تجدد المنافسة بين القوى العظمى يزيد الضغط على المؤسسات المالية الدولية لفعل المزيد من أجل القارة السمراء

هل ينقذ صندوق النقد أفريقيا من شقي رحى أميركا والصين؟

كريستالينا غورغييفا، مديرة صندوق النقد الدولي إلى جانب عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب المركزي في لقاء نظم في يونيو 2023 في العاصمة الرباط، المغرب - المصدر: بلومبرغ
كريستالينا غورغييفا، مديرة صندوق النقد الدولي إلى جانب عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب المركزي في لقاء نظم في يونيو 2023 في العاصمة الرباط، المغرب - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

في آخر مرة استضافت فيها أفريقيا الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين عام 1973، حث رئيس البنك الدولي آنذاك روبرت ماكنمارا الدول الغنية على إظهار المزيد من السخاء تجاه الفقراء.

وعلى الرغم من تغير الكثير من الأمور منذ ذلك التجمع في نيروبي، فإن القارة ما تزال في حاجة ماسة إلى الاستثمار للتغلب على الفقر ومواجهة أزمة المناخ.

يؤدي تجدد التنافس بين القوى العظمى، الذي يضع الغرب بقيادة الولايات المتحدة في مواجهة الصين وروسيا، إلى زيادة الضغط على المؤسستين اللتين تتخذان من واشنطن مقراً لهما، لفعل المزيد من أجل أفريقيا.

الصين تعزز إقراضها لأفريقيا

أظهر تحليل أجرته "بلومبرغ إيكونوميكس" أن إقراض الصين لأفريقيا زاد خمسة أضعاف منذ 2010. وفي المقابل، زاد تمويل البنك الدولي بنحو مرتين ونصف، وتواجه المنطقة الآن ضغطاً متزايداً على التمويل وسط ارتفاع أسعار الفائدة وضعف العملات المحلية.

ولم يزد نصيب القارة الضئيل من الاقتصاد العالمي إلا بالكاد منذ 1973، ويشكو الزعماء الأفارقة من تجاهلهم. وعلى خلفية وضع كهذا، ينبغي عدم تخييرهم بين الشرق أو الغرب، فهم يريدون استثمارات أكثر من كليهما.

قالت فيرا سونغوي، الأمينة التنفيذية السابقة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا: "الخيار لا يتعلق بانتقاء الأصدقاء والأعداء، وإنما يجب أن يتصل باختيار الفوائد والمزايا التي من شأنها تعزيز أهداف القارة ومصالحها.

تقول سونغوي، وهي الآن زميل بارز في "بروكينغز إنيستيتيوشن" (Brookings Institution) في واشنطن ورئيس مرفق السيولة والاستدامة باللجنة الاقتصادية لأفريقيا، إن على القارة أن تتجنب التورط في أي "حرب باردة" جديدة بين الولايات المتحدة والصين وما تنطوي عليه من تنافس، مكررةً ما ذهب إليه العديد من زعماء المنطقة.

استهدف الإصرار على المضي قدماً في اجتماعات أكتوبر السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في مراكش بالمغرب، بعد الزلزال الذي ضرب منطقة جبلية خارج المدينة الشهر الماضي فأودى بحياة نحو 3000 شخص، الإشارة إلى أهميتهما للمنطقة.

وجدت الحاجة إلى مثل هذا التواصل مجالاً لإبرازها والتأكيد عليها في اجتماع قوى الأسواق الناشئة الكبرى في أغسطس بقمة مجموعة "بريكس" في جوهانسبرغ، التي نددت بالنظام العالمي الذي يقوده الغرب ووسعت صفوفها لتشمل إيران والسعودية. وجاء هذا الاجتماع بعد أسابيع قليلة من استضافة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الزعماء الأفارقة في سان بطرسبرغ.

مساعٍ لزيادة تمثيل أفريقيا

وقال رئيس البنك المركزي المغربي عبد اللطيف الجواهري للصحفيين يوم 26 سبتمبر "ما ينبغي الإعلان عنه على الأقل في مراكش هو تعزيز تمثيل أفريقيا في الهيئات الإدارية لصندوق النقد والبنك الدوليين".

تنعقد الاجتماعات الآن أيضاً على خلفية العنف الذي أودى بحياة المئات من الإسرائيليين والفلسطينيين، بعد أن هاجمت حركة "حماس" إسرائيل من قطاع غزة. ودعا المغرب إلى اجتماع وزاري طارئ لمجلس الجامعة العربية لبحث الوضع.

وسيكون أحد الموضوعات الرئيسية في الاجتماعات هو الدفع نحو توسيع موارد البنك الدولي لتوفير الائتمان الميسر على نطاق أوسع بكثير. فتعزيز القدرة على توفير التمويل الرخيص أمر حيوي للتغلب على الفقر ومواجهة أزمة المناخ وتحقيق التنمية التي يطلبها شبان القارة. أما التقاعس عن فعل ذلك فيهدد بركود لعقود، وبذلك النوع من الغضب الذي أثار الانقلابات في النيجر والغابون في الأشهر القليلة الماضية.

قالت كريستالينا غورغييفا، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، لبلومبرغ في مقابلة يوم 3 أكتوبر: "لا يمكن أن يزدهر العالم ما لم تزدهر أفريقيا وتستقر أيضاً".

طلبت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من الكونغرس 2.25 مليار دولار لتمويل البنك الدولي، وهو ما يقول مسؤولو وزارة الخزانة إنه يمكن أن يساعد في "إطلاق" قروض إضافية تصل إلى 25 مليار دولار. وإذا حذت الدول الغنية الأخرى حذوها، فإن إجمالي الجهود، بما في ذلك رأس المال الخاص، قد يصل إلى 100 مليار دولار.

حاجة ماسة إلى التمويل

لكن المنطقة تولي وجهها بالفعل صوب مكان آخر. فتحليل "بلومبرغ إيكونوميكس" يظهر أن الصين تحوز الآن نحو 10% من الديون الخارجية لأفريقيا جنوب الصحراء، ارتفاعاً من 1% فقط قبل عقدين من الزمن، وإن كانت قروضها الجديدة للدول النامية تتباطأ أيضاً منذ 2020.

ومع ذلك، فإن حجم التمويل المطلوب يفوق بعدة أضعاف ما تمكنت أفريقيا من اجتذابه من الجانبين مجتمعين.

ويتوقع تقرير مؤثر صدر في يوليو شارك في إلإشراف على إعداده وزير الخزانة الأميركي السابق لورانس سامرز، وشاركت فيرا سونغوي فيه، أن هناك حاجة إلى 3 تريليونات دولار سنوياً بحلول عام 2030 للدول النامية، بما في ذلك 500 مليار من بنوك التنمية الدولية.

وقال أندرو دابالين، كبير الاقتصاديين في البنك الدولي لشؤون أفريقيا: "إذا صنّفت فقط جميع احتياجات هذه البلدان، فستجد أنها هائلة. لكن الشيء الرئيسي هو أن التمويل يجب أن يكون رخيصاً (فائدة بسيطة)، ويجب أن يلتزموا (الدول) الشفافية بشأن الغرض الذي يقترضون من أجله بالفعل".

وعجز مؤسستي الإقراض الدوليتين في واشنطن عن تقديم أي شيء مثل التمويل الذي تحتاجه القارة يقود الضغط من أجل الإصلاح.

وقال مافيس أوسو-جيامفي، نائب الرئيس التنفيذي للمركز الأفريقي للتحول الاقتصادي في أكرا، والذي استشهد بالمساعدات الطارئة التي قدمها صندوق النقد والبنك الدوليان خلال جائحة كورونا باعتبارها نقطة نجاح لهما: "تقرير الإنجاز الخاص بالصندوق والبنك متفاوت في أحسن الأحوال. شهدنا بعض النجاحات وبعض المبادرات العظيمة، وشهدنا أيضاً بعض الإخفاقات".

تباين إثمار التمويل الدولي

على أطراف الصحراء النوبية في مصر، يُعد مشروع "بنبان" للطاقة الشمسية نموذجاً لما يمكن تحقيقه عندما تنفذه بنوك التنمية على النحو الصحيح. وقد دعم البنك الدولي بناء المشروع الذي اجتذب ملياري دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر.

وبقدرة حالية تبلغ 1.465 غيغاواط –وهو ما يكفي لتزويد أكثر من مليون منزل بالطاقة- ساعدت محطة "بنبان" مصر على تخفيف نقص الكهرباء وتقليص استخدامها للوقود الأحفوري. كما أوجدت نحو 18000 فرصة عمل. ويقول المهندس أحمد عاطف: "لقد غير المشروع حياتنا بالكامل. لم يكن لدى الكثير من الناس وظائف ثابتة قبل المشروع".

لكن لم تُكلل مشروعات أخرى بالنجاح. فعلى سبيل المثال، علّق البنك الدولي تمويله لخط أنابيب النفط بين تشاد والكاميرون عام 2006، بعد أن حنثت تشاد بوعدها باستخدام الدخل للتنمية وذهب بعض الأموال إلى الجيش بدلاً من ذلك.

كما أن برامج التكيف الهيكلي القاسية التي فُرضت على الاقتصادات الأفريقية المتعثرة، كثمن الاقتراض من صندوق النقد والبنك الدوليين، تثير إحساساً بالمرارة في أنحاء المنطقة.

والآن تواجه المؤسستان الماليتان الدوليتان مطالبات لأن تسرع في منح الدول الأفريقية إسهاماً مباشراً في اتخاذ القرارات أيضاً وليس الأموال فقط، حتى تعكس الواقع الأفريقي. ويتضمن هذا التخلي عن التقليد الذي يقضي بأن يتولى أوروبي قيادة صندوق النقد ويرأس أميركي البنك الدولي.

وقال أوسو-جيامفي: "عندما يكون لأفريقيا موقف، عليها أن تبدأ حملة مناصرة عالمية كاملة لجعل أي شخص يستمع إلينا. الأمر متعب بعض الشيء".

تراجع الفقر في أفريقيا

مر نصف قرن منذ أن تحدى ماكنمارا الغرب -بصوت ينضح بالمشاعر- ألا "ينصرف إلى السخرية واللامبالاة". أطرب ذلك مسامع دانييل ريتشي، الذي كان مسؤولاً مبتدئاً في مجال القروض بالبنك الدولي في ذلك الوقت، والذي حضر الاجتماع لأنه تعلم اللغة السواحيلية عندما كان متطوعاً في مؤسسة "بيس كوربس" (Peace Corps)، المعنية بالسلام، في كينيا في الستينيات.

وقال ريتشي، الذي تقاعد عام 1998 وما زال يعيش في واشنطن: "لقد كانت خطوة رائدة. لم أدرك ذلك حينها، ولكن بعد مرور 50 عاماً، ما يزال البنك الدولي يتحدث عن الفقر".

والواقع أن هذه القضية كانت في مقدمة التصريحات التي أدلى بها رئيس البنك الدولي الجديد أجاي بانغا في قمة زعماء مجموعة العشرين التي استضافتها نيودلهي الشهر الماضي. وقال بانغا: "إننا نواجه تراجعاً في التقدم في معركتنا ضد الفقر وأزمة مناخ وجودية وانعدام الأمن الغذائي والهشاشة والتعافي الوليد من الجائحة واتساع التفاوت وحرب مدمرة على حدود أوروبا".

تحسنت بعض المقاييس؛ فقد ارتفع متوسط العمر المتوقع في أفريقيا من 46 عاماً في 1973 إلى 60 عاماً، وفق بيانات البنك الدولي، في حين انخفضت معدلات الوفيات بين الرضع بشدة.

كما تراجعت نسبة الفقر في أفريقيا، أو نسبة السكان الذين يعيشون على أقل من 2.15 دولار يومياً، من نحو 56% في مطلع القرن إلى 35%. لكن المقياس نفسه في جنوب آسيا انخفض من نحو 40% إلى قرابة 10% خلال فترة مماثلة.

رياح معاكسة وأخطاء ذاتية

بعض الرياح المعاكسة التي واجهت أفريقيا -بما في ذلك الجائحة والتضخم العالمي- لم يكن لها ذنب فيها. لكن القرارات الرديئة عندما تدفقت عليها الأموال حين كانت أسعار السلع الأساسية مرتفعة، والتهام القروض الرخيصة التي أصبحت باهظة التكلفة إلى حد غير مستدام وسط رفع أسعار الفائدة، إنما هي مشكلات من صنع يدها.

وقد تلقت كل من زامبيا وغانا برامج إنقاذ طارئة من صندوق النقد الدولي هذا العام بعد التخلف عن السداد. وتواجه دول عديدة أخرى ضائقة الديون ولا تتمكن من الوصول إلى أسواق رأس المال.

يتذكر أندروز كوامي بيانيم، الاقتصادي الغاني الذي حضر الاجتماعات السنوية في واشنطن عام 1971، التفاؤل الذي ساد تلك الحقبة وكيف تلاشى الأمل في نصف القرن التالي.

وقال "كنا نظن أننا نعرف الحلول: (وهي أنه) طالما اتبعت البلدان القواعد، فإن الأمور ستسير في الاتجاه الصحيح. بالطبع، لم تكن لدينا الحلول والإجابات. يجب على الأفارقة إنجاز التنمية الاقتصادية بأنفسهم وألا يتوقعوا من صندوق النقد والبنك الدوليين النيابة عنهم في هذا المسعى".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك