كشفت البيانات الصادرة اليوم الجمعة أن الطفرة الضريبية الناجمة عن التضخم، تمهد لانخفاض اقتراض الحكومة البريطانية بكثير عن التوقعات الرسمية هذا العام. إذ بلغ عجز الميزانية في الأشهر الستة الأولى من السنة المالية 81.7 مليار جنيه إسترليني (99 مليار دولار)- مرتفعاً بـ15.3 مليار جنيه إسترليني على أساس سنوي، ولكن أقل من توقعات مكتب مسؤولية الميزانية في مارس والبالغة 19.8 مليار جنيه إسترليني.
قال مكتب الإحصاءات الوطنية إن عجز الميزانية في سبتمبر وحده بلغ 14.3 مليار جنيه إسترليني، أي أقل من متوسط التقديرات في المسح الذي أجرته "بلومبرغ" والبالغ 18.3 مليار جنيه إسترليني. يوفر انخفاض الاقتراض في منتصف السنة المالية 2023-2024، دفعة لوزير الخزانة جيريمي هَنت بينما يستعد لإلقاء بيانه الاقتصادي للخريف في 22 نوفمبر.
يعكس انخفاض الاقتراض المفاجئ إلى حد كبير قوة عائدات ضريبة الدخل والقيمة المضافة، إذ يعمل التضخم المرتفع على تعزيز الأجور وأرباح الشركات. توقع معهد الدراسات المالية في "الموازنة الخضراء" (التي تدعم الأهداف البيئية والمناخية) هذا الأسبوع، أن يصل العجز إلى 112 مليار جنيه إسترليني في السنة المالية 2023-2024، أو 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي، بدلاً من توقعات مكتب مسؤولية الميزانية البالغة 131.6 مليار جنيه إسترليني.
لكن من المؤكد أن المحافظين الذين يأملون إقرار تخفيضات ضريبية كبيرة لزيادة شعبية الحزب الحاكم قبل الانتخابات العامة المتوقعة العام المقبل سيشعرون بخيبة أمل، حيث أوضح هَنت أنه ليس لديه مجال للمناورة كون أسعار الفائدة المرتفعة ترفع تكاليف خدمة الديون.
وضع غير مستدام
بلغ صافي ديون القطاع العام حوالي 2.6 تريليون جنيه إسترليني في نهاية سبتمبر، أي حوالي 97.8% من الناتج المحلي الإجمالي، ووصفه مكتب الإحصاءات الوطنية بأعلى مستوى منذ أوائل الستينيات.
ورداً على بيانات المالية العامة اليوم، قال هَنت: "من الواضح أن هذا الوضع غير مستدام، نحن بحاجة إلى خفض الديون وتقليل هدر (موارد) القطاع العام". وفي حديثه للصحفيين في مراكش قبل أسبوع، قال إنه يتعين عليه اتخاذ "قرارات صعبة" بعد تدهور الوضع المالي منذ الربيع.
قال وزير الخزانة إن ارتفاع أسعار الفائدة فوق توقعات مكتب مسؤولية الميزانية في مارس، أضاف ما بين 20 مليار جنيه إسترليني و30 مليار جنيه إسترليني إلى التكلفة السنوية لخدمة الدين الوطني، مما يجعل من الصعب عليه تحقيق الهدف الذي وضعه بخفض الدين كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في خمس سنوات.
في مارس، قُدر أن لدى وزارة الخزانة هامشاً قدره 6.5 مليار جنيه استرليني فقط مقابل المستهدف، وهو الأصغر منذ إنشاء مكتب مسؤولية الميزانية لمراقبة المالية العامة في 2010.
إذا خفض مكتب مسؤولية الميزانية توقعاته المتفائلة نسبياً للنمو في الشهر المقبل، كما يتوقع العديد من الاقتصاديين، فقد يجد هَنت نفسه مضطراً إلى تمديد الضغط على الإنفاق الحكومي من أجل سد فجوة تقدر بمليارات الجنيهات في المالية العامة.
واصل ارتفاع الأسعار توفير مكاسب غير متوقعة للحكومة. قال مكتب الإحصاءات الوطنية إن إيرادات ضرائب الحكومة المركزية في سبتمبر بلغت 57.4 مليار جنيه إسترليني، بزيادة 3.7 مليار جنيه إسترليني عن العام الماضي، إذ حققت ضرائب الدخل وضريبة القيمة المضافة وحدها 3.3 مليار جنيه إسترليني إضافية.
إيرادات أعلى من التوقعات الرسمية
جاء إجمالي الإيرادات الحكومية في الفترة الماضية من السنة المالية 2023-2024 أعلى بنسبة 5.6% على أساس سنوي، وبزيادة 3.3% عن توقعات مكتب مسؤولية الميزانية- أي أعلى من التوقعات الرسمية بمقدار 15 مليار جنيه إسترليني. وعلى مدى الأشهر الستة، صعدت الإيرادات من ضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة وضريبة الشركات بمقدار 28.7 مليار جنيه إسترليني على أساس سنوي.
هذا الوضع يعوّض الضغوط على الإنفاق الحكومي الناجم عن تكاليف الديون ومساعدات الرعاية الاجتماعية وأجور القطاع العام، وكلها عوامل مدفوعة بالتضخم.
ارتفع الإنفاق 10.8% على أساس سنوي خلال الأشهر الستة، ولكنه يتماشى تقريباً مع توقعات مكتب مسؤولية الميزانية. تم تعديل العجز بالخفض خلال الفترة من أبريل إلى أغسطس، بمقدار 2.3 مليار جنيه استرليني. تلقى موقف الحكومة الشهر الماضي مساعدة من التحسن في تكلفة خدمة الدين الوطني نتيجة لانخفاض مؤشر تضخم أسعار التجزئة 0.6% بين شهري أغسطس وسبتمبر.
أدى هذا إلى تراجع قيمة العوائد الفعلية للسندات البريطانية المرتبطة بالمؤشر بقيمة 3.2 مليار جنيه إسترليني، وبالتالي هبوط تكلفة فوائد الديون لشهر سبتمبر إلى 700 مليون جنيه إسترليني فقط، أي دون توقعات مكتب مسؤولية الميزانية البالغة 4.1 مليار جنيه إسترليني، وثالث أدنى مدفوعات فوائد شهرية للديون منذ عام 1997. خلال الشهور الستة، انخفضت فوائد الديون 24% على أساس سنوي لتصل إلى 44 مليار جنيه إسترليني.
جاءت الزيادات الكبيرة في الإنفاق هذا العام المالي على الإعانات التي ارتفعت 12.3%، وتكاليف موظفي القطاع العام التي صعدت 12.9%. وفيما يتعلق بالمبالغ النقدية، أضاف هذان العاملان وحدهما 27 مليار جنيه إسترليني إلى الإنفاق في العام حتى سبتمبر.