في الآونة الأخيرة أدلى وزير المالية التركي المعين حديثاً، محمد شيمشك، بتصريحات مشجعة سيكون لها صدى جيد لدى من يأملون في استقرار وضع تركيا المالي، وإطلاق العنان لإمكاناتها الاقتصادية الكبيرة.
السؤال الآن، هل سيحظى شيمشك بالوقت والسلطة اللازمين لتحويل أقواله إلى أفعال مستدامة؟ فرغم أنه من البديهي توفير الاثنين له، لكن لا توجد ضمانات. ونجاح جدول أعمال شيمشك يتوقف على صبر السوق، وثقة السوق المحلية فيه، ومساعدة الخارج له، والأهم من ذلك، الدعم المستمر من جانب الرئيس رجب طيب أردوغان.
التوقف عن تحدي المنطق الاقتصادي
أوضح شيمشك موقفه منذ بداية تعيينه، مؤكداً أن وضع السياسات في تركيا يجب أن يتوقف عن تحدي المنطق الاقتصادي والمالي. وأشار إلى أن الدولة "ليس لديها خيار سوى العودة إلى أساس عقلاني"، مصرحاً بأن "الشفافية والاتساق والقدرة على التنبؤ والامتثال للمعايير الدولية ستكون مبادئنا الأساسية في تحقيق هدف زيادة الرفاه الاجتماعي".
تتمتع هذه التصريحات بأهمية كبيرة لأنها جاءت من تكنوقراطي يحظى باحترام كبير، وعلى دراية جيدة بأحوال وزارة المالية، فقد سبق له وأن شغل المنصب نفسه، وكان ذات يوم محل ثقة كبيرة ارتقت به إلى منصب نائب رئيس الوزراء. كما أنه يقدم بصيص أمل لعملة تشهد انخفاضاً فوضوياً في قيمتها، واحتياطيات دولية متضائلة، ما أدى إلى مواجهة تركيا عجزاً في الموازنة.
فضلاً عن ذلك، فإنه يقدم رسالة طمأنة لمن يدركون الحاجة الملحة لمواصلة خفض التضخم المرتفع باستمرار، والذي يؤثر بشكل غير متناسب على الفقراء.
خفض التضخم لخانة الآحاد الهدف الأول لوزير مالية تركيا الجديد
إن تركيز شيمشك على استقرار الاقتصاد الكلي ليس صحيحاً فحسب، وإنما أيضاً طال انتظاره. فبدونه ستجد تركيا نفسها على شفا هاوية اقتصادية ومالية، ووقتها قد لا يكفي حتى الدعم المستمر من الدول الصديقة لمنع حدوث أزمة.
في الأسابيع القليلة الماضية تفاقم ضعف تركيا المالي جراء استخدام الحكومة المتزامن لاحتياطيات محدودة من العملات الأجنبية لوقف نزيف الليرة، وتمويل الواردات، ودعم أسعار السندات الخارجية (اليوروبوند). علاوة على ذلك، فإن الإقبال المتزايد على السوق الموازية يجعل النظام المصرفي أكثر عرضة لمزيد من الدولرة واحتمال تخارج الودائع.
أمل تركيا في الصبر والدعم
الأمل الأكبر لتركيا الآن يكمن في منح الأسواق المالية المحلية والخارجية شيمشك الوقت لإعداد وتنفيذ مجموعة شاملة من تدابير استقرار الاقتصاد الكلي، وذلك من خلال عدة أمور على رأسها: زيادة ضبط أوضاع المالية العامة، والإصلاحات الهيكلية الداعمة للنمو والمعززة للإنتاجية، وتقليل الاعتماد على القيود المؤقتة التي تستهدف علاج مشكلة معينة وليس الوضع بشكل عام.
سيكون لهذه الإجراءات تأثير أكبر إذا اقترنت باستعادة البنك مركزي قدرته على اتخاذ قراراته على نحو مستقل، وأن يكون راغباً في تنفيذ سياسة عقلانية في أسعار الفائدة.
يتوقف منح هذا الوقت الحاسم على ثقة السوق في قدرة تركيا على الحصول على مساعدات خارجية إضافية والحفاظ على الثقة في ودائع نظامها المصرفي، والأهم من ذلك، على استعداد أردوغان لمنح وزير ماليته الحرية اللازمة للتصرف. ولا عجب إذا نفد صبر السوق لو عارض أردوغان علناً مقترحات شيمشك.
الاقتصاد التركي ينمو 4% في الربع الأول متجاوزاً التوقعات
أيضاً لا بد لشيمشك أن يتجنب السير على خطى دومينغو كافالو، الذي شهدت عودته كوزير للاقتصاد الأرجنتيني في 2001 اضطرابات وقلاقل. فعلى الرغم من الإشادة بإنجازات كافالو السابقة في المنصب نفسه قبل سنوات -بما في ذلك نجاحه في الحد من التضخم وتنفيذ إصلاحات ضريبية وتعزيز الإنتاجية- إلا أن فترته الثانية انتهت بوقوع الأرجنتين في براثن كساد مدمر وتخلفها عن سداد الديون.
لذلك ينبغي لتركيا أن تنتبه لهذا التحذير الذي تمثله هذه الواقعة، والتأكد من أن التاريخ لا يعيد نفسه. وبينما يواجه شيمشك تحديات كبيرة، لديه القدرة على توجيه بلاده نحو الاستقرار والنمو مع تجنب المطبات التي عرقلت كافالو والأرجنتين.
إمكانات كبيرة
يملك الاقتصاد التركي إمكانات هائلة غير مستغلة، منها الروابط التجارية القوية والمتنوعة، والقطاع الخاص النشط، والسوق المحلية الكبيرة، ونطاق متسع لمزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر.
إن تعيين أردوغان لشيمشك بقصد إطلاق العنان لهذه الإمكانات من خلال العودة إلى سياسات اقتصادية ومالية أكثر منطقية ليس كافياً لإشباع آمال تركيا؛ بل يتوجب على الرئيس التركي أيضاً تقديم الدعم اللازم لوزير المالية حتى ينفذ هذه الرؤية.