تنتهي فعالية اتفاق الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي 17 يوليو المقبل مع غياب أية مفاوضات لتجديده كما جرت العادة في السابق، ما يفتح المجال أمام تساؤلات وسيناريوهات عديدة.
الاتفاق الحالي امتد لأربع سنوات منذ عام 2019، ويسمح لحوالي 128 سفينة من الاتحاد الأوروبي بدخول المياه المغربية في المحيط الأطلسي لصيد جزء من السمك الفائض مُقابل 208 ملايين يورو تستفيد منها المملكة.
وبينما لم يتم الإعلان عن مفاوضات رسمية بين الطرفين، قال مسؤول في الحكومة المغربية لـ"اقتصاد الشرق"، رافضاً الكشف عن هويته، إن "غياب مفاوضات رسمية علنية لا يعني عدم وجود مفاوضات، والاتحاد الأوروبي والمغرب لا بديل لهما سوى الاتفاق في نهاية المطاف".
تصريحات إعلامية متداولة على لسان مسؤولين أوروبيين، تشير إلى أن عدم الشروع في المفاوضات راجع لنظر محكمة العدل الأوروبية حالياً في مدى قانونية الاتفاق كونه يشمل منطقة الصحراء المغربية.
السيناريوهات المطروحة
يرى بدر الزاهر الأزرق، المختص الاقتصادي، في حديث لـ"اقتصاد الشرق"، أن الملف مفتوح على 3 سيناريوهات: تجديد الاتفاق كما السابق، وسيناريو ثاني يطلب فيه الاتحاد الأوروبي مزيداً من الضمانات لاستفادة السكان المحليين من التعويض المالي، ثم سيناريو ثالث يبقى مستبعداً في نظره يتمثل في عدم تجديد الاتفاق، وآنذاك سيضطر المغرب للجوء لشركاء آخرين.
بحسب وزارة الفلاحة والصيد البحري المغربية، تتميز الثروة السمكية في المملكة بتنوع كبير بما يقرب من 500 نوع تتركز بشكل أساسي في المحيط الأطلسي، وتشكل الأسماك السطحية الصغيرة أساس هذه الموارد بنسبة 80%.
تمتد الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في مجال الصيد البحري لأكثر من 30 عاماً تم خلالها توقيع سلسلة من الاتفاقيات التي دعمت استراتيجية المملكة في قطاع الصيد البحري. ويعتقد بدر الزاهر الأزرق أن "غياب الطابع العلني عن المفاوضات يعود إلى الأزمة في العلاقات المغربية بعدد من الدول الأوروبية في مقدمتها فرنسا".
بين فرنسا والمغرب علاقات اقتصادية مهمة، فباريس هي الشريك التجاري الثاني للرباط بعد مدريد، لكن في السنوات الأخيرة ساءت العلاقات الدبلوماسية بسبب اختلاف وجهات النظر بين البلدين إذ لا يزال منصب السفير المغربي في فرنسا شاغراً منذ أكتوبر الماضي، وهو أمر غير مسبوق.
ستكون إسبانيا أكبر الخاسرين في حال لم يتم تجديد الاتفاق، لأن النسبة الأكبر من السفن التي تبحر في المياه المغربية تأتي من إقليم الأندلس، وهو ما دفع وزير الفلاحة والصيد البحري الإسباني لويس بلاناس لطلب مصادقة عاجلة من المفوضية الأوروبية على الاتفاق قبل حلول آخر يوم منه، حسب ما نقلته وكالة الأنباء الإسبانية "أوروبا برس".
حتى إذا أرادت إسبانيا توقيع اتفاق ثنائي مع المغرب في هذا الصدد فذلك غير ممكن بالنظر لقوانين الاتحاد الأوروبي التي تُعطي المفوضية الأوروبية حق توقيع الاتفاقيات مع الدول من خارج الاتحاد.
التوافق ضروري في النهاية
بين الاتحاد الأوروبي والمغرب علاقات تجارية واستثمارية مهمة، حيث يُعتبر الاتحاد أول شريك تجاري للمغرب بحصة 60% من الصادرات، كما أن المملكة أكبر شريك تجاري للاتحاد في الجوار الجنوبي. ويحتل الاتحاد الأوروبي مرتبة أكبر مستثمر أجنبي في المغرب حيث يُمثل أكثر من نصف الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
يشير رشيد الحديكي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة عبد المالك السعدي وباحث رئيسي بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، إلى أن "العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب استراتيجية بالنظر للعلاقات التجارية الكبيرة والقرب الجغرافي، وهي معطيات لا يمكن إلا أن تدفع في نهاية المطاف إلى التوافق".
ينص الاتفاق المُشرف على نهايته على اصطياد سفن الاتحاد الأوروبي الفائض المتاح، أي الكميات التي لم يتم صيدها من قبل السفن المغربية بهدف الحفاظ على مخزون الأسماك وضمان استدامتها، وبإمكان المغرب منع صيد أصناف أخرى بشكل مؤقت حسب وفرة المخزون.
ويُرجِّح حسن السنتيسي، رئيس الجامعة الوطنية لصناعات تحويل وتثمين السمك (تجمع للشركات العاملة في قطاع الصيد البحري)، أن يتم توقيع اتفاق جديد بين المغرب والاتحاد الأوروبي على أن يتم تقليص عدد السفن وزيادة التعويض المالي مع اشتراط إفراغ كامل الكمية المصطادة في المغرب لتوفير مناصب الشغل محلياً.
كما يرى الحديكي، في حديث لـ"اقتصاد الشرق"، أنه بـ"النظر للعلاقات المتشعبة بين المغرب مع الاتحاد الأوروبي فإنه من الضروري أن تجرى مفاوضات ونقاشات للوصول إلى اتفاقات، ولا يقتصر الأمر على الصيد البحري بل يمتد ذلك إلى ملفات أخرى من أهمها الهجرة غير الشرعية"، فغالباً ما يختار المهاجرون من دول جنوب الصحراء المغرب محطة عبور إلى الأراضي الأوروبي.
يؤكد السنتيسي، وهو أيضاً رئيس جمعية المصدرين المغاربة، أن الواقع يفرض أن تكون العلاقات جيدة بين المغرب والاتحاد الأوروبي لأن الأمر يتعلق بشريكين مهمين، وزاد قائلاً: "لا أرى أي مانع لتجديد الاتفاق، لكن ذلك سيكون بشروط أفضل لصالح المغرب لأنه في موقع قوة مقارنة بالسابق ما دام أن هناك عدة دول ترغب في الظفر بالاتفاقية".