نما الاقتصاد الياباني بوتيرة أسرع من المتوقَّع مع تعزيز الشركات للإنفاق، وهو تطور إيجابي إلى حد بعيد بالنسبة إلى رئيس الوزراء فوميو كيشيدا في ظل التكهنات المستمرة بأنَّه قد يدعو إلى انتخابات مبكرة.
أظهرت أرقام معدلة أصدرها مكتب مجلس الوزراء اليوم الخميس، أنَّ الناتج المحلي الإجمالي نما بمعدل سنوي 2.7% في الربع الأول مقارنة بالربع السابق له. وتفوق هذه الأرقام قراءةً أوليةً بلغت 1.6%، وكذلك توقُّعات اقتصاديين تبلغ 1.9%. وأظهرت البيانات المعدلة أيضاً أنَّ اليابان تجنبت الركود من الناحية الفنية في نهاية العام الماضي. والركود الفني هو تسجيل انكماش الناتج المحلي الإجمالي لربعين متتاليين.
معنويات قوية رغم التباطؤ العالمي
يشير ضخ الشركات للمزيد من الاستثمارات إلى أنَّ معنوياتها ما تزال قوية برغم المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي. لكنَّ الأخبار الأقل إيجابية تفيد أنَّ أرقام النمو اكتسبت دفعة جيدة من المخزونات المتضخمة التي تشير إلى عدم مواكبة الطلب للإنتاج، وهو ما يدعو إلى القلق مستقبلاً. كما أثبت إنفاق المستهلكين أنَّه أضعف قليلاً مما كان متوقَّعاً في البداية.
يأتي النمو الأقوى من المتوقَّع مصحوباً بارتفاع الأسهم قرب أعلى مستوياتها منذ أكثر من ثلاثة عقود، وهي عوامل قد يشير إليها كيشيدا إذا قرر إجراء اقتراع مبكر. وربما تمنع أحاديث الانتخابات بنك اليابان من تعديل سياسته النقدية عندما يجتمع الأسبوع المقبل.
قال شينيتشيرو كوباياشي، كبير الاقتصاديين في "ميتسوبيشي يو إف جيه ريسيرش آند كونسلتنغ (Mitsubishi UFJ Research and Consulting): "سينظر كيشيدا إلى الوضع الاقتصادي الحالي وليس السابق. فانتعاش الاقتصاد الياباني يكتسب زخماً في الآونة الأخيرة.. ربما يفكر كيشيدا في إجراء انتخابات مبكرة للاستفادة من الشعور المتزايد بالأمل حالياً".
أظهر استطلاع أجرته شبكة "جيه إن إن" (JNN) هذا الأسبوع أنَّ شعبية حكومة كيشيدا بلغت 46.7%، وهي نسبة أعلى بكثير من مستويات سابقة هذا العام، وجاءت بعد قمة مجموعة السبع التي لقيت استحساناً بشكل عام الشهر الماضي.
يسعى ثالث أكبر اقتصاد في العالم جاهداً للحاق بنظرائه بعد إنهاء الحكومة قيود كوفيد-19، وعودة السياح الأجانب بأعداد كبيرة. كما أنَّ القراءة الأخيرة للناتج المحلي الإجمالي، تحدّ أيضاً من المخاوف من أنَّ الاقتصاد العالمي المتباطئ قد يؤثر على معنويات الاقتصاد الياباني القائم على التصدير.
رأي "بلومبرغ إيكونوميكس"
"بالنظر إلى المستقبل؛ نتوقَّع تباطؤ النمو في الربع الثاني من 2023. من المرجح أن يؤدي ضعف الطلب الخارجي إلى إبطاء وتيرة الصادرات، وإضعاف استثمار الشركات. من المحتمل أيضاً أن يؤدي التضخم وانخفاض الدخل الحقيقي إلى الحد من التعافي في الإنفاق الاستهلاكي".
تارو كيمورا، خبير اقتصادي
عوامل مثيرة للقلق
على الرغم من الأرقام الجيدة الأخيرة؛ ما يزال الناتج الاقتصادي الحقيقي لليابان أقل من المستويات المسجلة في نهاية الربع الثالث من عام 2019، قبل أن ترفع اليابان ضريبة المبيعات قبيل ظهور جائحة كورونا. كما ما يزال الاستهلاك الخاص وإنفاق الشركات أقل من هذه المستويات.
كان الخبير الاقتصادي يوشيماسا ماروياما في "إس إم بي سي نيكو سيكيوريتيز" (SMBC Nikko Securities) أكثر تشككاً في أنَّ الأرقام المعلنة اليوم الخميس إيجابية بالنسبة إلى كيشيدا، نظراً لمقدار المخزونات الذي أسهم في تعديل أرقام الناتج المحلي الإجمالي بالرفع.
وقال: "لا أعتقد أنَّ معدل النمو سيؤثر على توقيت الانتخابات. كيشيدا ليس في عجلة من أمره على ما يبدو، ومن المرجح أن يدعو إلى انتخابات في الخريف لإجرائها قبل اكتمال الميزانية في نهاية العام. وحتى لو طال انتظاره قليلاً، فلن تتمكن أحزاب المعارضة من إحداث فرق من حيث الاستعداد".
من الممكن أنَّ تباطؤ النمو العالمي ما يزال يضغط أيضاً على تعافي اليابان، حيث تظهر البيانات الواردة من الصين تلاشي القوة الدافعة للانتعاش الذي تحقق بعد إزالة قيود كورونا.
من الآن فصاعداً، سيمثل التفاعل بين التضخم والأجور العامل الرئيسي في الوقوف على مدى استدامة الانتعاش الحالي، وما إذا كان بنك اليابان سيغير سياسته النقدية الشديدة التيسير. فقد أظهرت بيانات أبريل أنَّ الأجور ارتفعت دون المتوقَّع، واستمرت في الانخفاض بعد حساب التضخم، مما يعني أنَّ الأسعار المرتفعة ربما تبدأ في التأثير على الاستهلاك.
ربما بدأ هذا التأثير في الظهور بالفعل، بالنظر إلى أنَّ إنفاق الأسر في أبريل انخفض أيضاً أكثر من المتوقَّع عن العام السابق.
تفاصيل الناتج المحلي الإجمالي
· ارتفع الاستهلاك الخاص بوتيرة غير سنوية 0.5% مقارنة بالربع السابق من تقديرات أولية بزيادة نسبتها 0.6%.
· نما الإنفاق الرأسمالي 1.4% مقابل زيادة أولية 0.9%.
· شطب صافي الصادرات 0.3 نقطة مئوية من معدل النمو، دون تغيير عن القراءة الأولية.
· أضافت المخزونات 0.4 نقطة مئوية للنمو من قراءة أولية 0.1.
توقعات متشائمة
تنذر القوة الدافعة المحدودة للأجور بالسوء لكيشيدا، لأنَّه يهدف إلى زيادة مستدامة في الرواتب. كما يُنظر إلى الأجور على أنَّها مؤشر رئيسي لاتجاه سياسة بنك اليابان.
يتوقَّع الاقتصاديون أن يستمر الاقتصاد في النمو وإن كان بوتيرة أبطأ في الربع الثاني. أظهرت أحدث الأرقام أنَّ اليابان تجنبت الركود الفني في نهاية 2022، لكنَّها استمرت في التناوب بين النمو والانكماش. ومنذ بداية 2021؛ انكمش الاقتصاد الياباني في أربعة من أصل تسعة أرباع سنوية.
قال كوباياشي من "يو إف جيه ميتسوبيشي": "من المتوقَّع استمرار النمو الإيجابي. مبعث القلق الوحيد هو أنَّ بعض أرقام أبريل، مثل إنفاق الأسر والأجور، لم تكن جيدة جداً. ربما لا يكون الانتعاش الاقتصادي من أبريل إلى يونيو قوياً كالمتوقَّع".