جلست عفاف أبو الحمد، المرأة المصرية الصعيدية التي تعيل 3 بنات وولد بعد انفصالها عن زوجها، على أريكتها تشاهد إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على شاشة التلفزيون أمس السبت، عن رفع الحد الأدنى للأجور وزيادة الإعفاء الضريبي، لتحسب مقدار الزيادة المرتقبة على معاش والدها البالغ 1300 جنيهاً، وعمّا إذا كان ذلك سيمكّنها من دفع فواتير الكهرباء المتراكمة، والتخلص من تهديدات الجباة بقطع الكهرباء عن منزلها، أو شراء أدويتها دون مساعدة من إحدى مؤسسات المجتمع المدني.
وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال مؤتمر بمحافظة بني سويف في شمال صعيد مصر السبت، الحكومة بزيادة علاوة غلاء المعيشة الاستثنائية لموظفي القطاع العام لتصبح 600 جنيه (19.4 دولار)، بدلاً من 300 جنيه، وبزيادة الحد الأدنى للدخل للدرجة السادسة، ليصبح 4 آلاف جنيه، بدلاً من 3500 جنيه.
وأفادت وزارة المالية، في بيان اليوم الأحد، أن قيمة الزيادات الجديدة في الرواتب والمعاشات وعلاوة الغلاء، سيكلّف الموازنة 60 مليار جنيه سنوياً. مشيرةً إلى أن الزيادات تستحق بدءاً من أكتوبر.
منذ تولّي السيسي رئاسة مصر في 2014 قام بزيادة الحد الأدنى للرواتب بنحو 233% ليصل حالياً إلى 4000 جنيه، وذلك على 8 دفعات، منها 4 مرّات منذ أبريل 2022. لكن في المقابل، تراجع سعر صرف العملة المصرية خلال 9 سنوات من 7 إلى 30.9 جنيه لكل دولار في البنوك الرسمية، بينما في السوق الموازية يبلغ نحو 39 جنيها لكل دولار.
أبو الحمد، هي واحدة من ملايين النساء اللواتي يُعلن أسرهن في مصر ويقعن تحت خط الفقر في أكبر بلد عربي من حيث تعداد السكان، ويعتمدن في معيشتهن على مؤسسات المجتمع المدني في البلاد التي تساعد ملايين الأسر المصرية.
بحسب آخر بيانات متوفرة من قِبل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغت معدلات الفقر في مصر 29.7% خلال السنة المالية 2019-2020، من إجمالي عدد مواطني مصر الذين يزيدون عن 105 ملايين نسمة.
التأثير على التضخم
تعاني مصر من تفاقم أرقام تضخم خلال العامين الأخيرين، ومن شح شديد بالسيولة الدولارية، بالإضافة لأرقام الفائدة الحقيقية السالبة. وتتباين وسط هذه التحديات آراء المحللين حول مساهمة قرارات السيسي في تفاقم التضخم من عدمه.
يستبعد هاني جنينه، كبير الاقتصاديين ومحللي استراتيجيات الاستثمار في "كايرو كابيتال"، تأثير زيادة الأجور الجديدة على تفاقم معدلات التضخم، معتبراً "أن الأثر سيكون محدوداً، لأن الزيادة ستُطبّق فقط على شريحة من المواطنين، فيما ستنخفض القوة الشرائية للغالبية ممن لم تشملهم الزيادة.. التضخم في كل الأحوال سيواصل الارتفاع خلال الشهور القادمة، وفقاً لتوقعات البنك المركزي، على أن يصل إلى ذروته في النصف الثاني من العام الحالي".
ستطبق الزيادة على موظفي الدولة فقط الذين يناهز عددهم 4.5 مليون شخص، الأمر الذي يُتوقّع أن يؤدي إلى استفادة ما يصل إلى 11 مليون مواطن من هذه الزيادة، لكن الغالبية العظمى من المصريين يعملون بالقطاع الخاص الذي يبلغ الحد الأدنى للرواتب فيه 3000 جنيه.
واصل التضخم في مدن مصر وتيرة الصعود في أغسطس تحت ضغوط قفزة أسعار الغذاء بنحو 72%، وقفزت أسعار المستهلكين في مدن مصر 37.4% خلال أغسطس، على أساس سنوي، مقابل 36.5% في يوليو.
عالية المهدي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، ترى أن "الزيادة المرتقبة بالرواتب ستنتج آثارا تضخمية وستزيد من عجز الموازنة".
ويتفق معها حسن الصادي، أستاذ اقتصادات التمويل في جامعة القاهرة، بأن الزيادات الجديدة ستزيد معدلات التضخم، "خاصةً وأنه ستتبعها زيادة الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص".
ليست كافية
الصادي يعتقد أنه "لا جدوى من رفع الأجور دون إحكام السيطرة على الأسواق، ومنع الزيادات غير المبررة في أسعار السلع.. أي زيادة سيلتهمها التجار والزيادات المتوقعة في أسعار المواد البترولية والخدمات مثل الكهرباء خلال الفترة المقبلة".
باشرت الحكومة المصرية في يوليو 2014 خطة لإلغاء الدعم عن الكهرباء تدريجياً، وكان من المقرر أن تستمر على مدار 5 سنوات لتنتهي في 2019، قبل أن تقرر الحكومة تمديد برنامج الدعم حتى يونيو 2025 لتخفيف تداعيات جائحة كورونا على المواطنين، لكن يُتوقّع أن يطول البرنامج عن التاريخ المحدد.
شيرين الشواربي، أستاذة الاقتصاد في جامعة القاهرة، تَعتبر أن الزيادة الأخيرة ليست كافية في ظل تضخم يناهز 40%، متوقعةً أن تؤثر على معدلات التضخم؛ "لكنها في النهاية خطوات إيجابية من الدولة لمواطنينها" على حد تعبيرها.
بدوره، قال منصف مرسي، رئيس قطاع البحوث بشركة "سي آي كابيتال"، إن "قرار زيادة الحد الأدنى للأجور جاء لتخفيف تداعيات ارتفاع مستويات التضخم وغلاء المعيشة على المواطن البسيط". ومع أن "نسبة الزيادة ليست كافية لمواجهة غلاء الأسعار"، برأيه؛ "إلا أنها خطوة جيدة في حدود إمكانات الموازنة العامة للدولة، خاصةً أنها الزيادة الثانية خلال العام الحالي".
قرار استباقي لمراجعة صندوق النقد؟
بالنسبة إلى هاني جنينة، فإن زيادة الرواتب الأخيرة تمثل قراراً "استباقياً وتنسيقياً للتمهيد للمراجعة الثانية لصندوق النقد الدولي التي قد تجرى بعد الانتخابات الرئاسية".
في ديسمبر الماضي، وافق صندوق النقد الدولي على برنامج مدته 46 شهراً لمصر بقيمة 3 مليارات دولار، على أن يخضع البرنامج لمراجعتين سنوياً حتى منتصف سبتمبر 2026، بإجمالي 8 مراجعات.
المراجعة الأولى؛ التي ستُصرف على أساسها الشريحة الثانية من القرض، كان يُفترض أن تتم منتصف مارس الماضي، وهو ما لم يحدث حتى الآن، نظراً لتأخر الحكومة بتنفيذ برنامج الطروحات، وعدم اتسام سعر صرف الجنيه بالمرونة اللازمة، وكان من المفترض أن تتم تلك المراجعة في سبتمبر الحالي، لكن يبدو أنها معرّضة للتأجيل مجدداً، لاسيما أن موعد الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في مراكش المغربية خلال شهر أكتوبر أصبح قريباً.
استلمت مصر أول دفعة من صندوق النقد الدولي في ديسمبر الماضي بقيمة 347 مليون دولار، ومن المقرر استلام الدفعات الباقية عقب المراجعات المزمعة.
حسن الصادي يتوقع أن تنخفض العملة المحلية مجدداً في مصر مع بدء المراجعتين الأولى والثانية لصندوق النقد الدولي مع القاهرة خلال الفترة المقبلة.
لكن منصف مرسي، من "سي آي كابيتال"، استبعد أن تشهد مصر تحريراً قريباً لسعر الصرف يلتهم زيادة الأجور، خاصةً أن التوجه الظاهر للدولة هو التركيز بشكل كبير على بيع الأصول مع خطة طرح صكوك أو سندات دولارية، تمهيداً لتوفير رصيد جيد من الدولار يمكنها من حل أزمة شح العملة قبل تحرير سعر الصرف.