واصلت الضغوط التضخمية والسياسات النقدية المتشددة في الولايات المتحدة وأوروبا، والحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى أزمة العقارات في الصين، الضغط على حركة التجارة العالمية، مما دفع "منظمة التجارة العالمية" إلى إعادة تخفيض توقعاتها لنمو حركة التجارة السلعية في عام 2023.
توقعت المنظمة في تقرير صادر اليوم الخميس تباطؤ نمو التجارة العالمية بنسبة 0.8% خلال 2023، وهي أقل من نصف الزيادة التي كانت توقعتها في أبريل الماضي التي بلغت حينها 1.7%.
ولكن المنظمة حافظت على توقعاتها للعام المقبل، متوقعة نمواً بنسبة 3.3%، من دون تغيير عن التقرير السابق.
ردت المنظمة هذا الخفض إلى عدة عوامل؛ منها: تباطؤ التجارة العالمية، والإنتاج بشكل مفاجئ في الربع الرابع من العام الماضي، بفعل ظهور آثار التضخم والسياسة النقدية المتشددة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأماكن أخرى، فضلاً عن أن أسواق العقارات المتوترة في الصين حالت دون حدوث انتعاش أقوى بعد كورونا إلى جانب العواقب التي خلفتها الحرب في أوكرانيا.
التشرذم والحمائية
المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو إيويلا، قالت في التقرير، إن التباطؤ المتوقع في التجارة "يدعو للقلق، بسبب آثاره السلبية على مستويات معيشة الناس في جميع أنحاء العالم"، مشيرة إلى أن "التشرذم في الاقتصادات العالمية سيفاقم من هذه التحديات، وبالتالي تعظيم المشكلة".
كانت المنظمة قد حذرت في سبتمبر الماضي من تأثير السياسات الحمائية والتوترات المتزايدة في العلاقات التجارية الدولية على التجارة والازدهار العالميين.
في هذا السياق، قال كولمان نيي الاقتصادي الأول في منظمة التجارة العالمية في مقابلة مع "الشرق" إنه للعودة إلى النشاط القوي الذي كانت عليه التجارة العالمية في التسعينيات من العام الماضي وأوائل الألفية، يتعين علينا العودة إلى تحرير التجارة العالمية، ليس بالنموذج القائم الآن، ولكن عبر توسيعها لتشمل بلاداً وقطاعات جديدة.
كان رالف أوسّا، كبير الاقتصاديين في منظمة التجارة العالمية، قال في مقابلة سابقة مع "الشرق" إنه على الرغم من السردية الجديدة التي تقول إن العولمة تتراجع، وإن التجارة اليوم تُمثل المشكلة فيما يتعلق بالاستدامة والسلم والأمن على مستوى العالم؛ فإن أرقام التدفقات التجارية العالمية، لا سيما أرقام التجارة القياسية بين الولايات المتحدة والصين خلال العام الماضي، تؤكد أنه لا يوجد تراجع واسع النطاق للعولمة. لكنه مع ذلك، أشار إلى ظهور بعض العلامات التي تدل على التشتت والانفصال في السياسات التجارية.
وأضاف أن هذا التشتت ما بين كتلتين جيوسياسيتين حول العالم، سيقلل الدخل العالمي بنحو 5%، مع تضرر الدول النامية أكثر من غيرها في هذا المجال.
يُمثِّل التباطؤ في التجارة تحدياً للصناعات اللوجستية مثل شحن الحاويات، حيث حقّق العمالقة أرباحاً قياسية في الأرباع الأخيرة بسبب ارتفاع أسعار الشحن البحري. غير أن بعض هذه الشركات تعيد هيكلة أعمالها تحسُّباً لانخفاض حجم النشاط.