يستمر الحجر الصحي في إحباط المسافرين، وخنق شركات الطيران بعد مرور عامٍ على انتشار الوباء، مع التهديد القائم من متغيرات الفيروس شديدة العدوى، مما يعني أنَّ عمليات العزل الإجباري ستصبح غالباً أطول، وأكثر صرامة بدلاً من أن يتمَّ تخفيفها.
وعلى الرغم من أنَّ اللقاحات تشجع دولاً مثل إسرائيل، والمملكة المتحدة على وضع خططٍ لإعادة الفتح، فإنَّ السلطات في جميع أنحاء العالم تشدد الخناق لمنع طفرات كوفيد-19 من الإنزلاق.
وتفعل الدول ذلك من خلال نماذج الحجر الصحي المُصممة لاحتواء فيروس يتسم بعدوانية أقل. وفي ظلِّ وجود تساؤلات حول فعالية اللقاحات على السلالات المتحوِّرة، فإنَّ هذه الجبهة الجديدة في معركة الصحة العامة تُضعف الآمال في انتعاش سريع في مجال السفر الجوي الدولي.
قواعد أكثر صرامة للحجر الصحي
وفي حين قال رئيس الوزراء البريطاني "بوريس جونسون" يوم الإثنين، إنَّ السفر إلى الخارج يمكن أن يبدأ في وقتٍ قريبٍ قد يكون موعده في 17 مايو، مما أدى إلى زيادة حجوزات الطيران، إلا أنَّ انجلترا وضعت للتوِّ قيودها الحدودية الأكثر صرامة منذ اندلاع الوباء، وفرضت الحجر الصحي في الفنادق لمدة 10 أيام للبريطانيين، والأجانب، والمواطنين الأيرلنديين، والمقيمين القادمين من عشرات البلدان.
وفي هذه الأثناء، يتمُّ في أجزاء من العالم التي كانت الأكثر نجاحاً في إبعاد الفيروس تشديد قواعد الحجر الصحي، ويُطبق صانعو السياسات نبرة أكثر حذراً بشأن توقيت بدء السفر مرة أخرى. وتعمل السلطات في "ملبورن" على رسم خطط لمنشآت العزل المصمَّمة خصيصاً، التي ستكون مواقعها خارج المدينة.
ولدى هونغ كونغ واحدة من أكثر السياسات تطرفاً، وهو حجر في الفندق يدمِّر الروح، مدَّته 21 يوماً، ينتظر كل السكان القادمين من خارج الصين.
إنَّ هذه المتطلَّبات المختلفة تقف حائلاً أمام ضغط شركات الطيران من أجل خلق استجابة عالمية موحدة لجعل الناس يسافرون مرة أخرى. فلم يكتسب اقتراح اتحاد النقل الجوي الدولي بشأن شهادات الاختبار أو اللقاح لاستبدال الحجر الصحي زخماً لدى الحكومات.
وحول ذلك، قال "فولوديمير بيلوتكاتش"، وهو المحاضر في إدارة النقل الجوي في "معهد سنغافورة للتكنولوجيا" إنَّه: "لا يمكننا التحدُّث بجدية عن التعافي ما دامت متطلَّبات الحجر الصحي قائمة، إذ تواصل البلدان وضع قواعدها، وتغييرها بحسب تغيُّر الوضع".
حُمى الحجرة
يمكن أن تؤثر العزلة على المسافرين العالقين في غرف الفنادق، التي تحتوي غالباً على نوافذ مغلقة، وتكون مساحتها صغيرة.
وعلى سبيل المثال، كافح الموظف المالي "تشانيونغ كيم" خلال ثلاثة أسابيع دون تمارين رياضية، أو هواء نقي، أو تفاعل بشري في فندق "شيراتون" في هونغ كونغ عند عودته من رحلة عمل إلى كوريا الجنوبية.
وسعى "كيم"، الذي عانى أيضاً عدَّة مرات من الحجر الصحي في سيول، وكانت مدَّة كل منها 14 يوماً، للحصول على العلاج من طبيب نفسي، وأخبر مديره أنَّه غير متأكِّد من المدَّة التي يمكنه الحفاظ على مثل هذا النمط من الحياة.
يقول الرجل البالغ من العمر 42 عاماً: "لقد كان الأمر صعباً من الناحية الذهنية، فعندما تكون بمفردك، يميل المرء إلى التفكير كثيراً، وهذه ليست تجربة جيدة."
ولقد قررت الحكومات أنَّه ثمنٌ يَستحق الدفع لمنع انتشار سلالات كوفيد-19 سريعة الحركة من أماكن مثل جنوب إفريقيا، التي ارتبطت بها زيادة الحالات بمقدار 16 ضعفاً في زامبيا المجاورة في غضون شهر. وتمَّ ربط طفرات الفيروس أيضاً بالبرازيل، والمملكة المتحدة.
وفي هذا السياق قال "أبرار تشوغتاي"، عالم الأوبئة الذي يحاضر في جامعة "نيو ساوث ويلز" في سيدني: "المشكلة في هذه المرحلة، لدينا القليل جداً من المعلومات حول هذه المتغيرات، كما أنَّ تشديد الحجر الصحي قد يكون معقولاً كإجراء احترازي".
اللقاح سيُساعد كثيراً
وتهدف قيود المملكة المتحدة إلى حماية البلاد، في حين تُسرِّع الحكومة في برنامج التطعيم، فيتوجَّب على البالغين الذين يصلون مما يسمى بالقائمة الحمراء للبلدان أن يدفعوا فاتورة قيمتها 1750 جنيهاً إسترلينياً (2450 دولاراً) للحجر الصحي في الفندق، ويواجهون غرامة قدرها 10 آلاف جنيه إسترليني، أو السجن لمدَّة عشر سنوات في حال خرقهم هذه القوانين.
وكان رئيس الوزراء البريطاني "جونسون" قد أثار التفاؤل هذا الأسبوع بالقول، إنَّ نهاية الوباء وشيكة بالنسبة لانجلترا، ما لم ترتفع معدَّلات الإصابة مرة أخرى.
ومن المقرر أن يتمَّ تقديم لقاح لجميع البالغين في المملكة المتحدة مع حلول نهاية يوليو، وتشير البيانات إلى أنَّ جرعة واحدة توفِّر مستوى عالٍ من الحماية.
وهناك إشارات في أماكن أخرى أيضاً، على أنَّ القيود المفروضة على المسافرين يمكن أن يتمَّ تخفيفها عبر اللقاح، وعبر تقليل عدد الحالات.
فقد تخفف تايوان، التي سجَّلت تسع حالات وفاة فقط بالفيروس، من قيودها على الحدود الشهر المقبل، في حين أعادت ماكاو فتح أبوابها أمام السفر الخالي من الحجر الصحي من برِّ الصين الرئيسي. وتفكِّر تايلاند في إلغاء العزل لمدَّة أسبوعين للسياح الذين تمَّ تطعيمهم، في حين تمَّ إعطاء أكثر من 63 مليون جرعة للأمريكيين.
إجراءات جديدة
وفي الوقت نفسه، يتمُّ فرض قيود جديدة على المسافرين لمنع متغيرات كوفيد-19.
واعتباراً من 22 فبراير، يتعيَّن على المسافرين على متن الرحلات الجوية إلى كندا الدفع لمدة ثلاث ليالٍ في فندقٍ معتمدٍ من الحكومة كجزء من الحجر الصحي الإلزامي لمدة 14 يوماً.
وتدرس حكومة نيوزيلندا إجبار المسافرين من الخارج على العزل في المنزل حتى بعد انتهاء الحجر الصحي الإلزامي بالفندق لمدَّة 14 يوماً.
واعتباراً من 1 فبراير، يتعيَّن على أي شخص يدخل فيتنام أن يقوم بالحجر الصحي لمدَّة 21 يوماً على نفقته الخاصة.
وإنَّ رؤية المملكة المتحدة للسفر إلى خارج البلاد في شهر مايو بحاجة إلى وجهات مفتوحة أيضاً.
"الدول الأوروبية لا تزال تعوق أو تُقيِّد المسافرين الأجانب، ليس من الواضح متى سيفتحون حدودهم بالكامل أمام المصطافين مرة أخرى".
"أندريا فلستيد"- كاتب رأي في بلومبرغ
شركات الطيران في أزمة
وفي الوقت نفسه، فإنَّ تغير القواعد والنهج باستمرار يلحق الضرر بشبكات الطيران والجداول الزمنية.
ألغت شركة طيران "كاثي باسيفيك المحدودة" خدماتها إلى فانكوفر، وسان فرانسيسكو، ومدن أخرى اعتباراً من هذا الأسبوع، وأدخلت جدول مناوبات شاقٍّ لأفراد الطاقم لتجاوز قواعد هونغ كونغ الجديدة بشأن الحجر الصحي. إذ يمكن لطاقم "كاثي" التطوع في وردية عمل مدتها 21 يوماً، ويقيمون خلالها في أحد فنادق الشركة عندما يسافرون إلى هونغ كونغ، ويتبع ذلك 14 يوماً من الحجر الصحي في فندق آخر، ثم 14 يوماً من الإجازة.
وفي هذا السياق، كتب "ألكسندر دي جونياك"، وهو المدير العام لاتحاد النقل الجوي الدولي (IATA) في مدونته في أوائل فبراير: "ينصب تركيز الحكومات بشكلٍ شبه عالمي على احتواء انتشار الفيروس عبر الحدود، هناك أمل ضئيل في عودة وشيكة إلى الوضع الطبيعي".
وبدلاً من العودة تدريجياً، تقترب بعض عمليات الحجر الصحي من أن تكون دائمة. فقد بدأت ولاية فيكتوريا الأسترالية في البحث عن حلول "طويلة الأجل" لفصل الوافدين من الخارج عن السكان المحليين، مع إيواء الوافدين في مجمَّعات مبنية حديثاً بالقرب من المطارات. وجاءت هذه المراجعة في أعقاب تفشي سلالة الفيروس الخبيثة البريطانية من فندق الحجر الصحي في ملبورن.
وفي هونغ كونغ، أصبح "كيم" من قدامى المحاربين المحبطين من العزلة.
إذ قال: "بغض النظر عن طول أو قصر مدَّة الحجر الصحي، فإنَّها لا تزال تجربة صعبة للغاية".