أصبح سريثا تافيسين، قطب العقارات السابق، أول رئيس وزراء جديد لتايلندا منذ ما يقرب من عقد من الزمن.
فاز سريثا بما يقرب من ثلثي أصوات المشرعين في جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ اليوم الثلاثاء، بدعم ائتلاف من الأحزاب الشعبوية والمحافظة. انتخاب مرشح حزب "فيو تاي" (Pheu Thai) ينهي حالة الجمود السياسي التي دامت لثلاثة أشهر، بعد أن أثار ذلك قلق الأسواق ومخاوف من تأخير السياسات.
دخل سريثا، البالغ من العمر 61 عاماً، سباق الانتخابات بعد رفض انتخاب بيتا ليمغاروينرات من حزب "موف فوروارد" (Move Forward)–الذي فاز بأكبر عدد من مقاعد مجلس النواب في الانتخابات العامة التي أُجريت في 14 مايو–من قبل أعضاء مجلس الشيوخ الشهر الماضي. جاء فوز سريثا يوم الثلاثاء بعد ساعات من إنهاء الملياردير ثاكسين شيناواترا، رئيس الوزراء السابق الذي يرأس حزب "فيو تاي" فعلياً، منفاه الذي استمر 15 عاماً ليعود إلى الوطن.
يتعين على رئيس الوزراء الجديد الآن تشكيل حكومة تضم في قوامها تنوعاً من أحزاب الائتلاف العديدة، وهي مهمة قد تستغرق عدة أسابيع.
قال سريثا، في بيان مقتضب بمقر الحزب: "لي عظيم الشرف لاختياري الرئيس الثلاثين لوزراء تايلندا. سأبذل قصارى جهدي وأعمل بلا كلل من أجل الارتقاء برفاهية شعب تايلندا".
تنتظر رئيس الوزراء الجديد تحديات تشمل مجتمعاً تهيمن عليه حالة استقطاب شديدة بسبب الاضطرابات التي أعقبت الانتخابات، والانتعاش الاقتصادي الهش، وديون الأسر في جميع أنحاء البلاد التي ارتفعت إلى مستوى قياسي منذ انقلاب عام 2014 الذي أدى إلى حكم مدعوم من الجيش امتد على مدار ما يقرب من عقد.
من هو سريثا؟
أمضى رئيس الوزراء الجديد أكثر من 30 عاماً في قطاع العقارات، بعد حصوله على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من كلية "كليرمونت" للدراسات العليا بالولايات المتحدة. انضم سريثا إلى حزب "فيو تاي" العام الجاري في منصب كبير مستشاري بايتونغتارن شيناواترا، ابنة ثاكسين.
كان سريثا أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في شركة "سنانسيري" (Sansiri Pcl) منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي، قبل أن يستقيل من منصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في أبريل. تخارج من شركة التطوير العقاري الفاخرة عن طريق نقل جميع أسهمه إلى ابنته. كذلك باع أو سلّم حصصه في شركات أخرى امتثالاً للقوانين التايلندية.
كان رئيس الوزراء الجديد، وهو لاعب كرة قدم متحمس ومشجع لفريق ليفربول في الدوري الإنجليزي الممتاز، قوة دافعة وراء إنشاء أكاديمية "سانسيري"، التي تدرب اللاعبين المحليين الطموحين. سريثا، الذي يبلغ طوله ستة أقدام وثلاث بوصات، متزوج من باكبيلاي ثافيسين، المتخصصة في طب مكافحة الشيخوخة، وله منها ثلاثة أبناء.
قبل وقت طويل من دخوله عالم السياسة، كان سريثا مدافعاً قوياً عن حقوق المثليين والاستدامة البيئية، حيث كان يتعمد إبداء آرائه بشان هاتين القضيتين عبر وسائل التواصل الاجتماعي-على عكس معظم رجال الأعمال التايلنديين.
كيف أصبح المنافس الأول؟
على الرغم من حصول حزب "فيو تاي" على المركز الثاني المخيب للآمال في الانتخابات العامة التي أجريت في مايو الماضي، وجد الحزب فرصة سياسية بعد محاولات فاشلة لتشكيل ائتلاف من قبل شريكه السابق حزب "موف فوروارد" وزعيمه بيتا، الذي تعهد بتعديل قانون العيب في الذات الملكية الصارم في تايلندا. غير أن الأجندات الإصلاحية الأخرى لم تترك له أي دعم تقريباً من مجلس الشيوخ الموالي للملكية أو الأحزاب المحافظة.
بدأ حزب "فيو تاي" الاستعداد لقيادة ائتلافه الخاص، حيث اختار الحزب سريثا على ابنة ثاكسين البالغة من العمر 37 عاماً، كمرشح لمنصب رئيس الوزراء.
وماذا عن مزاعم التهرب الضريبي؟
زعم تشوفيت كامولفيسيت، رجل الأعمال السابق، أن سريثا تواطأ في مساعدة مجموعة من الأشخاص على التهرب من الضرائب في عام 2019 عندما باعوا قطعة أرض إلى شركة "سانسيري". نفى سريثا ارتكاب أي مخالفات في هذا الصدد، ورفع دعوى تشهير مطالباً بتعويض قيمته 500 مليون بات (14 مليون دولار) ضد تشوفيت، الذي اتهم الشركة أيضاً بإجراء معاملات غير قانونية أخرى على الأراضي.
هذه المزاعم لا تشكّل تهديداً مباشراً لرئاسة سريثا للوزراء، على الرغم من أنها تثير تساؤلات أوسع حول سبل ممارسة الشركات العقارية لأعمالها.
ما هي أولوياته؟
صرح سريثا، خلال مقابلة مع "بلومبرغ" في وقت سابق من العام الجاري، بأنه يريد تحفيز الاقتصاد الذي يتخلف عن مسيرة النمو في دول الجوار وسد الفجوة بين الأغنياء والفقراء باستخدام برنامج "المحفظة الرقمية" الذي يمنح كل تايلندي في سن 16 عاماً فما فوق 10 آلاف بات.
سوف يتعين على سريثا أيضاً تلبية تعهدات حملة "فيو تاي"، مثل زيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة 70%، وضمان دخل الأسرة بمقدار 20 ألف بات شهرياً، ومضاعفة أرباح المزارع ثلاث مرات لرفع النمو الاقتصادي إلى 5%.
وما هي التحديات التي سيواجهها؟
يواجه ثاني أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا رياحاً معاكسة بسبب التباطؤ في الصين، مما أضر بالصادرات التايلندية، وأدى إلى عودة بطيئة للسياح من الصين-المصدر الرئيسي للزوار قبل الجائحة. كما أنها تصارع مشكلة طويلة الأمد تتمثل في ارتفاع ديون الأسر التي قفزت إلى حوالي 90% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ حجمه حوالي 500 مليار دولار.
سوف يحتاج سريثاإلى تحقيق التوازن بين مصالح الشخصيات المحافظة والعسكرية التي لا تزال تحكم قبضتها على السياسة التايلندية، وبين صخب قاعدة التصويت الأصغر سناً التي منحت حزب "موف فوروارد" الناشئ في انتخابات مايو الماضي أكبر عدد من المقاعد في مجلس النواب.
على الرغم من تعاون "فيو تاي" مع حزب يدعمه زعيم المجلس العسكري السابق برايوت تشان أوتشا-الذي قاد الانقلاب في عام 2014 وأطاح بحكومة سابقة بقيادة شيناواترا-يتعين على سريثا ضمان عدم تهاوي قاعدة حزبه. سوف يتوجب على حكومته أيضاً سرعة الوفاء بتعهدها بإعادة كتابة الدستور لجعل تايلندا أكثر ديمقراطية.
كيف ينظر إليه المستثمرون؟
من المرجح أن ينظر المستثمرون إلى سريثا و"فيو تاي" نظرة إيجابية في ظل تعهدهما بتحفيز الاقتصاد من خلال الإنفاق الحكومي. قالت غرفة التجارة التايلندية، اليوم الثلاثاء، إن ذلك قد يعزز نمو الناتج المحلي الإجمالي هذا العام إلى أكثر من 3%.
ووعد الحزب بخفض الرسوم على الكهرباء، ودفع المزيد من اتفاقيات التجارة الحرة لجذب الاستثمارات الأجنبية واتخاذ خطوات لإضفاء الشرعية على القمار، وهو الأمر الذي من المرجح أن يشيد به السوق.
باع المستثمرون الأجانب أسهماً تايلندية بنحو 3.8 مليار دولار هذا العام، مما أدى إلى انخفاض مؤشر الأسهم الرئيسي بأكثر من 7%، ما جعلها من بين أسوأ أسواق الأسهم أداءً في آسيا.