يَفرِض الموعد الذي حددته المملكة العربية السعودية للشركات العالمية لتأسيس مراكزها الإقليمية في الرياض بحلول عام 2024 (كشرط مسبق في حال رغبت في التعامل مع عطاءات حكومية) على هذه الشركات الحاجة إلى اتخاذ قرار سيحدّد تعزيز فرصها الاستثمارية في المملكة من عدمه.
وتعني التكاليف المرافقة لهذه التبعات، والتغييرات في السياسة والأحكام القانونية ذات العلاقة، أن الشركات ستحتاج إلى تقييم مخاطر تأسيس مقار إقليمية في السعودية، مقابل الحوافز المحتملة التي وعد بها وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في ظل الإصلاح الاقتصادي.
عملاق نائم يستيقظ
وأعلنت المملكة العربية السعودية الاثنين الماضي، أنها ستمنح العقود الحكومية فقط للشركات الدولية التي لها مراكز إقليمية في البلاد وعزت ذلك إلى الحاجة إلى وقف "التسرب" الاقتصادي.
ولم تعلن السعودية تفاصيل كثيرة لتوضيح هذا القرار رسمياً، مما أدى إلى إثارة نوع من عدم اليقين بين الشركات، ليقول عدد من المسؤولين التنفيذيين الإقليميين لشركات عالمية، إن ذلك القرار قد يعقّد التعاملات مع أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم.
وذهب بعض رجال الأعمال إلى وصف المملكة العربية السعودية بأنها "عملاق نائم آخذٌ في الاستيقاظ"، وأن "لديها سوقاً استهلاكية تبلغ ثلاثة أضعاف حجم دولة مثل الإمارات العربية المتحدة، ومشاريع ضخمة من المقرر تنفيذها بمئات المليارات من الدولارات، ومجتمعاً شبابياً يتجاوب بسرعة مع المتغيرات، بخلاف الأجيال المحافظة قبل 5 أعوام وأكثر".
وقال أحد المديرين بشركة متعددة الجنسيات مقرها الرئيسي دبي، إن "الشركات تدرك أن التيار السياسي يمكن أن يتحول بسرعة في المملكة العربية السعودية".
وأضاف المدير، الذي تحدث مثل الآخرين بشرط عدم الكشف عن هويته لما اعتبره "حساسية الموضوع"، أن عدم وجود سند قانوني لدى الشركات يجعلها عرضة للخطر، لأن الفوز بمعظم العقود يأتي عن طريق الدولة، لذا قد يكون الصعب مطاردة الأموال غير المدفوعة.
وعانت المملكة العربية السعودية انخفاضاً متزامناً في الإيرادات النفطية وغير النفطية، إذ اقترن الوباء العالمي بانخفاض أسعار الطاقة، مما أثر في الاوضاع المالية بالمملكة.
وتبدو الشركات العالمية وقد قفزت عن أزمات مثل حملة الاعتقالات التي سبق وشهدتها المملكة العربية السعودية (عام 2017) بحق رجال الأعمال وأفراد العائلة المالكة في ما عُرِف بـ"الحملة ضد الفساد"، وأزمة مقتل الصحافي المعارض جمال خاشقجي عام 2018. إلا أن التحولات في القوانين من مضاعفة ضريبة القيمة المضافة ثلاث مرات على نحو مفاجئ سبّبَت على ما يبدو حالة من عدم اليقين، لا سيما وأنها تزيد أعباء التكاليف.
التجاوز والحوافز
ويشعر المسؤولون السعوديون بالإحباط من الاستشاريين والمديرين التنفيذيين العاملين في المشاريع السعودية الذين لا يتخذون من الرياض مقراً لهم.
وقال رايان بوهل، محلل شؤون الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأمريكي "ستراتفور"، إن "الأمر بمثابة مزيج من الإحباط وصعوبة تحقيق هذا الهدف".
وأضاف: "سيكون من الصعب إقناع الشركات متعددة الجنسيات والشركات العملاقة في المنطقة بالانحياز إلى جانب واحد"، وتوقع أن تقدّم الرياض استثناءات وتوفّر سبلاً للشركات للعمل في كلا المقرين (داخل المملكة وخارجها).
وكشف عرض حكومي سعودي للمستثمرين اطّلعت عليه "بلومبرغ" أن المسؤولين يعملون على إقرار "حزمة حوافز جذابة" لمركز الملك عبد الله المالي في الرياض، المقرر أن يصبح منطقة اقتصادية خاصة.
والمركز بمثابة واجهة الرياض للأعمال، ومعلم جديد ومهمّ في قلب العاصمة، ويتميز بتنوُّع خدماته وتصاميمه.
ويحتوي المركز على أبراج سكنية ومكاتب عمل، ومناطق ترفيهية، وله بنية تحتية مميزة تشمل مواقف للسيارات تحت الأرض وجسوراً مظلَّلة للمشاة وكذلك مترو يوصّل المركز بعضه ببعض.
ومع مراعاة الموافقة النهائية، تشمل الحوافز الجاذبة حصول الشركات على إعفاء لمدة 50 عاماً من الضريبة بنسبة 20%، والتغاضي عن القواعد المتعلقة بتعيين السعوديين لمدة 10 سنوات على الأقل.
وتناول العرض السعودي الإعفاءات المحتمَلة للقوانين السعودية بناء على احتياجات المستثمرين وتسهيل نظام تصاريح العمل.
وحذّر رجل أعمال مقيم في دبي من أن الإمارة يجب أن لا تستهين برغبة الشركات في ملاحقة الأموال والفرص (أينما وُجدت).
وتعني الخطط السعودية أن دبي يجب أن تكون مبدعة وأن تتوقف عن الاعتماد على "نموذج فرض الرسوم" وأن تعيد النظر في تكاليف الإقامة وتنفيذ أعمال تجارية فيها.
وتأخذ الإمارات العربية المتحدة التحدي الإقليمي على محمل الجد، وأجرت إصلاحات لمحاولة جذب الأجانب والاحتفاظ بهم، في الوقت الذي يهاجم فيه وباء كورونا قطاعَي السياحة والخدمات اللوجستية.
الحلول البديلة
وقال المسؤولون التنفيذيون في عديد من الشركات الدولية إنهم يسعون إلى حلول بديلة.
وقال مدير في شركة أغذية عالمية مقرها الإقليمي في دبي، إن بمقدور شركته توفير مركز ثانٍ للشرق الأوسط في الرياض، أو مطالبة الشركاء السعوديين المحليين بالعمل تحت مظلتها.
وقال مسؤول تنفيذي بشركة عاملة في مجال الإعلانات، إن الشركة تعتزم فتح مقر بالسعودية، بفضل مزيد من العمل مع إبقاء دبي مكتباً إقليمياً.
وخلال فاعليات الدورة الرابعة من "مبادرة مستقبل الاستثمار" في السعودية الشهر الماضي، قالت 24 شركة عالمية، من بينها "ببسيكو" و"بوش" (Bosch) (شركة ألمانية متعددة الجنسيات للهندسة والتكنولوجيا)، إنها وقّعت اتفاقيات أولية لتأسيس مقارّ إقليمية في الرياض، على الرغم من أنها تنتظر التفاصيل قبل تأكيد الالتزامات.
وقال نونو جوميز، رئيس قسم التوظيف لمنطقة الشرق الأوسط، في شركة "ميرسر للاستشارات": "من المحتمل أن يمثّل الزمن خلال السنوات الثلاث (حتى موعد 2024) تحولاً كبيراً للشركات"، ويقدر أن تبلغ التكاليف الإضافية لفتح مكتب إقليمي في الرياض 15%-25%.
ويدرك المسؤولون السعوديون حجم التحدي، ويُدخِلون تغييرات مثل الإصلاح المنظم للقضاء، فيما تنتشر الشائعات (بين الأجانب) إلى درجة الإشارة إلى إمكانية تخفيف الحظر وتناول المشروبات الروحية.
وقال فهد الرشيد، الرئيس التنفيذي لـ"الهيئة الملكية لمدينة الرياض"، في مقابلة: "نحتاج أيضاً إلى توفير بيئة معيشية رائعة للوافدين، لذلك يجب أن تكون الزوجة قادرة على العمل، ويحتاج الأطفال إلى تلقّي التعليم في أفضل المدارس الدولية، وهذا أمر متوافر لدينا، ونعمل على تطويره".