تتجه تركيا إلى منعطف جديد في رحلة إنهاء حقبة التيسير الفائق للسياسة النقدية.
يُرجح أن يرفع البنك المركزي التركي أسعار الفائدة الحقيقية وهو المقياس المفضل لدى صناع السياسة النقدية والذي يمثل الفارق بين سعر الفائدة والتضخم، لتتجاوز الصفر، بعد إبقائها في النطاق السالب لأكثر من عامين، عند تعديلها بالأسعار الحالية. بالنظر إلى المستقبل، يُتوقع تباطؤ وتيرة زيادة أسعار الفائدة بعد زيادات بمقدار 7.5 نقطة مئوية بحد أقصى في الشهور الماضية.
بعد اتخاذ 5 خطوات في دورة التشديد النقدي التي بدأت يونيو الماضي، وتجاوز التضخم معدل 60%، لا تزال أسعار الفائدة الحقيقية في تركيا هي الأكثر انخفاضاً في العالم بين 50 اقتصاداً تتبعها "بلومبرغ". لكن مسؤولين، مثل وزير المالية محمد شيمشك، أشاروا إلى أنهم مهتمون في الفترة الحالية بالتركيز على الفارق بين مسار الأسعار المتوقع وليس مستواها الحالي، وهو رأي يشير إلى أن السياسة النقدية أكثر تشدداً بالفعل مما قد يبدو.
هل اقتربت نهاية التشديد النقدي؟
التوقع الجديد الذي كشفه البنك المركزي في الآونة الأخيرة، يعني أنه من شبه المؤكد أن تدفع زيادة هذا الأسبوع أسعار الفائدة لتجاوز 36%، وهي النقطة التي يُتوقع أن تعرقل التضخم عن التسارع العام المقبل. توقع كل المحللين الاقتصاديين الذين استطلعت "بلومبرغ" آراءهم رفع أسعار الفائدة الأساسية لأعلى من 35%، فيما تراوحت تكهناتهم بشأن مقدار الزيادة بين نقطتين و5 نقاط مئوية.
القرار الذي سيُتخذ، اليوم الخميس، ستنتشر آثاره في سوق تبحث بشكل متزايد عن فرصة لجني العائدات الضخمة في تركيا، إذا اجتاز البنك المركزي الأزمة بعد تجديد شامل للسياسات الاقتصادية عقب إعادة انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان في مايو الماضي. كما يتطلع أكبر المستثمرين في العالم، مثل شركة "أموندي" (Amundi SA)، لرفع أسعار الفائدة حتى 40% على الأقل قبل الاستثمار في السندات المحلية.
الإنجاز الرمزي المتمثل في الوصول إلى أسعار فائدة حقيقية، وفق مؤشر واحد على الأقل، يتوقف على دقة التوقعات الرسمية، التي تتسم بتفاؤل أكبر من آراء عديد من المحللين الاقتصاديين واستطلاع التوقعات الذي أجراه البنك المركزي.
مع اقتراب انتخابات البلدية في مارس المقبل، فإن المعلومة المهمة الأخرى للمساهمين هي أن وتيرة رفع أسعار الفائدة في تركيا مهيأة في الفترة الحالية للتراجع، نظراً لأن الظروف المالية قد تُعتبر، قريباً، ضيقة بما يكفي. رفضت محافظة البنك المركزي، حفيظة غاية أركان، التصريح بتوقعاتها لموعد تحول أسعار الفائدة الحقيقية إلى الجانب الموجب.
كتبت هاندي كوجوك، المحللة الاقتصادية لدى "مورغان ستانلي"، في تقرير أنه "يُرجح أن يدفع ذلك البنك المركزي إلى التقدم بخطوات صغيرة لإبقاء الاقتصاد على مسار التعديل التدريجي. سنراقب البيان بحثاً عن أي إشارة لتباطؤ وتيرة التشديد النقدي".
متى يبلغ التضخم ذروته؟
سببت فترة أسعار الفائدة المنخفضة، بشكل غير طبيعي، تشوهات اقتصادية عبر زيادة الطلب المحلي، وإبعاد المستثمرين الأجانب، وخلق اختلالات في الميزان التجاري استنزفت الاحتياطيات الأجنبية، كما تركت أيضاً الليرة في حالة ضعف مزمن بحرمانها من وسيلة للحماية من البيع الكثيف في الأسواق.
منذ تولي أركان المنصب، قبل 6 شهور تقريباً، رفع البنك المركزي أسعار الفائدة الأساسية بأكثر من 4 أضعاف، لكنه لا يزال يتوقع ألا يبلغ تضخم الأسعار أعلى مستوياته إلا في مايو المقبل عند 75%. فيما قالت محافظة البنك المركزي إن "التشديد النقدي سيستمر حتى تحقيق تحسن ملموس في معدل التضخم".
إلى جانب الإجراءات الأخرى لتخفيف اللوائح المصرفية لصالح التدابير الأكثر تقليدية، حسنت الجهود انتقال تأثير أسعار الفائدة إلى الاقتصاد.
لكن رغم ارتفاع متوسط عائدات الودائع بالليرة حتى 3 شهور إلى أعلى مستوياتها خلال عقدين في الفترة الحالية، ورفعها إلى أكثر من 45% في نوفمبر، تباطأ معدل زيادتها، ما دفع "بلومبرغ إيكونوميكس" إلى التراجع عن توقعاتها بتثبيت سعر الفائدة هذا الأسبوع، والتكهن برفعها عوضاً عن ذلك.
[object Promise]مخاطر أخرى
هناك مخاطر أخرى مرتبطة بالتضخم؛ إذ أن ارتفاع استهلاك البنزين، بجانب زيادة مرتقبة للحد الأدنى للأجور في يناير المقبل، يهددان بدفع الأسعار إلى الارتفاع.
يتوقع البنك أن تتسع الفجوة السالبة في الناتج، حيث سيشهد الاقتصاد إنتاجية أقل على المدى الطويل، ابتداءً من الربع الثاني من العام المقبل، وهي النقطة التي يجب أن يبدأ فيها نقص الطلب في كبح جماح التضخم.
يجب أن تركز جهود السياسة النقدية على خفض الطلب المحلي على العملات الأجنبية، بحسب مركز "تيباف" (Tepav) البحثي، الذي يضم مسؤولين سابقين مثل فاتح أوزتاي، نائب محافظ البنك المركزي السابق.
قال المحللون الاقتصاديون لدى "تيباف": "يجب أن يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة إلى 40% ويشير إلى مزيد من التشديد إذا اقتضت المستجدات ذلك".