تشهد أسواق النفط خلال الفترة الحالية انتعاشة على صعيدي الطلب والأسعار، الأمر الذي ينعكس بدوره على إيرادات الدول المصدِّرة للخام، التي عانت ميزانياتها من عجز كبير خلال الفترة الماضية جراء تدني أسعار الخام.
وتجاوزت أسعار النفط العالمية خلال الأسبوع الأخير مستوى الـ65 دولاراً، مما يلامس المستوى المطلوب لتحقيق التعادل بين إيرادات ومصروفات الموازنة السعودية لعام 2021، التي قدَّرتها بيوت خبرة بداية العام الحالي بين مستوى 55 إلى 65 دولاراً للبرميل.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت تسليم أبريل 33 سنتاً، أو 0.5% اليوم الخميس مسجلاً 67.37 دولاراً للبرميل، وارتفع خام غرب تكساس الوسيط تسليم أبريل 23 سنتاً، أو 0.4% إلى 63.45 دولاراً للبرميل، ولامست عقود الخامين أعلى مستوياتها منذ الثامن من يناير 2020 في وقت سابق من جلسة اليوم، إذ بلغ خام برنت 67.49 دولاراً للبرميل، وخام غرب تكساس 63.67 دولاراً للبرميل.
توقعات نقطة التعادل في الميزانية السعودية
وقدَّرت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني سعر النفط الذي يحقق التعادل للميزانية السعودية بمتوسط 67 دولاراً للبرميل في 2020-2022.
وقدَّرت ميزانية السعودية لعام 2021 الإيرادات بـ849 مليار ريال، مقابل إنفاق 990 مليار ريال، وبعجز متوقَّع 141 مليار ريال، في حين قُدِّر أن يبلغ إجمالي الدين العام في 2021 نحو 937 مليار ريال.
و توقَّع بنك الاستثمار "هيرميس" أنَّ موازنة المملكة التي لم تصرح بسعر النفط المبني عليه موازنتها خلال العام 2021 مبنية على أسعار تترواح بين 50، و55 دولاراً للبرميل.
وبحسب تقديرات موازنة السعودية للعام 2021، ارتفع الدَّين مع نهاية عام 2020 بقيمة 176 مليار ريال ليسجل 854 مليار ريال، تشكِّل 34.3% من الناتج المحلي الإجمالي؛ ومن المتوقَّع أن تنخفض هذه النسبة إلى 32.7% خلال العام الحالي ليسجل الدَّين العام 937 مليار ريال بنهاية 2021.
ورفع بنك "باركليز" اليوم الخميس توقُّعاته لسعر النفط في 2021، فقد زادت تقديراته لسعر خام برنت في 2021 بواقع 7 دولارات إلى 62 دولاراً للبرميل، في حين توقَّع زيادة سعر خام غرب تكساس الوسيط 6 دولارات إلى 58 دولاراً للبرميل.
وحول أسعار النفط الحالية، وإلى أيِّ درجة مطمئنة، يقول الدكتور فيصل الفايق رئيس دراسات الطاقة في "أوبك" سابقاً، والكاتب الاقتصادي للشرق: "من الصعب أن نعتمد على نقطة اطمئنان لأسعار النفط حتى إن تخطَّت حاجز الستين دولاراً أو حتى إن وصلت قرب حاجز السبعين دولاراً، طالما أنَّ مستويات الطلب على النفط لم تعود إلى مستوياتها ما قبل تداعيات جائحة كورونا، حتى و إن كان هناك بعض الانتعاش في الهند والصين".
وعلى جانب تحقيق نقطة التعادل بين مستوى أسعار النفط الحالية، والموازنة السعودية المرصودة لعام 2021، قال الفايق:" إنَّ ذلك سيتحقق اذا كانت هناك استدامة لأسعار النفط( 60 دولاراً) ، لكن لاتوجد استدامة لمستويات الأسعار الحالية، وهي معرَّضة لمسار تصحيحي هبوطي".
ولاتزال حالات عدم اليقين مستمرة في أسواق النفط العالمية، وستأتي زيادة الدَّين العام في السعودية خلال العام 2021 لتمويل عجز الموازنة الذي يُقدَّر بـ141 مليار ريال مقارنةً بـ298 مليار ريال متوقَّعة في ميزانية العام 2020؛ إذ يُنتظر أن تبلغ نفقات الموازنة 990 مليار ريال مقابل 849 مليار ريال إيرادات متوقَّعة.
الإيرادات النفطية المقدَّرة
في المقابل توقَّع بنك الاستثمار "بلتون فايننشال" عقب إعلان الميزانية السعودية، أن تبلغ إيرادات المملكة 969 مليار ريال في عام 2021، أي بارتفاع 14% عن الإيرادات المقدَّرة في الميزانية، وتوقَّعت ارتفاع إيرادات البترول بنسبة 21% على أساس سنوي إلى 514 مليار ريال بناءً على السعر المقدَّر للبترول عند 55.2 دولار للبرميل، مقارنة بالتقديرات الحكومية المتحفظة عند سعر أقل من 50 دولاراً للبرميل. بحسب تقديرات "بلتون".
وبلغت الإيرادات السعودية النفطية الفعلية عام 2020 نحو 412 مليار ريال تعادل 53.5% من إجمالي الإيرادات. في حين سجَّلت الإيرادات غير النفطية مستوى قياسياً بنحو 358 مليار ريال، تعادل نحو 46.5% من إجمالي إيرادات الدولة البالغة 770 مليار ريال، وذلك وفقاً لبيانات وزارة المالية السعودية.
وحول الموازنة السعودية التقديرية، وأسعار النفط الحالية، ومدى إمكانية انخفاض العجز ، يقول عبدالعزيز المقبل المتخصص بالصناعات النفطية، لـ"الشرق"، إنَّ من أهم مميزات الموازنة السعودية، هي مرونة تغيير مخصصات المصروفات والإيرادات، وتنوُّع المداخيل غير النفطية، مشيراً إلى أنَّ أسعار النفط الحالية ستساعد في تحقيق أهداف الناتج المحلي المستهدف للحكومة السعودية.
وأضاف أنَّه من الصعب التنبؤ حالياً بانخفاض العجز في الميزانية، مرجعاً ذلك لعدم معرفة المصروفات المتغيرة، والمشاريع الجديدة للحكومة.
في المقابل يرى فضل بوعينين عضو مجلس الشورى السعودي، والكاتب الاقتصادي أنَّ سعر 68 دولاراً للبرميل هو سعر التوازن للميزانية السعودية، وأنَّ العجز في الميزانية السعودية سيتقلَّص اذا استمر متوسط النفط بهذه الأسعار دون تغيُّرات في الإنفاق عن ماهو مرصود في الموازنة" .
وتوقَّع تقرير صادر عن معهد التمويل الدولي أمس تحقيق الاقتصاد السعودي انتعاشاً متواضعاً خلال عام 2021، مع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي بنسبة 3%، مدعوماً بمشروعات صندوق الاستثمارات العامة. كما توقَّع أيضاً أنَّ السياسات النقدية السعودية ستظل ميسرة حتى يتمَّ ترسيخ الانتعاش الاقتصادي.
وتوقَّع المعهد في تقريره أن يتقلَّص العجز المالي في الموازنة السعودية إلى 4.3% للعام 2021، إذا استقر سعر النفط عند 52 دولاراً للبرميل.
وأشار معهد التمويل الدولي إلى أنَّ الإصلاح الهيكلي العميق اللازم للقطاع الخاص السعودي، سيعزز فرص النمو، وخلق وظائف جديدة. كما أبرزت جائحة كورونا أيضاً أهمية التحوُّل الرقمي، وسيساعد الابتكار في هذا المجال- إلى جانب الإصلاحات الهيكلية الجارية فعلاً- في تنويع الاقتصاد السعودي، ومصادر الدَّخل بعيداً عن النفط.