تعزز أسعار التذاكر المرتفعة الوضع المالي لكبرى شركات الطيران في العالم، مما يداوي "جراحاً اقتصاديةً" عانت منها أثناء توقف حركة السفر إبان جائحة كورونا. ولكن مع انطلاق الصناعة، تقول المطارات إنها تعاني مصاعب جمةً.
سيكون الطيران أكثر كلفة هذا الصيف، وفقاً لشركة خدمات السفر "أميركان إكسبريس غلوبال بيزنس ترافيل"
(American Express Global Business Travel)، التي حللت عشرات الآلاف من معاملات العملاء على الرحلات الدولية من الوجهات الآسيوية وإليها. تكلف الرحلة من نيويورك إلى هونغ كونغ في الدرجة الاقتصادية في العام الجاري أكثر من ضعف ما كانت عليه في 2019، وأزيد بنحو الثلث عن العام الماضي.
أرباح قياسية لشركات الطيران
حققت شركات الطيران الكبرى، التي تشارك في الاجتماع السنوي للاتحاد الدولي للنقل الجوي هذا الأسبوع، انتعاشاً سريعاً. فقد زادت الأسعار بسبب السعة المحدودة مع دخول موسم ذروة السفر وحرص العملاء على الحجز، والذي يدفعهم لشراء تذاكر في درجات أعلى ثمناً إن لم يجدوها في الأقل. سجلت شركة "آي إيه جي" (IAG) المالكة لــ"بريتيش إيروايز" (British Airways) أرباحاً فصلية مفاجئة الشهر الماضي ورفعت توقعاتها للعام بأكمله.
أعلنت "طيران الإمارات" التابعة لحكومة دبي و"سينغابور إيرلاينز" (Singapore Airlines) عن تحقيق أرباح قياسية، بينما "كانتاس" (Qantas ) الأسترالية في طريقها لتحذو حذوها.
"طيران الإمارات" تنتقل من خسائر كورونا إلى أرباح قياسية
قال محلل "بلومبرغ إنتليجنس" دينيس وونغ: "لقد استفادت شركات الطيران بشكل غير عادي من نقص السعة الذي عزز سعر التذاكر".
في المقابل، لا تزال المطارات تعاني، إذ تفتقر إلى المرونة نفسها لرفع أسعار الرسوم والتعريفات التي هي إما ثابتة أو خاضعة لقواعد تنظيمية أو مفاوضات تجارية. حذّر مطار هيثرو في لندن، القاعدة الرئيسية لشركة "بريتيش إيروايز"، من الخسائر المستمرة التي قد تمنع توزيع مدفوعات الأرباح لحملة أسهمه.
كما دخل مطار دبلن في صراع مع الهيئات التنظيمية وشركات الطيران بشأن زيادة الرسوم التي يمكن أن يفرضها على شركات الخطوط الجوية. دأبت شركة "رايان إير هولدنغز" (Ryanair Holdings) الايرلندية منخفضة التكلفة، وهي مستأجر رئيسي للمطار، على التهديد بالمغادرة بسبب هذه التكاليف. كما قلصت الشركة عملياتها في ألمانيا، قائلة إن رسوم المطارات المرتفعة هناك تجعل العمليات غير مستدامة في مطارات مثل فرانكفورت.
المطارات تعاني
تقول المطارات إن تفاوت دخلها يعوق الاستثمار، بعد أن تسبب نقص الموظفين وغيرها من المعوقات في إفساد عطلات العديد من المسافرين الصيف الماضي. ومن توسعة المحطات والمدارج إلى التحول للعمل بالكهرباء بدلاً من وقود الديزل وتركيب أجهزة مسح متطورة، تواصل المطارات ضخ الموارد في منشآتها.
قال مجلس المطارات الدولي لمنطقة آسيا والمحيط الهادي، وهو مجموعة تجارية تمثل 132 شركة عبر 623 منشأة في آسيا والشرق الأوسط، "الزيادة الحادة في أسعار تذاكر الطيران تعوق تعافي النظام البيئي للطيران بأكمله". ويُمني العديد من أعضاء المجلس بخسائر منذ 10 فصول متتالية. وقال المجلس إنه يريد من شركات الطيران "تحديد أسعار مسؤولة وعادلة" تدعم تعافي السفر ومصالح المستهلكين.
السعودية تخطط لبناء مطار ضخم تلبية لطموحاتها السياحية
اشتدت الخلافات المتكررة على رسوم الهبوط بالمطار في أعقاب كوفيد-19. وتلقت شركات الطيران المزيد من الدعم المالي المباشر أثناء الجائحة، ولديها الآن الحرية في رفع الأسعار بسرعة.
يضغط المدير العام للاتحاد الدولي للنقل الجوي "إياتا" ويلي والش، بشدة لمنع زيادة الرسوم من تعريض انتعاش حركة السفر للخطر.
خلاف بين الناقلات والمطارات
يسعى مطار هيثرو للحصول على دعم من هيئة الطيران المدني في بريطانيا لرفع الرسوم، قائلاً إن أي زيادة في التكاليف ينبغي ألا يتحملها المسافرون، وإنما تقاسمها بين شركات الطيران والمطار.
قال منتقدو الرسوم المرتفعة، مثل "فيرجن أتلانتيك" (Virgin Atlantic) ، إن مثل هذه الخطوة لن تفيد إلا المساهمين الأجانب في المطار، وتمثل صفقة سيئة للمستهلكين وشركات الطيران.
زادت حدة الخلاف بين المطارات وشركات الطيران العام الماضي عندما فرض مطار هيثرو حداً أقصى قدره 100 ألف راكب مغادر يومياً خلال جزء كبير من جدول رحلات الصيف وسط نقص في العمال. أثارت هذه الخطوة غضب شركات الطيران، بما في ذلك "طيران الإمارات"، التي تسير نحو 6 طائرات إيرباص "إيه 380" إلى العاصمة البريطانية كل يوم وقالت في يوليو إن مطار هيثرو اختار عدم التحرك والتخطيط والاستثمار.
"إياتا": مطار هيثرو فشل في تقديم الخدمات الأساسية وتحقيق أمن المسافرين
قالت مابل كوان، العضو المنتدب في شركة "ألتون" (Alton) لاستشارات الطيران ومقرها سنغافورة: "هناك دائماً نوع من التوتر بين الاثنين، وهو أمر معتاد في العلاقة بين المورد والعميل". أضافت أن شركات الطيران عميل قوي للغاية من وجهة نظر تفاوضية، وزيادات الرسوم حساسة سياسياً واجتماعياً.
تحقق المطارات أيضاً إيرادات من الإيجارات التجارية والإعلانات وغيرها من البنود والعناصر الأخرى التي تعتمد على أعداد المسافرين، والتي تباينت عبر الانتعاش العالمي.
صيف قياسي
في خلفية الصراع تقع ذروة موسم سفر بدأت للتو- وفي بلدان آسيوية مثل الصين، رُفع الحظر عن الرحلات الدولية في الآونة الأخيرة بعد التخلي عن قيود كوفيد. عقدت شركات الطيران والمطارات ومقدمو الخدمات الأرضية اجتماعات وزادوا وتيرة التوظيف لتجنب الاضطرابات التي حدثت في أوروبا والولايات المتحدة العام الماضي.
ومهما يكن من أمر، سيدفع المسافرون أكثر. فقد أظهر تحليل أجرته "أميكس جي بي تي" (Amex GBT) أن ركاب الدرجة الاقتصادية ورجال الأعمال على الطرق الأكثر طلباً يواجهون ارتفاعاً في الأسعار هذا العام.
توقع جيريمي كويك، المستشار الرئيسي لممارسات الطيران العالمي لشركة "أميكس جي بي تي" أن تستمر أسعار تذاكر الطيران في الارتفاع هذا الصيف. قائلاً "مستوى الزيادات سيكون معتدلاً قليلاً مع استمرار تعافي قدرة شركات الطيران في النمو خلال النصف الثاني من 2023".