لم يتبق سوى الأسواق المحلية للحكومات الأفريقية الساعية للحصول على التمويل، في ظل صعوبة اقتراضها من أسواق الديون العالمية بسبب الأزمات التي جعلت الحصول على الأموال من الخارج باهظ التكلفة.
أصبحت أسواق السندات الدولية أكثر تشدداً، إذ يواجه المستثمرون الصدمات الناجمة عن وباء كوفيد-19، والغزو الروسي لأوكرانيا، وارتفاع التضخم العالمي، والزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة بقيادة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، بحسب التقرير السنوي للديون الأفريقية السنوي الصادر عن وكالة "إس أند بي غلوبال ريتينغز" والذي نُشر أمس الأربعاء.
قفز العائد الإضافي الذي يطلبه المستثمرون نظير شراء السندات السيادية المقومة بالدولار والتي تصدرها الحكومات الأفريقية مقارنة بسندات الخزانة الأميركية بمقدار 400 نقطة أساس منذ يناير 2020 ليصل إلى 852 نقطة أساس، حسب بيانات "جيه بي مورغان".
قال محللون لدى "ستاندرد آند بورز"، بينهم جوليا فيلوكا وفرانك جيل، في التقرير: "هذا (ارتفاع علاوة المخاطر) أجبر غالبية الجهات المصدرة للديون السيادية الأفريقية على الابتعاد عن التمويل الخارجي والسعي إلى الاقتراض من السوق المحلية، بدرجات متفاوتة من النجاح".
أدى الطلب المتزايد على الديون المحلية، إلى ارتفاع تكاليف إعادة تمويل القروض المحلية في مختلف أنحاء القارة، إذ تسعى الحكومات للحصول على الأموال المحدودة بسبب عدم عمق الأسواق المالية المحلية. وتُقدِّم بعض الدول المقترضة مثل مصر وإثيوبيا ونيجيريا، عوائد حقيقية سلبية إذ تقل أسعار الفائدة الاسمية عن معدل التضخم.
أسعار الفائدة السلبية
"بمرور الوقت، ستظل المدخرات المحلية المحدودة في معظم الاقتصادات الأفريقية -والتي تعكس في النهاية انخفاض مستويات التنمية- تتسبب في صعوبات، إذ يتزايد العائد على الأصول الخالية من المخاطر بسرعة في أرجاء العالم بسبب التشديد الكمّي في الاقتصادات المتقدمة"، حسبما قال المحللون.
ومن غير المرجح أن تُزال هذه المتاعب قريباً، إذ من المتوقع أن تبقي البنوك المركزية أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول للحد من ضغوط الأسعار.
كما أن الحكومات الأفريقية لديها مجال محدود لاقتراض المزيد من الديون، إذ ارتفع متوسط الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي للدول الـ23 التي شملتها العينة في التقرير إلى 62% في 2023 من 48% في 2017. وخلال اجتماعات الشهر الماضي في مراكش بالمغرب، قال صندوق النقد الدولي إن ثماني دول في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا سوف تحتاج إلى إعادة هيكلة الديون.
قال محللون لدى "ستاندرد آند بورز غلوبال": "إن السبيل للمضي قدماً من المرجح أن يستلزم نشاطاً شبه مالي أكثر خطورة، أو إعادة هيكلة الديون بالعملة المحلية". أضاف المحللون أن الوضع "سيكون له آثار أوسع نطاقاً على الاستقرار الاجتماعي على المدى المتوسط، والنمو الاقتصادي، والتنمية، التي تضررت بالفعل بشدة من صدمات خارجية متلاحقة في الآونة الأخيرة".
استنتاجات إضافية من التقرير:
- تواجه مصر وزامبيا وموزمبيق وغانا-التي هي الآن في منتصف عملية إعادة هيكلة الديون- ظروف التمويل المحلية الأكثر صعوبة في القارة.
- بوتسوانا وموريشيوس والمغرب وجنوب أفريقيا لديها أدنى مستويات خطر التعرض للديون.
- أدت تقلبات أسعار الصرف وديناميكيات التضخم إلى تقصير متوسط آجال استحقاق الديون في مصر وغانا وكينيا وأوغندا، حيث يلجأ حاملو السندات إلى أدوات الدين الأقصر أجلاً تحسباً لارتفاع أسعار الفائدة وتقلبات العملة في المستقبل.
- "هذا الوضع يزيد من إجمالي احتياجات الاقتراض السنوية وسرعة تأثر الميزانية بأسعار الفائدة المرتفعة في السوق"، وفق التقرير.
- لدى مصر وكينيا وزامبيا تكلفة ديون مرتفعة للغاية، حيث تُمثل إجمالي تكلفة الفوائد-المحلية والخارجية على حد سواء- على نحو 30% من إجمالى حصيلة الضرائب، وهي من بين أعلى المعدلات بين الدول التي تصنفها وكالة "إس آند بي" عالمياً.
- يتراوح إجمالي أصول القطاع المالي من 25% فقط من الناتج المحلي الإجمالي بجمهورية الكونغو الديمقراطية، إلى 361% في موريشيوس.