خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للعديد من اقتصادات العالم خلال 2023، راداً هذا الخفض لأسباب عدة بينها ما هو متوارث منذ سنوات، وأخرى مستحدثة.
وفي حين حافظ الصندوق على توقعاته للنمو العالمي ككل عند 3% للعام الجاري، خفضها بـ0.1% إلى 2.9% للعام المقبل.
الصندوق اعتبر في تقريره آفاق الاقتصاد العالمي الصادر اليوم، أنه رغم التحسن خلال السنة، إلا أن النشاط الاقتصادي العالمي بشكل عام ما يزال أقل من معدلات ما قبل كورونا (يناير 2020) خصوصاً في الأسواق الناشئة والدول النامية.
رد التقرير ضعف النشاط إلى أسباب عدة أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت عام 2022 وما زالت تؤثر على الأسواق العالمية، بالإضافة إلى الانقسام الجيوسياسي في العالم، والآثار طويلة الأمد لفيروس كورونا على الاقتصاد العالمي.
كما أثرت السياسة النقدية المتشددة التي تنتهجها البنوك المركزية حول العالم، وخصوصاً الفيدرالي الأميركي، لمحاربة التضخم، فضلاً عن إلغاء التيسير النقدي الذي كان سائداً خلال فترة كورونا، بسبب الديون المرتفعة، فضلاً عن ظواهر الطقس المتطرفة، على حركة الاقتصاد.
رفع تقديرات النمو الأميركي
توقع الصندوق أن ينمو اقتصاد الولايات المتحدة بنسبة 2.1% العام الحالي، رافعاً تقديراته 0.3% عن توقعات يوليو. كما زاد توقعاته لنمو أكبر اقتصاد في العالم لعام 2024 إلى 1.5%، من 1% في يوليو.
رد الصندوق هذا الرفع إلى الاستثمارات التجارية التي سجلت نمواً في الربع الثاني من السنة، فضلاً عن قوة الاستهلاك، وهو مؤشر على أوضاع سوق العمل، إضافة إلى توقعات بزيادة الإنفاق الحكومي.
يحاول الاحتياطي الفيدرالي الأميركي رفع أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم، وفي نفس الوقت تحقيق هبوط سلس للاقتصاد، ولكن هذه العملية زادت من كلفة الأموال، وجعلت عملية استدانة الشركات أكثر صعوبة. رغم ذلك، فإن معدلات التوظيف زادت بشكل غير متوقع في سبتمبر، مسجلة أكبر زيادة منذ بداية العام، مما يدل على استمرارية قوة سوق العمل، ويعزز التوقعات برفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة مرة أخرى.
أكبر اقتصاد في أوروبا
رسم الصندوق صورة أقل تفاؤلاً لمعظم الاقتصادات الأوروبية، خصوصاً لأكبر اقتصاد في القارة، حيث توقع أن تسجل ألمانيا انكماشاً بنسبة 0.5% هذا العام، وهو مستوى متفاقم عن توقعات يوليو عندما توقع انكماشاً بنسبة 0.3%.
لكن الصندوق يرى أن ألمانيا ستعود إلى النمو العام المقبل بنسبة 0.9%، رغم أن هذه النسبة تعتبر أقل من توقعات يوليو بـ0.4%.
ويضغط ضعف الطلب من الصين ونقص العمالة وارتفاع أسعار الفائدة والتداعيات المستمرة لأزمة الطاقة العام الماضي على المصانع في ألمانيا، وبالتالي على اقتصادها ككل.
التقرير توقع نمو اقتصاد بريطانيا بنسبة 0.5% في العام الجاري، ارتفاعاً من نسبة 0.4% التي كان توقعها في يوليو، كما توقع أن يواصل الاقتصاد نموه في 2024 ولكن بنسبة 0.1%.
أكبر اقتصاد في آسيا
أما الصين أكبر اقتصاد في آسيا وثاني أكبر اقتصاد في العالم، فخفض الصندوق توقعاته لنمو اقتصادها إلى 5% خلال العام الجاري، بعدما كانت التوقعات عند 5.2%. ولكن الاقتصاد الصيني لن يواصل مسيرته الصعودية وفق التقرير، إذ توقع تباطؤ النمو إلى 4.2% في 2024.
ألقت البيانات الاقتصادية السلبية التي نشرت من الصين خلال الفترة الماضية بظلالها على المشهد الاقتصادي المحلي والعالمي. وزادت الأزمة التي ضربت القطاع العقاري من ظلامية المشهد.
ولكن الكثير من البنوك الاستثمارية عادت في الفترة الأخيرة ورفعت توقعاتها لنمو الاقتصاد الصيني، إذ يساعد تحسن البيانات خلال الآونة الأخيرة في بناء إجماع إزاء قدرة الحكومة على تحقيق مستهدف الناتج المحلي الإجمالي.
روسيا والعقوبات
روسيا كان لها أكبر نصيب من الرفع في التوقعات العالمية، إذ زاد الصندوق توقعاته لنمو اقتصادها بنحو 0.7% عن يوليو، لتسجل نمواً قدره 2.2% في العام الجاري، رغم العقوبات المفروضة عليها بسبب غزوها لأوكرانيا.
مصر الأولى عربياً في 2023
عربياً، توقع الصندوق أن تسجل مصر أعلى معدل نمو في المنطقة هذا العام، يصل إلى 4.2%، بارتفاع نسبته 0.5% عن توقعات يوليو. لكن النمو لن يواصل مسيرته الصعودية، إذ توقع التقرير أن يتباطأ إلى 3.6% في العام المقبل.
تأتي توقعات الصندوق للاقتصاد المصري أقل مما رصده مسؤولو البلاد. ففي سبتمبر الماضي، قال رئيس هيئة الاستثمار المصرية حسام هيبة في تصريح لـ"الشرق"، إن الحكومة المصرية رفعت مستهدف نمو اقتصادها خلال العامين الماليين الجاري والمقبل، بعد أن قامت بتخفيضهما في وقت سابق في ظل الأزمة التي تمر بها البلاد.
وأضاف حينها أن بلاده تستهدف نمواً بنسبة 4.4% هذا العام من 4.1% في تقديرات سابقة، مشيراً إلى أن المستهدفات لنمو الناتج المحلي العام المالي المقبل تبلغ 5% وهو ما يمثل ارتفاعاً من 4.7% في تقديرات سابقة، مشيراً إلى أن هذا النمو يأتي بدعم من قطاعي العقارات والبنية التحتية.
السعودية والإمارات.. خفض ورفع
كانت السعودية صاحبة أكبر تغير، إذ عدّل الصندوق نظرته للنمو بالمملكة هذا العام بالخفض 1.1% عما رصده في يوليو، متوقعاً أن تسجل نمواً بنسبة 0.8% في 2023.
ورد الصندوق الأسباب إلى خفض إنتاج النفط في إطار "أوبك+"، بالإضافة إلى الخفض الطوعي الذي تنفذه السعودية ودول أخرى.
لكن الصندوق أشار إلى أن الاستثمار الخاص بما في ذلك الاستثمار الناتج عن تنفيذ "المشاريع العملاقة"، يواصل دعم نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، والذي يظل قوياً ولم يتغير عن التوقعات السابقة.
وتوقع الصندوق أن يزيد زخم النمو الاقتصادي السعودي في العام المقبل إلى 4% بارتفاع 1.2% عما رصده التقرير في يوليو المنصرم.
بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، عدّل صندوق النقد الدولي توقعات النمو للعام الجاري بالخفض 0.1% إلى 3.4%؛ بينما رفعها بنفس القدر إلى 4% للعام المقبل.
الجدير بالذكر أن الاقتصاد الإماراتي تمكن في العام الفائت من تحقيق نمو نسبته 7.9%.
المغرب يواصل مسيرة النمو
أما المغرب الذي يستضيف اجتماعات صندوق النقد في مراكش، فإن الصندوق توقع ارتفاع النمو خلال العام الجاري إلى 2.4% من 1.3% في 2022.
وفقاً للتوقعات، فإن هذا النمو سيستمر في الارتفاع خلال العام المقبل ليصل إلى 3.6%.
اللافت في التوقعات أن نسبة البطالة في البلاد سترتفع في 2023 إلى 12% مقارنة بـ11.8% العام الماضي، في حين ستنخفض في 2024 إلى 11.7%.
انكماش اقتصاد 3 دول عربية
توقع الصندوق انكماش اقتصاد 3 دول عربية هذا العام، وهي الكويت بنسبة 0.6%، والعراق بنسبة 2.7%، فضلاً عن السودان الذي يشهد صراعاً عسكرياً، بنسبة 18.3%.