تشهد سوق السندات السيادية في الهند، البالغة قيمتها تريليون دولار، تحولاً حاسماً مع تزايد ثروات الشعب.
تتجه المدخرات بشكل متزايد إلى الديون طويلة الأجل عبر شركات التأمين على الحياة وصناديق الادخار والمعاشات، ما يخلق تغييراً هيكلياً في تكاليف اقتراض حكومة رئيس الوزراء، ناريندرا مودي.
شهد منحنى العائد في الهند استواءً ملحوظاً مع اقتناص شركات التأمين وصناديق المعاشات ديوناً لآجال تتراوح بين 10 و40 عاماً، وقالت شركة "إتش دي إف سي" (HDFC) للتأمين على الحياة إنّ المشاركين في السوق يطلبون من البنك المركزي بيع مزيد من السندات طويلة الأجل. ويعني وجودهم المتزايد في تلك السوق أن الدولة ستكون أقل اعتماداً على البنوك بمرور الوقت، كما سيخفف قلق المتداولين حول كيفية تمويل مودي لطفرة إنشاءات البنية التحتية.
طلب متزايد على السندات الأطول أجلاً
قال بدريش كولهالي، مدير الدخل الثابت في "إتش دي إف سي لايف": "شركات التأمين كانت بين المستثمرين الرئيسيين في السندات طويلة الأجل.. وفي ظل تزايد نسبة الاختراق ونطاق قنوات التوزيع، نتوقع استمرار النمو في مبيعات المنتجات التقليدية، وبالتالي الطلب على السندات ذات آجال الاستحقاق الطويلة".
"ستاندرد تشارترد" ينضم إلى قائمة المتفائلين بشأن الروبية الهندية
من المنتظر أن تكشف الحكومة عن تفاصيل خطة الاقتراض للفترة من أبريل إلى سبتمبر خلال الأسبوع الجاري، وعادة تستهدف بلوغ 55% إلى 60% من هدفها للعام بأكمله.
جاء التغيير تدريجياً، إذ امتلكت شركات التأمين 26% من السندات الحكومية في نهاية ديسمبر، ارتفاعاً من 22% في عام 2010، وفق بيانات وزارة المالية، لكن على الأغلب لا تعكس التقديرات حجم وجودها بالكامل نظراً إلى الاستخدام الشائع لتداول المشتقات، البالغة قيمتها 19 مليار دولار وفق بعض التقديرات، التي تخفي عمليات الشراء.
مع ذلك، اتضح ثقل الاستثمارات المتزايد في مزادات السندات مؤخراً في العام المالي الذي انتهى في مارس، إذ جرى تسعير الديون الأطول أجلاً بعائدات أقل من الأوراق المالية الأقصر أجلاً، واختفى تقريباً فارق العائد بين السندات القياسية لأجل 10 سنوات ونظيرتها لأجل عامين لأول مرة منذ 2017.
وتجدر الإشارة إلى أن برنامج الاقتراض البالغة قيمته 14.2 تريليون روبية (172 مليار دولار) مر بسلاسة ودون حاجة من دعم البنك المركزي، ما أدهش المخضرمين في هذه السوق، حتى السندات التي أصدرتها المقاطعات قد اقتنصتها شركات التأمين.
تراجع عجز ميزان المعاملات الجارية في الهند ينعش الروبية
هذا من شأنه أن يسعد ناريندرا مودي الذي ستقترض حكومته مبلغاً قياسياً في العام المالي الجديد يصل إلى 15.4 تريليون روبية. تحتاج نيودلهي إلى إيجاد مزيد من المستثمرين طويلي الأجل لتمويل خطة إنشاءات طموحة عبر الدولة تضم 50 مطاراً جديد ومهابط طائرات هليكوبتر ومطارات صغيرة.
اقترحت وزيرة المالية، نيرمالا سيترامان، زيادة الإنفاق الرأسمالي بأكثر من الثلث إلى 10 تريليونات روبية في الموازنة التي تقدمت بها في فبراير، وقالت إن الحكومة حددت 100 مشروع جديد لما يسمى بالوصول إلى آخر ميل.
توسع قطاع التأمين والمعاشات
لدى الهند واحدة من أسرع أسواق التأمين نمواً في العالم، وتقدر شركة إعادة التأمين العالمية "سويس ري" (Swiss Re) أن تكون سادس أكبر أسواق التأمين بحلول عام 2032، أيضاً تتوقع نمو إجمالي أقساط التأمين 14% في المتوسط سنوياً بالقيمة الاسمية للعملة المحلية خلال العقد المقبل.
كما نما حجم صناديق التقاعد، مستفيداً من زيادة التطور المالي. ويتوقع نظام التقاعد الوطني "NPS" توسع الأصول الخاضعة للإدارة بنسبة 18% في العام المالي لتصل إلى 8.5 تريليون روبية كما في فبراير.
قالت مادهافي أرورا، كبيرة الاقتصاديين في "إمكاي غلوبال فاينانشال سيرفسيز" (Emkay Global Financial Services)، مشيرة إلى صناديق المعاشات والتوفير: "إنها بمثابة محركات تدريجية جديدة للطلب على السندات الحكومية، وتتفوق على البنوك.. النقطة الرئيسية هي أنها متعطشة للآجال الأطول، كما أنها لا تؤمن باستواء منحنى العائد".
الهند تحذر من الانقسامات العالمية والديون غير المستدامة
أحد العوامل التي دفعت الطلب على الديون طويلة الأجل على مدى العامين الماضيين هو ازدهار تداول أحد منتجات المشتقات بين البنوك وشركات التأمين، الذي يسمى اتفاقية عائد السندات الآجل. ساعدت هذه الاستراتيجية شركات التأمين على ضمان العائدات على المدى الطويل على المنتجات التي تضمن العوائد دون الاضطرار إلى تحمل مزيد من الديون في مركزها المالي.
قال سامباث ريدي، رئيس الاستثمار في "باجاج أليانز" للتأمين على الحياة: "ارتفع طلب شركات التأمين خلال العامين الماضيين.. وذلك يعود إلى تزايد اهتمام القطاع بمنتجات الادخار غير المساهمة، إذ يريد العملاء عائدات مضمونة".
تحديات ضريبية
يحمل المستقبل رياحًا معاكسة محتملة، أقلها الضريبة على منتجات التأمين عالية القيمة التي تستهدف مجالاً يحظى بشعبية لدى المستثمرين الأثرياء، والتي ستسري اعتباراً من أبريل، ويقول بعض شركات التأمين مثل "ستار يونيون داي-إيتشي" (Star Union Dai-ichi)، و" آي سي آي سيكيوريتيز برايمري ديلرشيب" (ICICI Securities Primary Dealership) إنه ينبغي مراقبة تأثير الضريبة.
أيضاً يحتاج المستثمرون إلى الحذر من حجم الاقتراض الحكومي بالنظر إلى اعتماد مودي على سوق الديون لتمويل واحد من أكبر عجوزات الموازنة في آسيا.
قال رام كمال سامانتا، نائب رئيس الاستثمار في "ستار يونيون": "تحتاج آليات العرض والطلب الآخذة في التطور والمتعلقة بالجزء الأطول أجلاً من منحنى العائد إلى المراقبة مع قدوم المعروض الجديد في العام المالي الجاري.. مع دخولنا مرحلة متأخرة من دورة التشديد النقدي، فسيحدد ذلك شكل منحنى العائد من الآن فصاعدا".
مسح "بلومبرغ": الهند قد ترفع الفائدة إلى 6.75% لكبح التضخم
مع ذلك، بخلاف العام المالي الجاري، يُرجح أن تصبح الأسواق المالية في الهند أكثر عمقاً بفضل مركز الدولة باعتبارها صاحبة الاقتصاد الرئيسي الأسرع نمواً في العالم، ما سيملأ خزائن شركات التأمين وصناديق المعاشات، وهذه الأموال لديها موطن جاهز في الآجال الأطول من سوق السندات.
قالت أرورا من "إمكاي": "أصبح قطاع التأمين تدريجياً لاعباً رئيسياً (في سوق السندات)".