تضغط الحكومات الأوروبية الكبرى على الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) ومحطات البث التلفزيوني العامة للتوصل في اتفاق حول حقوق بث كأس العالم للسيدات، حيث يهدد ذلك النزاع باحتمال وقف بث المونديال في أكبر أسواق كرة القدم العالمية.
من المقرر إقامة البطولة نهاية يوليو المقبل في أستراليا ونيوزيلندا، لكن الاتحاد الدولي لكرة القدم ومحطات البث العامة في الدول الأوروبية "الخمسة الكبار" التي تشارك في المونديال، وهي: إيطاليا وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإسبانيا، لم تتوصل بعد إلى اتفاق بشأن قيمة حقوق البث التلفزيوني. ورفض الفيفا عروض هذه الدول العام الماضي بعد تقديمها أرقاماً هزيلة للغاية، كما هدد الشهر الماضي بعدم بث البطولة على الإطلاق في تلك الدول.
في بيان مشترك، يوم الأربعاء، دعا وزراء رياضة الدول الخمس "جميع الأطراف المعنية بالتوصل إلى اتفاق سريع". وأضافوا: "نحن على دراية بالمصالح المشروعة والموارد المالية المحدودة لكل من أصحاب حقوق البث والمحطات الخاصة، وجميعهم بحاجة إلى نموذج تمويل قابل للتطبيق. لكننا مقتنعون أيضاً في الوقت ذاته بأن التغطية الإعلامية لمونديال السيدات ستساعد على تعزيز مكانة الرياضة النسائية".
"صفعة على وجه النساء"
يسلط بيان الوزراء الضوء على أهم جوانب النزاع، حيث وجه جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، انتقادات إلى محطات البث، ووصف عروضها بأنها "غير مقبولة ببساطة"، كما تمثل "صفعة على الوجه" - على حد وصفه- لجميع النساء بالنظر إلى أن نسبة مشاهدة كأس العالم للسيدات تتراوح بين 50% إلى 60% مقارنة بمونديال الرجال. مع ذلك، يعتقد البعض أن وقف بث البطولة يعرقل انتشار الرياضة النسائية في الوقت الذي يتزايد الاهتمام بها حول العالم.
جاءت عروض حقوق البث التلفزيوني لكأس العالم للسيدات في إيطاليا بأقل من 1% من العرض الفائز ببث كأس العالم في قطر العام الماضي، وتدنت عن 3% في ألمانيا، وفقاً لمصدر مطلع على أوضاع القطاع. وأحد أسباب انخفاض العطاءات هو أن البطولة ستذاع في الأوقات النهارية بأوروبا، بدلاً من فترات الذروة المسائية التقليدية.
قال إنفانتينو الشهر الماضي في لوس أنجلوس في حدث للترويج لكأس العالم 2026 الذي تستضيفه كندا والولايات المتحدة والمكسيك: "نريد فقط أن تُقدر البطولة حق قدرها من الاحترام، وأن تُدفع الأموال المناسبة مقابل ذلك"، مضيفاً أن "هناك مفاوضات تجري حالياً" دون الخوض في التفاصيل. كما رفض متحدث باسم الفيفا الإدلاء بتصريحات أخرى.
دعم شعبي لمنتخبات السيدات
تحدث رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، أيضاً عن النزاع حول حقوق البث، وحث جميع الأطراف على التوصل إلى اتفاق، خاصة وأن الدعم الشعبي لمنتخب إنجلترا النسائي ما يزال مرتفعاً بعد فوزه في بطولة دوري أبطال أوروبا للسيدات العام الماضي.
من جانبه، تمنى غرانت روبرتسون، وزير الرياضة النيوزيلندي، في حوار مع "بلومبرغ نيوز" إتاحة الفرصة للمشجعين لمشاهدة المونديال "لكن بطريقة تعكس القيمة التي نوليها جميعاً لمنتخباتنا النسائية" حسب قوله.
تمتنع المحطات عن زيادة العروض المقدمة للحصول على حقوق بث البطولات النسائية، رغم الاهتمام الشعبي المتزايد بها، مع ظهور مطالبات كثيرة بزيادة الوقت المخصص لبثها، سواء على المحطات المتاحة مجاناً أو في نظيرتها التي تتحول أكثر فأكثر للنظام المدفوع، نظراً لانتشار كرة القدم النسائية في أوروبا.
كشفت البيانات التحليلية لشركة "أمبير" (Ampere)، أن الاهتمام بكرة القدم للسيدات نما بشكل ملحوظ في الأسواق الأوروبية الرئيسية، خاصة إيطاليا.
وبحسب بيانات الشركة، أبدى المشجعون في الربع الأخير من العام الماضي 2022، اهتماماً أكبر بنسبة 37% لمتابعة كرة القدم النسائية، مقارنة مع 18% في 2021.
اهتمام أكبر بالرياضات النسائية
حول ذلك، قال مينال مودها، رئيس قسم أبحاث المستهلكين في شركة "أمبير": "تكتسب كرة القدم للسيدات زخماً أكبر في أوروبا، ويقع على عاتق المحطات الإذاعية مسؤولية استمرار ذلك من خلال زيادة التغطية المتاحة بالمجان، ناهيك عن الفائدة المجتمعية الأوسع للاستثمار في الرياضة النسائية".
شرعت شبكات تلفزيونية أخرى في الاستفادة من الاهتمام المثار حول كرة القدم النسائية. وفي 2021، وقعت شبكتي "سكاي" (Sky) و"بي بي سي" صفقة مع دوري السوبر الإنجليزي للسيدات، ما سمح للدوري بكسب إيرادات من حقوق البث التلفزيوني لأول مرة. كما بثت المحطات الحكومية في الدول الخمس الكبار منافسات بطولة أمم أوروبا للسيدات العام الماضي.
في غضون ذلك، كشفت مجموعة قنوات البث الرقمي "دازن" (DAZN)، عن زيادة بنحو 42% على أساس سنوي في نسبة مشاهدات مباريات دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا للسيدات، مشيرة إلى أن جميع مباريات البطولة ستبث للجمهور بمقابل مادي خلال الموسم المقبل.
من جهته، يرى إد لودلو، محلل أول وسائل الإعلام في شركة الأبحاث "أومدي" (Omdi)، أن بث مباريات مونديال السيدات في أوقات صباحية بأوروبا قد يؤدي لزيادة أوقات البث المخصصة لكرة القدم النسائية، مشيراً إلى أنه "كثيراً ما تتجاهل المحطات التلفزيونية المباريات النسائية عند وقعها في أوقات الذروة الإذاعية".
إحدى النتائج المحتملة للأزمة الحالية هي أن تبث الفيفا مونديال السيدات على منصة البث الرقمي الخاصة بها، "فيفا بلس"، بدلاً من وقف بثها بالكامل. لكن الاتحاد رفض التعليق على ما إذا كان هذا الخيار مطروحاً.
اختتم لودلو، أن مثل هذا الخيار حال تنفيذه قد "يؤثر سلباً على الاهتمام المتزايد بكرة القدم النسائية، التي اكتسبت قاعدة شعبية أكبر بفضل بث وسائل الإعلام التلفزيونية الأوروبية المجانية لها".