يتأهب المستثمرون في باكستان لمواجهة صدمة مفاجئة مع بلوغ المواجهة بين رئيس الوزراء السابق عمران خان والجيش القوي والحكومة إلى نقطة فارقة.
تتزايد التحذيرات من هبوط الروبية الباكستانية بعنف، إذ يرجح بعض المحللين تراجعها 20% إضافية. قد تدفع التوترات المتصاعدة -بعد اعتقال خان الأسبوع الماضي- حزمة الإنقاذ البالغة قيمتها 6.7 مليار دولار من صندوق النقد الدولي بعيداً عن المنال، كما يتابع مديرو الاستثمار في السندات بقلق شبح التخلف عن سداد الديون السيادية.
خان، الذي أُطلق سراحه لاحقاً من قبل المحكمة العليا، يتحدى نفوذ الجيش في السياسة ويدفع الحكومة لإجراء انتخابات مبكرة.
تتزايد المخاطر بشكل سريع بالنسبة للمستثمرين كون الاضطرابات تُعتبر بمثابة تذكير قوي بتاريخ الدولة التي شهدت ثلاثة انقلابات منذ 1958، بينما أكدت محاولة اغتيال واضحة للسياسي البالغ من العمر 70 عاماً في نوفمبر أن العنف قد يزداد حدة.
مخاوف التخلف عن السداد
قال إدوين جوتيريز رئيس قسم الديون السيادية للأسواق الناشئة لدى شركة "أبردن" (Abrdn)، التي تستثمر منذ فترة طويلة في البلاد: "الاستثمار في باكستان، يتطلب الاستعداد لمواجهة مخاطر أكبر.. خاصة أن أحداث البجعة السوداء (الاضطرابات المفاجئة غير المتوقعة) صاحبة الاحتمال الأكبر للوقوع".
قالت وكالة "موديز إنفستورز سيرفيس" الشهر الحالي إن باكستان قد تتخلف عن السداد بعد يونيو إذا لم تحصل على تمويل من صندوق النقد الدولي.
في فبراير، خفضت "موديز" التصنيف الائتماني السيادي لباكستان إلى أدنى مستوى له على الإطلاق.
تُقدَّر خدمة الدين الخارجي لباكستان بنحو 22 مليار دولار للسنة المالية 2024، والتي تبدأ في يوليو، وفق شركة "كولومبيا ثريدنيدل إنفستمنتس" (Columbia Threadneedle Investments)، وهو ما يعادل خمسة أضعاف احتياطيات النقد الأجنبي في البلاد.
يتزايد قلق مستثمري السندات، إذ ارتفع العائد الإضافي الذي يطالبون به فوق العائد على سندات الخزانة الأميركية، من أجل الاحتفاظ بالسندات الدولارية الباكستانية، بأكثر من 35 نقطة مئوية ليصل إلى مستوى قياسي خلال مايو.
تُتداول السندات الدولارية الباكستانية عند مستويات التعثر، ليصل سعر أدوات الدين المستحقة في 2031 إلى نحو 34 سنتاً على الدولار.
هبطت العملة الباكستانية إلى مستوى قياسي منخفض عند 299 روبية مقابل الدولار بإغلاق الأسبوع الماضي، لتغلق تعاملات أمس الخميس عند 285.6 للدولار. فقدت الروبية نحو 20% من قيمتها أمام الدولار منذ بداية 2023، وهي من بين أسوأ العملات أداءً في العالم.
قال خان إنه يخشى إلقاء القبض عليه مرة أخرى بعد أن حاصرت الشرطة منزله في إقليم البنجاب يوم الأربعاء، مما أثار مخاوف من تكرار الاشتباكات العنيفة التي وقعت الأسبوع الماضي. تقول السلطات الآن إنها تعتزم تفتيش منزله بحثاً عن مؤيدين يشتبه في شنّهم هجمات على منشآت عسكرية خلال الاضطرابات.
باتريك كوران، كبير الاقتصاديين لدى "تيليمر" (Tellimer) ومقرها بورتلاند بولاية مين، قال: "أي تدهور في البيئة السياسية -مثل فرض الأحكام العرفية- قد يعيق صفقة إنقاذ صندوق النقد الدولي، كما أن خطر التخلف عن السداد سيظل يلوح في الأفق بشكل كبير، وستواصل السندات والعملة التعرض للضغوط".
آفاق الروبية الباكستانية
من جهته رجح عادل غفار، الرئيس التنفيذي لشركة "بريميير فاينانشال سيرفيسز"، في كراتشي، انخفاض العملة الباكستانية إلى 350 روبية لكل دولار في يونيو إذا أخفقت باكستان في تأمين الحصول على القرض. وكان غفار قد توقع في يناير بشكل صحيح هبوط العملة إلى المستويات الحالية.
في غضون ذلك، يتمسك مصرف "ستاندرد تشارترد" بتوقعاته بهبوط العملة الباكستانية إلى 300 روبية أمام الدولار بحلول منتصف العام، حسب فاروق باشا، المحلل الاقتصادي في كراتشي.
أوضح باشا: "لا تزال آفاق الروبية تخضع لحالة عدم يقين كبيرة خاصة أن معنويات السوق هشة.. السياسة ستبقى الخطر الرئيسي في المدى القريب حتى إجراء الانتخابات".
احتياطي باكستان من العملات الأجنبية البالغ 4.3 مليار دولار في منتصف مايو، لا يكفي لسداد فاتورة الواردات لمدة شهر، رغم القيود الشديدة، حسب "بلومبرغ إيكونوميكس".
قال أنكور شوكلا، المحلل المقيم في مومباي، إن معدل تغطية الاحتياطيات للواردات هبط إلى أدنى مستوى تاريخي والبالغ نصف شهر في يناير، ثم ارتفع بشكل طفيف بعد أن حصلت الدولة على قروض من الصين.
يرى يوهانس لوفستراند، مدير المحافظ بصندوق الأسواق الواعدة لدى "تي رو برايس " (T. Rowe Price) في لندن، أن انتقاء الأسهم في باكستان أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى. وتجدر الإشارة إلى أن شركته تستثمر في شركة التقنية "سيستمز" (Systems) التي تستفيد من ضعف الروبية، خاصة أن إيراداتها تأتي بشكل أساسي من العملات الأجنبية.
الحكم العسكري
لطالما هيمن الجيش على المشهد السياسي في باكستان، وحكم البلاد بشكل مباشر طيلة 32 عاماً من إجمالي 76 سنة بعد الاستقلال عن الحكم البريطاني ودعم العديد من أنظمتها المدنية.
وكانت آخر مرة تولى فيها الجيش السلطة كانت في 1999 عندما تولى الجنرال برويز مشرف الحكم.
ورغم تعهد الجيش العام الماضي بالابتعاد عن المشهد السياسي، فإن اعتقال خان يلقي بظلال من الشك على هذا الوعد. نفى الجيش ضلوعه في إطلاق نار أسفر عن إصابة خان في ساقه العام الماضي.
من المقرر إجراء الانتخابات العامة في أكتوبر 2023. بفضل الدعم القوي في استطلاعات الرأي، دعا خان إلى إجراء انتخابات مبكرة وضغط من أجل حل مجلسين محليين لحشد الزخم لإجراء الانتخابات، لكن الحكومة تتردد في المضي قدماً.
حزمة الإنقاذ من "النقد الدولي"
تتفاوض باكستان مع صندوق النقد الدولي لاستئناف برنامج حزمة الإنقاذ، منذ نوفمبر، ويمثل وجود فجوة تمويلية إحدى أكبر العقبات. وما زال يتبقى نحو 2.7 مليار دولار للإنفاق متبقية من البرنامج البالغة قيمته 6.7 مليار دولار، والمقرر أن ينتهي أجله الشهر المقبل.
قالت جولي كوزاك المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي خلال مايو :"التمويل الإضافي الكبير ضروري لاستكمال مراجعة القرض".
لدى باكستان سجل مضطرب مع صندوق النقد الدولي. إذ لم تكتمل معظم عمليات الإنقاذ السابقة البالغ عددها 13 منذ أواخر الثمانينيات.
حصلت الحكومة على قرض بقيمة 1.1 مليار دولار في أغسطس، وهو جزء من حزمة حصلت عليها في 2019. لكن البرنامج توقف عدة مرات بسبب إخفاق إسلام أباد في تلبية شروط القرض ومحاولات تغييرها.