الحكومات تلجأ إلى المقايضة وخفض العملات وضبط سعر الصرف وطلب مساعدات دولية لدعم ميزانياتها

شح الدولار يدفع الدول الأفريقية إلى أزمة طاحنة

تاجر عملات في أحد الأسواق في لاغوس، نيجيريا - المصدر: بلومبرغ
تاجر عملات في أحد الأسواق في لاغوس، نيجيريا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تتدافع حكومات أفريقيا لجذب مزيد من الدولارات، مما يشكل خطاً فاصلاً جديداً بالنسبة للمستثمرين.

تلجأ الحكومات إلى المقايضة، وخفض قيم العملات، وفرض البنوك المركزية ضوابط على سعر الصرف، والحصول على مساعدات من صندوق النقد الدولي والشرق الأوسط لدعم ميزانياتها العمومية، وذلك وسط تفاقم نقص العملة الأجنبية في القارة.

يقدّر المستثمرون الدول التي تنجح جهودها في تعزيز السيولة الدولارية، فيما يعاقبون أولئك الذين لا يستطيعون تأمين العملة التي يحتاجونها للاستثمار وتحويل العوائد إلى أوطانهم، ويتجنبون الدول التي تفتقر لاحتياطيات كافية لتغطية تكاليف الاستيراد أو سداد الديون.

سجلت العملات الأفريقية أسوأ أداء بين عملات العالم هذا العام، حيث تراجعت قيمة نحو 12 عملة بما لا يقل عن 15% مقابل الدولار الأميركي.

قال بنديكت كرافن، مدير مخاطر الدول لدى وحدة الأبحاث في مجلة "إيكونوميست"، إن "الحيازات الدولارية تشكل جزءاً من الأصول القيمة بالنسبة للدول". متسائلاً: "هل سيتمكن المستثمرون من التداول باستخدام العملات الأجنبية من المصادر الرسمية؟ وهل سيتمكنون من تحويل أرباحهم إلى الخارج؟، والإجابة على هذه الأسئلة فاصلة في تحديد اتجاه الاستثمارات".

تداعيات نقص الدولار

أثّر شح الدولار بشكل كبير على قيم العملات الأفريقية. واضطرت الدول التي أصدرت سندات دولية، مثل مصر ونيجيريا وأنغولا، إلى خفض قيم عملاتها هذا العام. كما أدى تضاؤل تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية إلى تراجع عملات مثل الشلن الكيني والكواشا الزامبية إلى أدنى مستوياتها مقابل الدولار الأميركي.

يشكل هذا الوضع تحدياً كبيراً بالنسبة لكينيا التي تعاني من أقساط كبيرة من الديون المقومة بالدولار، والتي تستحق في العام المقبل، وزامبيا التي تخلفت عن سداد سنداتها الدولية.

كبدت السندات الدولارية التي أصدرتها كينيا المستثمرين خسائر قدرها 2.1% منذ بداية يوليو، عندما بدأت عوائد سندات الخزانة الأميركية الارتفاع مع ترسخ فكرة أن أسعار الفائدة ستبقى "أعلى لفترة أطول". يُقارن هذا بمتوسط خسارة 1.7% للأسواق الناشئة والواعدة في مؤشر بلومبرغ للسندات السيادية الدولارية. كما هوى مؤشر الأسهم القياسي في نيروبي بنسبة 32% في 2023، ليسجل أكبر انخفاض بين 92 سوقاً عالمية تتتبعها "بلومبرغ"، بينما انخفض الشلن بنسبة 19%.

ارتفاع تكلفة الاقتراض

اضطرت حكومات دول مثل زامبيا وموزمبيق ونيجيريا إلى زيادة إصداراتها من السندات المقومة بالعملة المحلية في أسواق فقيرة بسبب صعوبة وصولها إلى التمويل الأجنبي، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض. يذكر أن سندات الديون السيادية الأفريقية أُقصيت عن أسواق رأس المال الدولية منذ إبريل 2022.

تتداول الأسواق السندات المقومة بالنايرا النيجيرية الأطول أجلاً بعائد قياسي قدره 18%، لكن ارتفاع عوائد السندات المحلية لا يجذب المشترين الأجانب الذين يشعرون بالقلق إزاء انخفاض قيمة العملات المحلية وصعوبة تحويل عوائد الاستثمار إلى أوطانهم. ففي زامبيا، مثلاً، انخفضت حيازات الأجانب من الدين المحلي من 29% في نهاية 2021 إلى نحو 22% حالياً، ويرجع ذلك جزئياً إلى عملية إعادة الهيكلة وكذلك مشكلات السيولة.

عادةً ما تلجأ الدول للحصول على حزم إنقاذ من صندوق النقد الدولي، الذي أعلن الأسبوع الماضي أنه سيرفع التمويل المقدم إلى كينيا بمقدار 938 مليون دولار لدعم الاحتياطي النقدي للبلاد، قبل استحقاق سندات دولية بقيمة ملياري دولار في يونيو. أدى ذلك إلى انخفاض العائد على السندات المستحقة في 2024 بنحو 200 نقطة أساس خلال أربعة أيام حتى يوم الجمعة، بالرغم من أنها لا تزال فوق مستوى 14%.

مصر في طريقها لتحقيق أهداف صندوق النقد

قال لارس كراب، مدير محفظة الدخل الثابت لدى شركة "كويلي فرونتير ماركتس" (Coeli Frontier Markets AB)، "هناك تصور عام بأنه عندما تتجاوز عوائد السندات الدولارية لدولة ما 10%، فإن هذه الدولة تصبح عاجزة عن إصدار سندات دولارية جديدة، وهذا بالطبع وضع سلبي بالنسبة إلى بيئة الاستثمار عموماً واستدامة الديون في هذه البلدان، ويجعلها تعتمد بدرجة كبيرة على القروض الميسرة، مثل قروض صندوق النقد الدولي.

على الجانب الآخر، تصبح الدول التي تنخفض احتياجاتها الملحة من النقد الأجنبي أعلى جاذبية للاستثمار.

كذلك، قال ديفيد أوموجومولو، الاقتصادي المختص بأفريقيا لدى شركة "كابيتال إيكونوميكس"، إن "الدول التي لديها أعباء أقل من القروض ومدفوعات السندات المقومة بالدولار، واحتياطيات أجنبية كبيرة، هي الأكثر جاذبية"، موضحاً أن "الدول التي أجرت تعديلات كبيرة على أسعار صرف العملات الأجنبية أصبحت أيضاً أكثر جاذبية".

تُعد مصر واحدة من هذه الدول. فقد كان استراتيجيو بنك "سيتي غروب" آخر من أظهر تفاؤله إزاء الديون المقومة بالدولار الخاصة بالدولة الواقعة في شمال أفريقيا، وسط زيادة مبيعات أصول الدولة، كما يبدو أن الحكومة في طريقها لتحقيق الأهداف التي حددها صندوق النقد الدولي. أفادت صحيفة "البورصة" الشهر الماضي أن البنك المركزي المصري على وشك الحصول على ودائع جديدة بقيمة 5 مليارات دولار من السعودية والإمارات.

مصادر تمويل بديلة

حققت سندات اليورو المصرية (اليوروبوند) للمستثمرين عوائد بنسبة 8.7% في النصف الثاني من هذا العام مقومة بالدولار الأميركي، مقارنة بمتوسط خسارة لنظرائها في الدول النامية على مؤشر "بلومبرغ" للقروض السيادية.

رجح كان نازلي، مدير محفظة في شركة "نوبيرغر بيرمان أسيت مانجمنت" (Neuberger Berman Asset Management)، أن يمنح المستثمرون الأولوية لجهات الإصدار السيادية التي تتمتع بفرصة أفضل للوصول إلى مصادر التمويل البديلة، مثل ساحل العاج والسنغال.

وأوضح أن "ساحل العاج، مثلاً، تمكنت من الاعتماد على صفقات التمويل المختلط من قروض ميسرة وأخرى بأسعار السوق بتكلفة معقولة خلال العام الماضي".

وحصلت الدولة الواقعة في غرب أفريقيا على قرض من صندوق النقد الدولي، بالرغم من أن عملتها، الفرنك الأفريقي، مرتبطة باليورو، مما يجعلها أقل عرضة للاضطرابات.

في الوقت نفسه، تحاول السنغال، نظيرتها الإقليمية، جذب استثمارات إلى مشاريع تمويل المناخ التي تجري بالتعاون بين القطاعين العام والخاص.

كانت الخسائر في سندات اليورو الخاصة بكل من السنغال وساحل العاج أقل حدة من تلك سندات كينيا، وأقل من المتوسط ​​منذ يوليو. وقد تجاوز أداء تلك السندات أقرانها منذ بداية هذا الشهر.

شح الدولار يشعل التضخم

في الوقت نفسه، يضر شح الدولار أيضاً بالمستهلكين والشركات المحلية حيث ترتفع تكاليف الاستيراد، مما يشعل التضخم.

في نيجيريا، تضاعفت أسعار العقاقير التي تستلزم وصفة طبية لحالات مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري ثلاث مرات في العام الماضي. وقالت شركة "أوه كيه زيمبابوي" (OK Zimbabwe)، إحدى شركات التجزئة الكبرى في زيمبابوي، إن حجم المبيعات أصبح الآن أقل من نقطة التعادل بسبب ارتفاع التكاليف وسعر الصرف الذي دفع العملاء إلى القطاع غير الرسمي.

في ملاوي، ارتفع سعر الذرة، وهي غذاء أساسي، إلى أكثر من الضعف خلال العام الماضي.

قال سونو فارغيس، الخبير الاستراتيجي في الأسواق العالمية لدى "كارسون غروب" (Carson Group)، إن "المشكلة تكمن في عدم توافر حلول كثيرة بين يديك إذا لم يكن لديك احتياطيات دولارية كبيرة". وأوضح أن "خطر بقاء هذه الدول على حافة الأزمة لم يتبدد بالنسبة للمستثمرين".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك