بقلم: كريس أنستي/ بلومبرغ
أصبح حضور الشرق الأوسط كجبهة رئيسية في الحرب الباردة الجديدة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين أكثر وضوحاً، منذ أن حللت نشرة "بلومبرغ" الإخبارية (أواخر العام الماضي) كيفية تدخل بكين في الفجوة الآخذة بالاتساع بين واشنطن والمملكة العربية السعودية.
وضعت الصين بصمتها على المنطقة بطريقة لم يكن ممكناً تكهنها قبل ستة أشهر، لاسيما من خلال توسطها في عملية التقارب بين الرياض وطهران، الخصمين الإقليميين منذ ردحٍ من الزمن. كما كان لافتاً إطلاق وزير الخارجية الصيني تشين جانغ هذا الأسبوع مبادرةً لتشجيع استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
النفط والاستثمار والدولار
على الضفة المالية، افتتح البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ومقرّه بكين، أول مكتب خارجي له هذا الأسبوع، وتحديداً في أبوظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، ليكون "مركزاً محورياً واستراتيجياً" لدعم أجندة بنك التنمية متعدد الأطراف، الذي تمّ تأسيسه قبل حوالي 10 سنوات، كردٍّ صيني على المؤسسات الغربية المماثلة.
الخطوات الصينية تجاه المنطقة جاءت عقب صدمة في واشنطن، بعدما رفضت السعودية وحلفاؤها في "أوبك+" طلب الولايات المتحدة بزيادة إنتاج النفط، لا بل جرى تخفيضه في وقت سابق من هذا الشهر.
لقد أصبح واقعاً أن الشرق الأوسط، وعلى وجه التحديد المملكة العربية السعودية بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تنكفئ عن مدار واشنطن لصالح بكين.
في المقابل، يظل ربط عملات عدد من دول المنطقة بالدولار مصدر قوة للولايات المتحدة، كما هو الحال بالنسبة لعلاقاتها العسكرية القوية والدائمة. وعليه، بالنسبة للحكومة الأميركية فإنها لم تخسر كل أوراقها حتى الآن.
لا يزال الدولار إلى حد بعيد القوة الأولى في النظام المالي العالمي (حتى لو كانت حصته من احتياطيات البنوك المركزية تتضاءل). وهذا يمنح واشنطن قوة لا تُضاهى: التهديد بعرقلة الوصول إلى عملتها.
التنافس على الغاز
يمثل استخدام أعضاء مجلس التعاون الخليجي للدولار كعملة رئيسية للتبادل عبر الحدود -وليس الدبلوماسية التي ترعاها بكين- المقياس الأساسي للتناسق الجيواقتصادي بين دول المنطقة. بالتالي، فإن أي تغيير مفاجئ على هذا الصعيد من شأنه زعزعة استقرار أسواق بلدان الخليج، لذا فإن التحول يجب أن يكون تدريجياً.
لكن هناك مؤشرات على تحركات بهذا الإطار. فخلال الشهر الماضي، أجرت دولة الإمارات العربية المتحدة أول تسوية لصادرات الغاز الطبيعي إلى الصين مقوّمة باليوان. وتُعد هذه سابقة مثيرة للاهتمام، بعد صفقة بكين التاريخية بقيمة 60 مليار دولار، في نوفمبر، لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من دولة قطر.
هذه الصفقة، التي تمتد حتى عام 2050، بمثابة إخفاق لمشتري الطاقة الأوروبيين بالحصول على إمدادات غاز طويلة الأجل.
جاستن دارغين، المتخصص بشؤون الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، يشير إلى أن "شركات الطاقة الصينية الحكومية لم تكن على مر التاريخ تتمتع بالخبرة اللازمة للتنافس بندّية مع شركات الطاقة الغربية". معتبراً أن عقد الغاز مع قطر "يسلّط الضوء على كيفية تطور الوضع بسرعة".
في الواقع، هناك شيء واحد تجب مراقبته عن كثب، ألا وهو الجانب المتعلق بالعملة المستخدمة في الصفقات. ويتضح نهج التحول بهذا الخصوص في السعودية، التي كانت أكبر مورّد للنفط الخام إلى الصين حتى حلّت مكانها روسيا في وقتٍ سابق من هذا العام، حيث أبلغت الرياض بكين في يناير بأنها منفتحة على المناقشات حول التبادل التجاري بين البلدين باعتماد عملاتٍ غير الدولار، الذي يُستخدم حالياً لتسوية أكثر من 80% من صادرات المملكة من النفط، البالغة قيمتها 326 مليار دولار سنوياً، وفقاً لحسابات "يوريزون إس إل جي كابيتال" (Eurizon SLJ Capital).
شراكة الطاقة المتجددة
بالإضافة إلى أنها أصبحت الشريك التجاري الرئيسي لدول الشرق الأوسط، فإن الأخيرة تتطلع لمزيد من الاستثمارات الصينية في أسواقها. فهذا الأسبوع، زار سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، بكين سعياً لتعزيز التعاون في مجال الطاقة النظيفة.
هذه الرحلة، جاءت بعد أن وقعت الصين والسعودية عدداً من الاتفاقيات بشأن التعاون في مجال الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ في ديسمبر. وتأتي قبل استضافة دولة الإمارات لقمة المناخ للأمم المتحدة "COP28" (التي يشرف عليها الجابر رغم أنه يرأس إحدى أكبر شركات الوقود الأحفوري).
المحللون في "تريفيوم تشاينا" (Trivium China)، وهي شركة استشارية لبحوث السياسات في بكين، دعموا توجُّه الرئيس الصيني إلى الشرق الأوسط. وكتبوا أن تلك الصفقات الخضراء تمكّن شركات التكنولوجيا النظيفة الصينية من "التوسع في الأسواق الخارجية المربحة، وتقوية العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع دول الخليج الرئيسية المتأرجحة".
بينما يُمكن أن يُنظر إلى جهود بكين الدبلوماسية على أنها أقل أهمية من مكانة الدولار، هناك ميدان ثالث يجب على واشنطن أن تكون أكثر يقظةً فيه، إذا كانت ترغب في منع النزوح من منصة الشرق الأوسط. ما لم نرَهُ بعد من الصين حتى الآن هو أيّ تطور لافت يتعلق بحضور عسكري في الخليج العربي، الذي تخضع ممراته البحرية للإشراف منذ فترة طويلة من قِبل الولايات المتحدة. مع ذلك، فإن قوات التنين الصيني قريبة.. والأمور تتحرك بسرعة.