أقرّت السعودية في أكتوبر الماضي منهجية جديدة لاحتساب الاستثمار الأجنبي المباشر. وكان أول تأثيراتها إجراء تعديل بالخفض على إجمالي رصيد الاستثمار المباشر بنحو 225 مليار ريال، بينما تضاعفت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للعام الماضي بأكثر من 4 مرات من 8 إلى 33 مليار دولار.
هذه المنهجية الجديدة تطرح العديد من الأسئلة بشأن الأسباب التي دفعت السعودية إلى قرارها، ونتائج هذا القرار، بالإضافة إلى كيفية تأثيرها على البيئة الاستثمارية سواء بالنسبة للمستثمرين الأجانب أو المحليين.
ما أسباب إقرار المنهجية الجديدة؟
يقول وكيل وزارة الاستثمار للشؤون الاقتصادية ودراسات الاستثمار سعد الشهراني في تصريحات لـ"الشرق"، إن المنهجية الجديدة جاءت بحسب توصية دليل ميزان المدفوعات الصادر عن "صندوق النقد الدولي"، باحتساب الاستثمار الأجنبي المباشر السنوي، من خلال استخدام تحليل القوائم المالية.
وأضاف أن وزارة الاستثمار تسعى من خلال هذا المشروع إلى دعم صنّاع السياسات والباحثين والمهتمين، بإحصاءات محدثة وذات شمولية تتعلق بالاستثمار الأجنبي المباشر، بالإضافة إلى دعم أصحاب القرار في وضع السياسات والاستراتيجيات المناسبة.
من جانب آخر، فإن البيانات المحدثة ستساهم في معرفة "مصادر التمويل المتعلقة بالمشاريع سواء من حقوق ملكية الشركات أو القروض والمستحقات، وكذلك المصدر الرئيسي لهذه التمويلات من حيث الشركة الأم المسيطرة"، وهو ما اعتبره الشهراني "مفيداً في تقييم الأثر الاقتصادي للاستثمار الأجنبي المباشر".
ما عوامل احتساب الاستثمار الأجنبي؟
وكيل وزارة الاستثمار اعتبر أن المنهجية الجديدة "أكثر دقة وتغطية، وتستخدم المسوح الربعية للوصول إلى البيانات الربعية، والموائمة بين نتائج البيانات السنوية والربعية".
كما استحدثت المنهجية نحو 20 مؤشراً للاستثمار الأجنبي المباشر، بما في ذلك التدفقات والأرصدة، حسب التصنيف الوطني للأنشطة الاقتصادية، وحسب الدول المستثمرة بالمملكة، والدول المسيطرة، والمناطق الإدارية، والأدوات المالية، والتكتلات الاقتصادية، ونسبة صافي التدفقات السنوية للاستثمار الأجنبي المباشر من الناتج المحلي الإجمالي.
المنهجية الجديدة حملت بعض المتغيرات التي سيتم أخذها بالاعتبار في طريقة احتساب الاستثمار الأجنبي المباشر، على غرار حقوق ملكية الشركات وما تشمله من أرباح أو خسائر وإضافات على رأس المال المدفوع، والتغيرات التي تحدث بها سنوياً، كذلك معاملات القروض والمستحقات المدينة والدائنة بين مؤسسات الاستثمار الأجنبي المباشر والشركات الشقيقة والشركات الأم بالخارج، وكذلك عمليات التصفية وتخارج المساهمين من بعض المؤسسات وتغيير هيكل المساهمين بشكل عام.
كيف أثرت المنهجية على الأرقام؟
هذا يعني أن التقارير الصادرة ستستند إلى أرقام، و"ليس على تقديرات كما كان سابقاً"، وبالتالي "ستختلف الأرقام الجديدة بشكل كبير عن الأرقام القديمة"، وفقاً للشهري الذي تحدث مع "الشرق" قبل إصدار السعودية للأرقام الجديدة.
اقرأ أيضاً: 180 شركة اتخذت السعودية مقراً إقليمياً بارتفاع عن المستهدف
السعودية أعلنت مساء أمس عن الأرقام المحتسبة وفقاً للمنهجية الجديدة، وتضمنت تعديلاً بالخفض بحوالي 225 مليار ريال (نحو 62 مليار دولار) لرصيد الاستثمار المباشر، الذي بلغ 775 مليار ريال (207 مليارات دولار) في عام 2022، مقابل نحو تريليون ريال في التقديرات السابقة للمنهجية الجديدة.
أما تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للعام 2022 تحديداً، فشهدت تعديلاً بالرفع بموجب المنهجية الجديدة، إلى نحو 122 مليار ريال (33 مليار دولار)، وهو ضعف تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2015، ويمثل تصحيحاً للتقديرات السابقة البالغة 30 مليار ريال (8 مليارات دولار).
ما أهداف الاستراتيجية وفوائدها؟
الشهراني اعتبر أن المنهجية الجديدة مجرد جزء من مبادرات تطوير الاستثمار وتأتي في إطار برامج "رؤية السعودية 2030 الاستراتيجية الوطنية للاستثمار" (NIS) التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على النفط.
اقرأ أيضاً: السعودية تطلق تأشيرة "مستثمر زائر" لرجال الأعمال حول العالم
هذه الاستراتيجية التي تم إطلاقها نهاية العام 2021، تهدف إلى جذب وتحقيق استثمارات تراكمية تصل إلى 12.4 تريليون ريال بحلول العام 2030.
وترتكز الاستراتيجية بشكل رئيس على استثمارات القطاع الخاص المحلية والأجنبية، لتصل مساهمة إجمالي الاستثمارات في الناتج المحلي الإجمالي إلى 30% بحلول العام 2030، من 26% حالياً، وزيادة مساهمة الاستثمار الأجنبي المباشر في الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 5.7%، ورفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، من 40% إلى 65% بحلول عام 2030.
كما تستهدف الاستراتيجية تعزيز استثمارات القطاعات النوعية والواعدة، على غرار الطاقة الخضراء، والاتصالات والتقنية، والرعاية الصحية، والتقنيات الحيوية، والقطاع الصناعي.
كيف تدعم المستثمر السعودي والأجنبي؟
يشدّد المسؤول السعودي على أن المنهجية الجديدة من شأنها المساهمة في دعم المستثمر الأجنبي والمحلي على حد سواء، معتبراً أن الوصول إلى بيانات عالية الدقة "يُعدّ أمراً بالغ الأهمية لمراقبة وتحسين أداء الاقتصاد المحلي، ومتابعة أداء الاستثمار".
ومن شأن المنهجية الجديدة أن تساهم في دعم "تحديد الأولويات الاستثمارية، ومتابعة أداء القطاعات الاقتصادية وتوزيعها على المناطق المختلفة داخل المملكة، بالإضافة إلى استراتيجيات جذب الاستثمارات من الدول المستثمرة في المملكة".
البيانات المحدثة تؤثر بشكل واضح على صناع السياسة والمستثمرين الأجانب، ولكن أثرها يمكن أن يمتد إلى المستثمر المحلي، من خلال الشراكات التي تقوم بها مؤسسات الاستثمار الأجنبي المباشر داخل السوق السعودي.
واعتبر الشهراني أن هذه الشراكات "مهمة جداً من حيث تعزيز سلاسل الإمداد ونقل الخبرات والتكنولوجيا وزيادة معدلات التشغيل المباشر وغير المباشر في الاقتصاد، مما يدعم تنافسية الاستثمار وتحسين البيئة الاستثمارية"