تتجه المنافسة الاقتصادية بين الصين وروسيا في آسيا الوسطى، نحو معادلة جديدة بالنسبة إلى كازاخستان، التي تتوقع أن تتصدر جارتها الشرقية قائمة شركائها التجاريين، حيث تغيّر العقوبات الدولية المفروضة بسبب غزو الكرملين لأوكرانيا، من واقع وحركة التجارة.
على مدى أكثر من 3 عقود منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، حافظت روسيا على مكانتها بوصفها أكبر شريك تجاري لكازاخستان، رغم أن الصين أحرزت خلال تلك الفترة تقدماً في معظم أنحاء المنطقة الممتدة من بحر قزوين إلى منشوريا.
لكن العقوبات المالية والاقتصادية التي عزلت روسيا وقيّدت تجارتها، تشكل فرصة بالنسبة إلى الصين.
قال سيريك زومانغارين، نائب رئيس وزراء كازاخستان ووزير التجارة والتكامل، إن الأمر سيستغرق بضعة أعوام قبل أن تزيح الصين روسيا عن الصدارة.
أشار زومانغارين في مقابلة بالعاصمة أستانا، إلى أن "الفضل في نمو التجارة يعود إلى الصين". وتوقع أنه مع حلول عام 2030، ستكون أحجام تجارة كازاخستان مع الصين أعلى من تجارتها مع الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة.
آسيا الوسطى
على مدى قرون، شكلت آسيا الوسطى بوابة لتجارة الصين مع أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط، وهي تشكل حالياً حلقة وصل بين المصالح المتنافسة على نطاق واسع، بدءاً من واشنطن ووصولاً إلى موسكو وبكين.
اختار الرئيس الصيني شي جين بينغ في العام الماضي كازاخستان وأوزبكستان كمحطتين في أول جولة خارجية له منذ تفشي وباء فيروس كورونا. كما كثفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من عمليات التواصل مع هذين البلدين.
لكن، في الوقت الذي تعيد فيه دول عديدة، من إيطاليا إلى أستراليا، النظر بعلاقاتها مع الصين، ربما يكون الابتعاد عن ثاني أكبر اقتصاد في العالم أمراً صعباً بالنسبة إلى دول آسيا الوسطى، والتي تضم أيضاً تركمانستان وطاجيكستان وقيرغيزستان.
خروج الشركات من روسيا يعطي دفعة لاقتصادات آسيا الوسطى
زاد حجم تجارة كازاخستان مع الصين بمقدار الثلث تقريباً العام الماضي ليقترب من 24 مليار دولار. ما زال هذا الرقم أقل بملياري دولار من حجم التجارة مع روسيا التي نمت بأكثر من 6% بقليل خلال 2022، بحسب مكتب الإحصاء الوطني في كازاخستان.
رفض رئيس كازاخستان، قاسم جومارت توكاييف، الذي يجيد التحدث باللغة الصينية وعمل في فترة من الفترات دبلوماسياً لدى الصين، مساندة روسيا في الغزو الذي وقع بعد أسابيع فقط من احتياجه إلى قوات أرسلها له الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوقف أعمال شغب تسببت في حالات قتل في أوائل 2022.
لكن، ورغم تأكيد كازاخستان على التزامها بالقيود المفروضة على روسيا والمرتبطة بالحرب، فإنها تعارض حملة العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية. وقد شهدت تجارتها مع روسيا نمواً منذ بدء الهجوم على أوكرانيا في فبراير 2022. وإلى جانب دول أخرى مثل تركيا والإمارات العربية المتحدة، تعرضت كازاخستان لعلمية تدقيق من الحكومات الغربية تتعلق بتسهيل تصدير شحنات البضائع المحظورة.
.
خارج النطاق
قال زومانغارين: "لا نقع في نطاق العقوبات، ولا ندعمها، لا سيما ضد كبار شركائنا التجاريين، لكننا ممتثلون لهذه العقوبات وسنستمر بهذا الامتثال، وهذه سياسة اقتصادية محضة".
تُعتبر أكبر دولة غير ساحلية في العالم، المنجم الأكبر في العالم لتعدين اليورانيوم، كما أنها أكبر منتج لسلع على غرار الفروكورم. أشار زومانغارين إلى أن توافر نقطة عبور تشبه "الهواء النقي"، يُعد مصدر الحياة لقطاعي التعدين والمعادن في كازاخستان.
مشترو اليورانيوم ينتقلون من روسيا إلى أكبر شركة كازاخستانية
بالنسبة إلى كازاخستان، شكلت روسيا منذ أمد بعيد منفذاً للوصول إلى العالم الخارجي، وهو ما منحها الوصول إلى النقل البحري، ووفر لها نقطة دخول إلى سوق أكبر للغاية بفضل القيود التجارية المنخفضة وخطوط الإمداد الراسخة.
يتمتع البلدان بعضوية اتحاد جمركي، ويتشاركان في ثاني أطول حدود على مستوى العالم بعد الحدود الأميركية الكندية، إذ ينقل خط أنابيب مرتبط بميناء نوفوروسيسك الروسي 80% تقريباً من صادرات النفط الكازاخية.
بدأت تقديرات كازاخستان للموقف تتغير في أعقاب الغزو.
نوّه زومانغارين إلى أن حركة البضائع عبر روسيا باتت أكثر صعوبة، وفقدت بعض شركاتها الخاضعة للعقوبات القدرة على تلقي المواد الخام الكازاخية. وأضاف أنه مع تركيز منتجين روس أكثر على السوق المحلية، فإنهم ينافسون الصادرات الكازاخية.
رغم نمو إجمالي التجارة مع روسيا خلال الربع الأخير بنسبة 10% عل أساس سنوي، بحسب زومانغارين، فإن التداعيات المتتابعة للعقوبات اضطرت كازاخستان إلى التكيف عن طريق البدء في إعادة تصدير سلع أكثر وتعظيم الإنتاج المحلي.
الاتجاه شرقاً
في ظل التضييق على فرص التجارة مع روسيا، تتجه كازاخستان شرقاً نحو الصين، وعبر بحر قزوين إلى إيران، ثم إلى منطقة الخليج والهند وخارجها. قال زومانغارين إن "الاتجاه نحو الصين يمثل أولوية".
خلال اجتماع الشهر الماضي مع الرئيس الصيني خلال القمة الحضورية الأولى لزعماء آسيا الوسطى في الصين، وضع توكاييف هدفاً لمضاعفة التجارة مع الصين تقريباً لتصبح 40 مليار دولار بحلول عام 2030.
أوضح زومانغارين أن الشركات الصينية بدأت بالفعل تجميع السيارات في كازاخستان، والتي يُتوقع أن تلحق بها علامات تجارية أخرى للسيارات على غرار "شيري" قريباً.
في الوقت ذاته، شرعت كازاخستان في شحن الحبوب إلى الصين، وأطلقت حالياً محادثات حول تصدير اللحوم إليها. وذكر زومانغارين أنه علاوة على محطتي سكك حديدية تربطان كازاخستان بالصين، فإن بلاده تبني محطة أخرى وتخطط لخط رابع.
أولت الصين أيضاً اهتماماً بفتح ممر تجاري عبر كازاخستان يمتد من جنوب شرق آسيا إلى جورجيا في منطقة القوقاز، ما أتاح نقطة انطلاق للوصول إلى بلدان أوروبا. بحسب زومانغارين، فإن مسار النقل عبر بحر قزوين سيستوعب بعضاً من البضائع المحولة من روسيا، بالإضافة إلى حركة تجارية إضافية.
أشار زومانغارين إلى أن بلاده تعمل في الوقت الحالي على تنويع الإمدادات في مجال شحنات خام الحديد المرسلة إلى الصين، وتجري محادثات لتوريد بعض المنتجات إلى أوروبا، خصوصاً تلك التي لم تعد روسيا تمثل وجهتها الرئيسية.
ينبغي على كازاخستان العمل بحرص وتوازن مخافة التعرض لعقوبات.
قال زومانغارين: "إذا فُرضت عقوبات على كازاخستان، فقد لا تتحمل الضغوط، وهي لن تسمح بأن تكون منطقة للتهرب من العقوبات".