بينما كان البنك المركزي الروسي يستعد لرفع أسعار الفائدة الأسبوع الماضي، حذر مسؤول تنفيذي في أحد أكبر البنوك الحكومية من أن صناع السياسات يواجهون معركةً لا تقل أهميةً عن معركة "واترلو"، وهي المعركة مع التضخم والتي ستكون نتائجها بالغة الأهمية بالنسبة للمؤسسات المالية والأسواق في البلاد.
جاء الرفع الأخير لمعدلات الفائدة ضعف ما كان يتوقعه معظم الاقتصاديين، وهو القرار الذي جعل روسيا تسجل واحداً من أعلى معدلات الفائدة عند تعديلها مع نسبة التضخم.
أدى ذلك إلى تحول في تفكير المسؤولين بشأن مخاطر ارتفاع الأسعار، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، في الوقت الذي تزيد فيه الانتخابات الرئاسية المقبلة من التزامات الإنفاق المتضخمة بالفعل بسبب حرب روسيا في أوكرانيا.
بعد أن تم رفع مستويات الفائدة 4 مرات ليصل إلى 15%، بما في ذلك قرار طارئ صدر في أغسطس، يمكن لبنك روسيا أن يختتم العام بزيادة تصل إلى نقطة مئوية الشهر المقبل إذا لم تهدأ المخاطر التضخمية، حسبما قال الأشخاص الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، بسبب أن المداولات ليست علنية.
عودة هبوط الروبل أمام الدولار تُفاقم الضغوط على بنك روسيا
ضوء أخضر للاستمرار برفع الفائدة
بالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين، تعني الأولويات الناشئة أن البنك المركزي أصبح يمتلك الحرية المطلقة في رفع أسعار الفائدة التي من المرجح أن تؤثر سلباً على الشركات والأسر.
في حين يهدد القرار بإلحاق الركود بالاقتصاد، إلا أنه ثمن ميزانية الحرب المصممة لمهمة ضمان النصر، على حد تعبير وزير المالية أنطون سيلوانوف. من المقرر أن يكون المبلغ المخصص للجيش أكبر من أي بند آخر في العام المقبل، وهو إسراف أبقى الروبل تحت الضغط ودفعه لفترة وجيزة إلى ما دون العتبة الرمزية البالغة 100 دولار.
الأوروبيون يدرسون عقوبات جديدة تطال 5.3 مليار دولار من تجارة روسيا
لتوضيح المخاطر التي واجهها البنك المركزي بسبب رفع أسعار الفائدة في أكتوبر، استشهد نائب رئيس بنك "في تي بي" (VTB) ديمتري بيانوف، وهو ثاني أكبر بنك في روسيا، بالمعركة الشهيرة التي أدت إلى هزيمة نابليون.
نقلت صحيفة "آر بي سي" الروسية عنه قوله: "تماماً مثلما حدد اتفاق واترلو مصير أوروبا، فإن هذا الاجتماع سيحدد إلى حد كبير مصير الأسواق المالية والمصرفية في بقية عام 2023، وقبل كل شيء، في عام 2024".
المركزي مصمم على مكافحة التضخم
عندما سُئلت المحافظة إلفيرا نابيولينا عن الأمر بعد قرار الفائدة، ابتسمت وقالت إن الاستعارات المختلفة يمكن أن تنطبق على المواجهة التي تضع البنك المركزي أمام خصمه "التضخم". أضافت: "نحن مصممون حقاً على مكافحة التضخم المرتفع".
يحتفظ بنك روسيا بدور أكبر لنفسه بعد تعرضه لضغوط بهدف تبني نهجٍ أكثر تشاؤماً لفترة طويلة هذا العام، فيما اضطر لاحقاً إلى الجلوس في المقعد الخلفي في بعض قرارات الحكومة مثل إعادة فرض بعض ضوابط رأس المال.
حتى مع الزيادة التي حصلت بالفعل في الإنفاق في عام 2023، تتوقع مسودة الميزانية الصادرة عن وزارة المالية أن ينمو الإنفاق بمقدار الربع العام المقبل ليصل إلى 36.6 تريليون روبل (393 مليار دولار).
روسيا تعاود فرض بعض ضوابط رأس المال لوقف نزيف الروبل
لكن مع استقرار الروبل بعد ارتفاعه في أكتوبر، عاد الاهتمام مرة أخرى إلى التضخم الذي يشكل مصدر قلق كبير للروس. تتعرض أسعار المستهلك لضغوط متزايدة بسبب النقص القياسي في العمالة والإنفاق الحكومي الكبير.
مقارنةً بالمعدلات الموسمية، بلغ متوسط نمو الأسعار 12.1% سنوياً في الربع الثالث، وفقاً لتقديرات البنك المركزي، أي أكثر من الضعف عن الأشهر الثلاثة السابقة. كما تجاوز 6% على أساس سنوي ليصل إلى أسرع معدل منذ فبراير.
خلل في التنسيق
قال الأشخاص المطلعون إن نفقات الحرب والانتخابات الوشيكة الباهظة تعيق طريق التنسيق بين وزارة المالية وبنك روسيا. أضافوا أن انقطاع الاتصال يعني أن البنك المركزي يتلقى ما يرقى إلى مستوى شيك على بياض للحفاظ على السياسة النقدية المتشددة خلال الأشهر الستة المقبلة.
قال أوليغ فيوجين، المسؤول الكبير السابق في البنك المركزي ووزارة المالية: "تدعم السلطات الآن البنك المركزي ضمنياً لأن الجميع يدرك أن ارتفاع التضخم سيعني زعزعة الاستقرار السياسي".
روسيا ترفع أسعار الفائدة إلى 15% مع تزايد ضغوط التضخم
إلى جانب قرار سعر الفائدة الأخير، أصدر البنك المركزي أيضاً توقعات محدثة أظهرت أن التضخم سيكون أسرع من المتوقع لينتهي هذا العام في نطاق 7% -7.5%، واقترح لأول مرة أن نمو الأسعار قد يتجاوز المستوى المستهدف عند 4% خلال العام المقبل.
بالنتيجة، أدت هذه القرارات إلى رفع تكاليف الاقتراض إلى أعلى مستوياتها منذ أبريل 2022، مما يهدد بدفع الاقتصاد إلى الركود. يتوقع البنك المركزي أن يتراوح متوسط سعر الفائدة الرئيسي بين 12.5% و14.5% العام المقبل.
"البنك المركزي الروسي ملتزم بشدة بقواعد اللعب التي اتبعها البنك المركزي الألماني في السبعينيات، وهي فكرة مفادها أن السياسة النقدية التقليدية المحافظة ستساعد في حماية عملتها والتضخم من صدمات أسعار السلع الأساسية والعقوبات. مع وصول سعر الفائدة إلى 15%، سنشهد انكماشاً في نمو الائتمان في النصف الأول من عام 2024، ما قد يضع روسيا في ركود. لا يزال بنك روسيا يواجه الاختيار بين هزيمة الروبل والركود، وسيختار الركود. - ألكسندر إيساكوف، اقتصادي روسي.
رأي "بلومبرغ إيكونوميكس"
حماية القطاعات المعتمدة على الميزانية
قالت نابيولينا: "مع تساوي جميع العوامل الأخرى، نحتاج إلى سعر رئيسي أعلى لضمان استقرار الأسعار"، مشيرة إلى حافز مالي أكبر مما توقعه البنك المركزي.
قد يكون هذا النهج قاسياً بشكل مفرط، خاصة وأن تأثير الزيادات السابقة في أسعار الفائدة لم يتجسد بعد بالكامل، وفقاً لأولجا بيلينكايا، الخبيرة الاقتصادية لدى "فينام" (Finam) في موسكو.
قالت بيلينكايا إن الأمر يشكل أيضاً تهديداً لقطاعات واسعة من السوق المالية مثل الرهون العقارية غير المدعومة وكذلك إقراض المستهلكين والشركات. وتشكل الديون ذات الفائدة المعومة أكثر من 40% من الائتمان الاستهلاكي، مما يجعلها معرضة للخطر بشكل خاص.
أضافت بيلينكايا: "قد تتفاقم الاختلالات، وفيما ستتم حماية القطاعات التي تعتمد على الميزانية، إلا أن شروط التمويل ستتشدد بشكل حاد بالنسبة للصناعات التي تعتمد على إقراض السوق".