيين"، وهو صندوق "الجيل القادم من الاتحاد الأوروبي". بقيمة 750 مليار يورو (906 مليار دولار)، وهي حزمة إنعاش جديدة، تمولها بشكل مشترك جميع الدول الأعضاء وتديرها بروكسل، والتي ستقدم منحاً وقروضاً لتلك البلدان، لا سيما إسبانيا وإيطاليا، التي تضررت بشدة من فيروس كوفيد-19.

ومن المفترض أن تعبر هذه الحزمة عن التضامن، فهي أيضاً من الناحية التقنية إجراء طارئ يتخذ لمرة واحدة. لكن محبي الاتحاد الأوروبي يأملون في أن يتحول الأمر بمرور الوقت إلى اتحاد مالي، مما يدعم فرضيتهم حول الاندماج خلال الأزمة.

المشكلة هي أن الجيل التالي من الاتحاد الأوروبي تم شراؤه بسعر سيثبت أنه مرتفع للغاية لدرجة غير مقبولة. وللحصول على اتفاق بشأن الصندوق، كان على الاتحاد الأوروبي أن يتغلب على تهديدات حق النقض من قبل المجر وبولندا، وهما الدولتان "غير المحبوبتان" من قبل بقية الكتلة، حيث اعترضتا أيضاً على البنود المتعلقة بدعم حكم القانون في الاتحاد الأوروبي، والتي يٌتهمان بتقويضها.

كان الحل الأوروبي، كما هو الحال في كثير من الأحيان، هو تخفيف تلك الإجراءات التأديبية. من جهة أخرى وبعيداً عن الشعور بالعقوبة، أصبح "أوربان" أكثر استبداداً وغطرسة. وهذا الأسبوع سحب حزبه " فيدس– الاتحاد المدني المجري" من تجمع يمين الوسط في البرلمان الأوروبي، لاستباق أي مناورات من قبل تلك المجموعة لاستبعاد الوفد المجري.

تهديد وجودي

يشكل تدهور المعايير الديمقراطية في الاتحاد الأوروبي أكبر تهديد داخلي له، حتى أنه يتفوق على الركود. وكما قال لي المؤرخ "تيموثي غارتون آش"، إن هذا التهديد هو تهديد "وجودي". ومع ذلك، فإن ما أكده الاتحاد الأوروبي في عملية التفاوض بشأن الجيل القادم من الاتحاد الأوروبي هو أنه عديم القوة في الدفاع عن معاييره الليبرالية، تماماً كما أنه عديم القوة حول منع الدول الأعضاء من الانجراف بعيداً أو من أن تنفصل عن بعضها البعض.

وهنا أذكر موضوعاً عاماً. خذ السياسة الخارجية على سبيل المثال. الاتحاد الأوروبي الآن في أدنى نقطة في علاقاته مع روسيا منذ الحرب الباردة، ويستعد لجولة جديدة من العقوبات التي تفتقر إلى الأنياب. لكن ألمانيا، على عكس اعتراضات الدول الأعضاء الأخرى والبرلمان الأوروبي، تصر على استكمال بناء خط أنابيب الغاز الاستراتيجي بين ساحل بحر البلطيق وروسيا. وتستمر الأنانية الوطنية في تخريب المصداقية الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي.

لذلك هذا هو الرد على لـ"المتفائلين الأوربيين"، ليس صحيحاً حقاً أن الاتحاد الأوروبي يتقدم خلال الأزمات، لأنه لا يحلها، إنه فقط يدوم أكثر منها.

لقد نجح بالنجاة من أزمة اليورو قبل عقد من الزمن، ولكن دون استكمال الإصلاحات -بما في ذلك اتحاد الأسواق المالية والمصرفية وأسواق رأس المال التي من شأنها أن تمنع الانتكاس. لقد نجح الاتحاد في اجتياز أزمة اللاجئين في 2015-2016، ولكن دون إصلاح ذي مغزى لسياسات الهجرة الأوروبية.

أوروبا التي لا تحمي

منذ بداياته في الخمسينيات من القرن الماضي، كان التكامل الأوروبي دائماً في صميم رؤيته لمعالجة الخلافات الداخلية في القارة، وخاصة العداوات القديمة بين الدول الأعضاء مثل فرنسا وألمانيا. بهذا المعنى -كمشروع سلام- لقد نجح.

لكن على طول الطريق، فشل الاتحاد في تحويل نفسه إلى ما يسميه الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" "أوروبا التي تحمي". فلا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يدافع عن مواطنيه بمصداقية ضد التهديدات الخارجية، لا العسكرية من روسيا، ولا الوبائية التي قد تقفز من أي مكان كأصناف الفيروسات التالية.

وبالنسبة لزعماء أوروبا، فإن هذا يمثل معضلة. إذا قاموا بترتيبات احتياطية -إما بمفردهم أو مع دول ثالثة- للحفاظ على أمن مواطنيهم، فإنهم يخاطرون بتحويل عدم أهمية الاتحاد الأوروبي إلى نبوءة تتحقق من تلقاء نفسها. ومع ذلك سيكونون مهملين في حال عدم امتلاكهم للخطة "ب" عندما تكون الخطة "أ" غير مقنعة للغاية.

ستثير رؤية زيارة "فريدريكسن" وكورتز" لـ"نتنياهو" جدلاً في بروكسل، لكن إذا كنت في مكانهم، فسأذهب أنا أيضاً.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك