تسببت الزيادة الكبيرة بإصدار الديون السيادية في الصين إلى تفاقم الضغوط الملقاة على عاتق بنك الشعب الصيني (المصرف المركزي في البلاد) أثناء محاولته إبقاء شروط التمويل ميسرة، حيث تركز السلطات على تقديم حوافز مالية قوية بهدف دعم النمو الاقتصادي.
أظهرت بيانات جمعتها "بلومبرغ" أن وزارة المالية باعت ما قيمته 1.2 تريليون يوان (164 مليار دولار) من سندات الحكومة المركزية في سبتمبر الماضي فقط، وهو أعلى معدل شهري منذ بداية 2023 وأكبر بـ60% من متوسط الفترة نفسها خلال السنوات الثلاث الماضية. كما ارتفع معدل إصدار السندات الأسبوع الماضي بعدما عززت الصين عوائد السندات من كل الآجال، وأضافت سندات جديدة لأجل خمس سنوات في العطاءات.
جاءت طفرة مبيعات السندات عقب تعهد وزير المالية الصيني بتسريع الإنفاق لتعزيز التعافي الاقتصادي المتعثر، خاصة بعدما ظلت الصادرات ضعيفة، وتفاقم تراجع قطاع الإسكان.
ساهمت زيادة عطاءات السندات في دفع عوائد السندات الحكومية المعيارية إلى أعلى مستوى في أربعة أشهر، كما تسلط الضوء على التوازن الصعب الذي يسعى إليه المركزي، حيث يحاول تعزيز النمو مع الحفاظ على تكاليف الاقتراض عند مستويات منخفضة في الوقت نفسه.
ديون الصين تتزايد بسرعة
قال مينغ مينغ، كبير الاقتصاديين في شركة "سيتيك سيكيوريتيز" (Citic Securities) إن "الزيادة السريعة في صافي الديون التي تقترضها الحكومة الصينية تهدف على الأرجح إلى تسريع الإنفاق المالي لدعم الاقتصاد" بعدما تأخرت في الاقتراض والإنفاق -على حد سواء- خلال وقت سابق من 2023.
وأضاف: "ربما تظهر فجوة تمويلية بين المصارف الصينية في أكتوبر، التي قد تدفع بدورها البنك المركزي إلى زيادة دعم السيولة إذا ما اقتضت الحاجة لذلك".
الصين تدعم اليوان بأكبر مبيعات سنوية من السندات السيادية في الخارج
كما كثفت الحكومات المحلية مبيعات الديون لتمويل الاستثمار في البنية التحتية. وتلك التحركات -إلى جانب العلامات المبكرة على استقرار الاقتصاد وانخفاض قيمة اليوان- تسببت في تباطؤ الطلب لدى ثاني أكبر سوق للسندات في العالم.
قفز العائد على السندات السيادية لأجل 10 سنوات إلى أعلى مستوى منذ مايو هذا الأسبوع، وأصبح في طريقه لتحقيق أكبر صعود على أساس شهري منذ نوفمبر 2022.
كما وصلت أسعار الفائدة على شهادات الإيداع القابلة للتداول لأجل عام، وهي أداة دين مصرفية قصيرة الأجل تحظى برواج ملحوظ، إلى أعلى مستوى لها في خمسة أشهر خلال الأسبوع الجاري، وهو ما يشير إلى تفاقم ضغوط السيولة بسوق المال.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري؛ خفض بنك الشعب الصيني حجم الاحتياطات المالية الإلزامية التي يتعين على البنوك الاحتفاظ بها، وذلك للمرة الثانية منذ بداية 2023. كما ضخ سيولة صافية من خلال عملياته في سوق المال هذا الأسبوع.
خفض التوقعات الإيجابية
قد تشتد الضغوط على الحكومة المركزية الصينية حتى تقترض مزيداً من الديون خلال الربع الأخير من 2023، في ظل تركيز سياسات البلاد على تحقيق النمو وتوفير عدد أكبر من فرص العمل. وما تزال نسبة الدين إلى معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين أقل بكثير من الاقتصادات الكبرى الأخرى.
ما يزيد من الشعور بالخطر بين المستثمرين هو الارتفاع المحتمل في إصدار سندات خاصة من جانب الحكومات المحلية لإعادة تمويل الديون خارج إطار الميزانية العمومية، حيث يتوقع بدء برنامج بقيمة تريليون يوان لمثل هذه الأغراض، وجمعت منطقة شمال منغوليا الداخلية 66.3 مليار يوان عبر سندات إعادة التمويل، بحسب ما ذكرت صحيفة "شنغهاي سيكيوريتيز نيوز".
الصين تخطط للسماح للحكومات المحلية ببيع سندات بـ206 مليارات دولار
خفض بنك "سيتي غروب" مؤخراً توقعاته المتفائلة إزاء سندات الحكومة الصينية، وشكل القلق بشأن زيادة معدل طرحها أحد الأسباب الرئيسية لذلك.
كتب خبراء البنك، بقيادة ديرك ويلر في مذكرة بحثية: "ليس حجم كل إصدار فقط أصبح الآن أكبر من اللازم لتلبية متطلبات الميزانية؛ بل إن إضافة إصدار جديد لأجل 5 سنوات خارج الجدول الزمني المعلن قد يزيد أيضاً من احتمال أن يكون صافي المعروض من السندات أكبر من المقرر في الميزانية أساساً".
اختتم الخبراء أن عطاءات السندات التي تعتزم وزارة المالية طرحها بعد انقضاء عطلة الأسبوع الذهبي بدءاً من اليوم الجمعة، ستكون أساسية لتقييم ضغط العرض وتداعيات التمويل، وتحديد ما إذا كانت هناك ديون مالية جديدة خارج إطار الميزانية العمومية.