أكبر اقتصاد في منطقة اليورو يحتاج إلى وضع استراتيجية نمو جديدة

ألمانيا صاحبة المعجزة الاقتصادية تتحول إلى "رجل أوروبا المريض"

صورة مأخوذة من الأعلى لمجموعة من السيارات المعروضة  - المصدر: بلومبرغ
صورة مأخوذة من الأعلى لمجموعة من السيارات المعروضة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

حققت ألمانيا نجاحاً اقتصادياً بارزاً على مدى عقود، من خلال اعتمادها استراتيجية غير مألوفة بين الدول المتقدمة، فقد أصبحت واحدة من أكبر الدول الموردة للمنتجات الصناعية في العالم، مثل السيارات والآلات والأدوات، معتمدةً بذلك على مزيج من الطاقة المستوردة الرخيصة والإدارة الجيدة في توفير التكاليف والخامات للحفاظ على تنافسية الأسعار.

إلا أن هذه الاستراتيجية لم تعد تجدي نفعاً. تحتاج ألمانيا إلى البحث عن استراتيجية جديدة لضمان مصلحتها ومصلحة الاقتصاد الأوروبي الأوسع.

رغم النجاح والترحيب الذي لقيه النموذج القائم على التصدير في ألمانيا، إلا أنه لم يكن مثالياً. فرغم حفاظه على الوظائف في القطاع الصناعي التي كانت تختفي في دول أخرى، إلا أنه ولّد فوائض تجارية هائلة أجبرت دولاً أخرى في منطقة اليورو على إدارة العجز وتراكم الديون- وهي أوجه خلل تسببت في خروج اليونان الوشيك من منطقة اليورو في عام 2015، والتي لا تزال تشكل تهديداً للعملة الموحدة. علاوةً على ذلك، كان هذا النموذج محفوفاً بالمخاطر، حيث اعتمدت ألمانيا على إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا، والطلب الوفير من دول أخرى مثل الصين، والقيود القاسية المفروضة على الأجور والائتمان والإنفاق الحكومي في ألمانيا.

تحديات كبيرة

يتعثر النظام في ألمانيا بشدة في الوقت الراهن. وجّه ارتفاع أسعار الغاز بعد غزو روسيا لأوكرانيا ضربة دائمة، فقد تراجع الإنتاج في القطاع الصناعي كثيف الاستهلاك للطاقة في ألمانيا اعتباراً من يوليو، بنسبة 18% عما كان عليه في ديسمبر 2021.

تغيرت مكانة الصين من دولة موردة ومستهلكة إلى دولة منافسة بالنسبة إلى ألمانيا، وتُعتبر الصين في طريقها للتفوق على ألمانيا هذا العام كثاني أكبر دولة مصدرة للسيارات في العالم بعد اليابان. يعاني أصحاب العمل لتوظيف العمالة الماهرة بالأجور السائدة. حيث تركت عقود من نقص الاستثمار البنية التحتية المادية والرقمية عشرات المليارات من اليورو، ما قوض الإنتاجية. ونتيجةً لذلك، أصبحت البلاد تشكل عبئاً على الاقتصاد الأوروبي بالكامل، مع تسجيلها أدنى معدلات النمو المتوقعة في المنطقة.

شهدت ألمانيا مثل هذه التحديات من قبل، ويمكنها تخطيها مرة أخرى. فلدى ألمانيا واحد من أدنى معدلات أعباء الديون في أوروبا، إذاً لديها الإمكانات اللازمة. مع تواجد الكثير من الشركات المبتكرة –مثل نموذج "ميتلستاند" (Mittelstand)، الشركات الصغيرة المصنعة في البلاد– وخبراتها في مجالات متنوعة مثل التكنولوجيا الخضراء، لديها القدرة على تجاوز مثل هذه التحديات. كل ما تحتاجه البلاد هو خلق الظروف المواتية لإنشاء صناعات جديدة.

الإمكانات اللازمة

لا تُعتبر العناصر الرئيسية لغزاً، فإصلاح مكابح الديون التقشفية غير المبررة في البلاد، لإفساح المجال أمام الاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها في كافة المجالات بدءاً من السكك الحديدية وصولاً إلى الخدمات ذات النطاق العريض. فضلاً عن تشجيع الهجرة إلى البلاد وتوسيع نطاق الرعاية العامة للأطفال لتعزيز توفير اليد العاملة الماهرة. فضلاً عن تعديل ممارسات المفاوضة الجماعية للسماح بنمو الأجور الحقيقية والطلب المحلي. السعي إلى التكامل بين أسواق رأس المال الأوروبية والسماح لشركات التأمين وصناديق التقاعد بالاستثمار بشكل أكبر في رأس المال الاستثماري، لتسهيل توفير التمويل بشكل أكبر. كسر الحواجز البيروقراطية، مثل التنظيم المفرط للخدمات المهنية.

اتخذت الحكومة الألمانية خطوات صغيرة في المسار الصحيح. حيث رفضت حتى الآن دعم مصادر الطاقة المصنعة التي لن تحسن القدرة التنافسية على المدى الطويل. كما تحركت لتوسيع الإعفاء الضريبي للاستثمارات كما اقترحت تسهيل شروط منح الجنسية للمهاجرين. مع ذلك، لم يقترب أي إجراء من هذه الإجراءات مما هو مطلوب. وإذا كانت ألمانيا تسعى إلى تجنب التحول إلى "رجل أوروبا المريض" مرة أخرى، يتعين على قادتها أن يصبحوا أكثر طموحاً، وفي القريب العاجل.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك