شكٌل أول رفع لأسعار الفائدة في تركيا منذ أكثر من عامين درساً بالنسبة لخبراء الاقتصاد، ممن توقعوا على نطاق واسع حدوث تحول أكثر جرأة من جانب البنك المركزي بعد عصر السياسة النقدية شديدة التيسير. وبعد شهر واحد من هذا الاجتماع، تخفض أكبر البنوك حول العالم الآن توقعاتها للخطوة المرتقبة من جانب المسؤولين عن السياسة النقدية بقيادة المحافظة حفيظة غاية أركان.
خفض كل من "دويتشه بنك" و"باركليز" توقعاتهما بمقدار نقطتين مئويتين في الأيام الأخيرة، ويتوقعان حالياً أن البنك المركزي سيرفع سعر الفائدة القياسي لديه إلى 18% من 15%.
على الرغم من إجماعهم على توقع زيادة أخرى في سعر الفائدة يوم الخميس، إلا أن العديد من المشاركين في استطلاع أجرته "بلومبرغ" يتوقعون زيادة بنحو نصف حجم خطوة يونيو البالغة 650 نقطة أساس.
جاء أعلى التوقعات لزيادة سعر الفائدة من "آي ان جي غروب إن في" (ING Groep NV) عند 5 نقاط مئوية، إما "اتش اس بي سي " فقدّر رفعها بمقدار نقطتين مئويتين فقط.
الليرة التركية تعمق خسائرها قُبيل اجتماع تحديد سعر الفائدة
يعكس النهج الآخذ في التبلور من جانب المصارف القلق بشأن المخاطر على الاستقرار المالي، والاهتمام بشأن التأثير المحتمل لصدمة أسعار الفائدة على الاقتصاد البالغ حجمه 900 مليار دولار.
لكن مع قيام البنك المركزي باعتماد تغييرات في السياسة النقدية التي وصفها بأنها "تدريجية"، تظل الأصول التركية عرضة لعمليات بيع وتستمر ضغوط الأسعار في التزايد مع استمرار التضخم بالقرب من 40% على أساس سنوي.
تشديد السياسة المالية عوضاً عن النقدية
كتب كريستيان ويتوسكا ويغيت أوناي المحللان لدى"دويتشه بنك" في تقرير أن رفع سعر الفائدة أقل من 500 نقطة أساس "قد يؤدي إلى تجدد الضغوط على الليرة التركية".
وعدل المحللان توقعاتهما بشأن الخطوة المرتقبة اليوم الخميس "في ضوء استقرار العملة مؤخراً، والارتفاع التدريجي لاحتياطيات العملات الأجنبية، ومعدل التضخم الأقل من المتوقع".
في تراجع عن السياسات غير التقليدية المطبقة خلال سنوات، يعمل الفريق الاقتصادي الجديد للرئيس رجب طيب أردوغان على تقليص دعم الليرة وإعادة بناء الاحتياطيات الأجنبية وتبسيط اللوائح التي كانت تُستخدم لتحقيق استقرار العملة التركية.
في الوقت نفسه، تمضي السلطات قدما في تطبيق الإجراءات المالية التي وصفها "باركليز" بأنها "أقوى مما كنا نتوقعه".
تركيا ترفع الضرائب والرسوم لتمويل تعهدات الإنفاق
أصبحت الخطوات الجديدة -التي تتراوح بين رفع معدلات ضريبة القيمة المضافة إلى زيادة الضرائب على الشركات والبنوك- ضرورية جزئياً للإيفاء بالوعود الباهظة التي قدمها أردوغان للناخبين قبل إجراء انتخابات الرئاسة في مايو الماضي.
وقال الخبير الاقتصادي لدى بنك "باركليز" إركان إرجوزيل في مذكرة بحثية: "ربما تخطط السلطات للتعويض عن التشديد الأقل من المأمول على صعيد السياسة النقدية من خلال تشديد السياسة المالية".
[object Promise]الانتخابات تشكل مسار الاقتصاد
تزداد صعوبة تحقيق التوازن مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات المحلية في مارس المقبل.
يمكن أن يصبح النمو الاقتصادي الأسرع أولوية مرة أخرى حيث يركز أردوغان على محاولة انتزاع بعض أكبر مدن البلاد من المعارضة.
تطالب أصوات في وسائل الإعلام المؤيدة لأردوغان بإحداث تحول أكبر في مجال التشديد النقدي. وحذر كاتب عمود في صحيفة "حريات" مقرب من الحكومة من القرارات التي قد تضر بالاستثمارات والشركات، قائلاً هذا الأسبوع إن البنك المركزي قد يرفع سعر الفائدة الرئيسي فقط إلى 16.5% -17% يوم الخميس.
في ظل الظروف الحالية، يتم تداول الليرة بالقرب من أدنى مستوياتها القياسية ما يمثل تهديداً جديداً للتضخم. فقدت العملة التركية أكثر من 30% من قيمتها منذ بداية 2023، وهو أكبر انخفاض في الأسواق الناشئة بعد البيزو الأرجنتيني.
في عهد سلف أركان، كان البنك المركزي التركي يتوقع تسجيل التضخم لـ22.3% فقط في نهاية العام، ومن المرجح أن يتم تعديل التوقعات بالرفع الأسبوع المقبل عندما يكشف البنك المركزي عن تقرير التضخم الفصلي الجديد.
العودة لسياسة نقدية تقليدية في تركيا سلاح ذو حدين
سيكون العرض التقديمي بمثابة أول ظهور علني لأركان، حيث أدلت المحافظة الجديدة للمركزي حتى الآن بتصريحات مقتصبة فقط حول اتجاه السياسة النقدية.
كاغري كوتمان، المتخصص في الأسواق التركية لدى شركة " كيه إن جي سيكوريتيز" (KNG Securities) ومقرها لندن، يتوقع أن تؤثر التحديات السياسية للبلاد على رسم سياساتها الاقتصادية، مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات البلدية بعد بضعة أشهر فقط.
اختتم كوتمان: "لهذا السبب أتوقع أن تتوقف زيادات أسعار الفائدة قبل نهاية العام.. ولا أتوقع شخصياً رفع أسعار الفائدة عندما تقترب الانتخابات البلدية في مارس المقبل".