لم يسبق أن تقدّمت شركات الطيران بطلبيات شراء ضخمة كما فعلت خلال العام الجاري، حيث حطمت رقماً قياسياً تلو الآخر.
الخطوط الهندية وحدها، طلبت ما يقرب من ألف طائرة، فيما عمّت الصفقات الضخمة القطاع ككل، بدءاً من خطوط الطيران الأيرلندية منخفضة التكلفة "رايان إير هولندينغز" (Ryanair Holdings) وصولاً إلى "طيران الرياض"، الوافد الجديد إلى القطاع، إضافة إلى مجموعة من الشركات الكبرى الأخرى مثل "يونايتد إيرلاينز هولدينغز" (United Airlines Holdings). وقد تسابق المشترون من جميع أنحاء العالم للحصول على أكبر عدد ممكن من الطائرات المتاحة قبل نفاد مواعيد التسليم.
هناك صفقات كثيرة أخرى على الطريق. ففي الأسبوع المقبل، ستنطلق فعاليات "معرض دبي للطيران" الذي يعِدُ بأن ينتهي العام بموجة من الطلبيات على طائرات "إيرباص" و"بوينغ"، الصفقات تبشر بكسر الرقم القياسي في 2023 مع استقبال شركتي "إيرباص" و"بوينغ" مجموعة كبيرة من الطلبيات. الشركتان اللتان تحتكران سوق صناعة الطائرات حققتا بالفعل أعلى مستوى طلبيات منذ عام 2014 مع اقتراب المعرض الذي يقام كل عامين، والذي شهد فيما مضى توقيع عدد من أكبر صفقات الطيران.
صفقات كبرى في سماء شركات الطيران
يُرجح أن تأتي أكبر صفقة من الناقلة المحلية، "طيران الإمارات"، حيث قال رئيس الشركة تيم كلارك إنه يدرس شراء مزيد من الطائرات عريضة البدن (ذات الممرين). وفي شهر يونيو الماضي، أشار كلارك إلى أنه سيطلب ما يتراوح بين 100 و150 طائرة، وأنه ينظر في الطرز الأكبر حجماً لدى "إيرباص" و"بوينغ".
شركة "طيران الرياض" بدورها قد تنضم أيضاً إلى سلسلة الصفقات الكبرى، حيث تبني شركة الطيران السعودية الجديدة أسطولها من الصفر. وتضع الشركة، التي يديرها توني دوغلاس، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "الاتحاد للطيران"، اللمسات النهائية على ما وصفته بـ"طلبية كبرى"، والتي ستشمل طائرات ضيقة البدن (ذات ممر واحد)، بعدما أبرمت صفقة لشراء طائرات "787 دريملاينر" من "بوينغ" لاستخدامها في مساراتها الطويلة.
يُرجّح أن تطلب "طيران الرياض" شراء طائرات بوينغ "737 ماكس"، وفقاً لأشخاص على دراية بالأمر طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لأن المحادثات لا تزال جارية ولم تنته بعد. ورفض دوغلاس في مقابلة أجريت معه هذا الأسبوع تحديد هوية الشركة الفائزة بالطلبية الجديدة.
تستكشف شركات طيران أخرى من المنطقة أيضاً السوق بهدف شراء طائرات جديدة. قالت "الخطوط الجوية التركية" إنها تريد مضاعفة أسطولها تقريباً إلى 800 طائرة في غضون عقد من الآن. كما انتقلت "الاتحاد للطيران" مؤخراً إلى مبنى جديد أكبر حجماً في مطار أبوظبي، على بعد ساعة بالسيارة شمال دبي، مما يوضح استعداد الشركة لتوسيع أعمالها بعد سنوات من تقلص نشاطها.
عودة النشاط بعد الوباء
يتناقض النشاط الكبير المتوقع في "معرض دبي للطيران" مع الخطوات الحذرة التي اتخذها القطاع قبل عامين بعد الخروج من قيود الوباء. الآن تنقلب الأوضاع بقوة في الاتجاه المعاكس، حيث تتسابق شركات خطوط الطيران لتأمين صفقات الطائرات الجديدة وسط محدودية مواعيد التسليم المتاحة وتراكم الطلبيات إلى ما بعد عام 2030. ويحذر بعض الخبراء المخضرمين في القطاع من إمكانية وجود مبالغة في عمليات الشراء.
خلال الشهر الجاري، وصف ستيفن أودفار هازي، رئيس مجلس إدارة شركة "إير ليز" (Air Lease) الأمر بقوله: "شهية شركات الطيران أكبر من سعتها الفعلية. وبعض من هذه الطلبيات الضخمة ستُلغى أو تتبخر".
على غرار معرضي باريس وفارنبره للطيران في أوروبا، فإن "معرض دبي للطيران" يمثل مؤشراً مهماً على مدى قوة القطاع، كما يتم قياس هذه القوة من خلال شهية الشركات على الصفقات.
أسفر معرض باريس الذي أقيم في يونيو الماضي عن بيع نحو 1300 طائرة، ويأمل منظمو "معرض دبي للطيران" في تكرار هذا النجاح.
تداعيات حرب غزة
مع ذلك، تتوخى بعض شركات الطيران الحذر من تباطؤ النمو وانخفاض أسعار التذاكر، حيث يؤثر التضخم وحالة عدم اليقين الاقتصادي على معنويات المستهلكين. وفي منطقة الشرق الأوسط، عرقلت الصعوبات الجيوسياسية التي أعقبت الحرب بين إسرائيل و"حماس" بالفعل، الطلب على الرحلات الجوية إلى المنطقة.
قال مايكل أوليري، الرئيس التنفيذي لشركة "رايان إير"، هذا الأسبوع: "هناك انخفاض شديد في الطلب على الرحلات الجوية" إلى الأردن، مضيفاً أن الحجوزات إلى إسرائيل انهارت منذ بداية الصراع، مثلما حدث في السفر إلى وسط وشرق أوروبا لفترة وجيزة عندما غزت روسيا أوكرانيا.
توسع شركات الطيران الهندية
تواجه شركات الطيران في الشرق الأوسط أيضاً منافسة متزايدة. تحاول الخطوط الجوية الهندية (Air India)، المملوكة الآن لمجموعة "تاتا غروب" (Tata Group)، جذب العملاء مجدداً من خلال رحلاتها المتواصلة إلى الولايات المتحدة وأوروبا، وهو مسار جوي يشمل غالباً فترات ترانزيت في مدن كبرى مثل دبي أو الدوحة أو أبوظبي.
في سياق متصل، تتفاوض أيضاً شركة "إنديغو" (IndiGo)، وهي أكبر شركة خطوط طيران في الهند، على شراء طائرات عريضة البدن للتوسع في خدمات رحلاتها الطويلة. ومن المحتمل إعلانها عن صفقة لشراء حوالي 20 طائرة "بوينغ" من طراز "787" في معرض دبي، وفقاً لأشخاص على دراية بالأمر. كما سجلت شركة الطيران أرقاماً قياسية بطلبيتها لشراء 500 طائرة "إيرباص" أحادية الممر في معرض باريس الجوي.
رفضت "إنديغو" الإدلاء بتعليق، فيما قالت "إيرباص" و"بوينغ" إنهما لن تناقشا اتفاقيات العملاء قبل الكشف عنها رسمياً.
"الإمارات" مصرّة على التوسع
على الرغم من ذلك، من المستبعد أن يتراجع كلارك (رئيس "طيران الإمارات") عن خططه بسبب أي إشارات تحذيرية، حيث كان كلارك رئيس شركة الطيران الوحيد الذي تمكن من تحقيق نجاح مع طائرات "إيرباص إيه 380"، بينما أوقفت معظم شركات الطيران الأخرى أساطيلها العملاقة منها، أو شغلت الطائرة ذات الطابقين بأعداد صغيرة فقط. وعلى النقيض من ذلك، تحتفظ "طيران الإمارات" بأكثر من 100 طائرة عملاقة من هذا الطراز ضمن أسطولها.
قد يكون "معرض دبي للطيران" في دورته للعام الجاري، هو الأخير لكلارك الذي سيبلغ 74 ربيعاً هذا الشهر. لقد أعلن عن خططه للتقاعد في عام 2019، لكنه تراجع عن هذه الخطوة بعدما أدى الوباء إلى تدمير قطاع السفر الجوي. ومن المرجح أن يظل في منصبه حتى منتصف العام المقبل على الأقل، عندما يستضيف الاجتماع العام السنوي للاتحاد الدولي للنقل الجوي، وهو أكبر تجمع للمديرين التنفيذيين في قطاع الطيران.
خلال الشهر الماضي، أعلن أكبر الباكر أيضاً عن استقالته بعد 25 عاماً من توليه رئاسة "الخطوط الجوية القطرية"، والتي حرص فيها على حضور معرض دبي، وحوّل "الخطوط الجوية القطرية" إلى واحدة من شركات الطيران الرائدة حول العالم. وسيخلفه في المنصب بدر محمد المير، الرئيس التنفيذي للعمليات في مطار حمد الدولي بالدوحة.