تحاول روسيا الالتفاف حول عقوبات الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع لتأمين أشباه الموصلات المهمة والتقنيات الأخرى اللازمة لحربها في أوكرانيا، طبقاً لدبلوماسي أوروبي رفيع المستوى.
عادت الواردات الروسية بشكل عام إلى مستويات ما قبل الحرب في 2020، ويشير تحليل البيانات التجارية إلى أن الرقائق المتقدمة والدوائر الإلكترونية المتكاملة المصنوعة في الاتحاد الأوروبي والدول الحليفة الأخرى، تُشحن إلى روسيا من خلال دولٍ تُستخدم كطرف ثالث، مثل تركيا والإمارات العربية المتحدة وكازاخستان، بحسب الدبلوماسي الذي أشار إلى هذه التقييمات الخاصة.
فرض الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع جولات عدة من العقوبات منذ غزو أوكرانيا قبل عام، في محاولة لإضعاف آلة الحرب الروسية وتقويض اقتصادها. وتشير البيانات إلى أن التأثير الحقيقي في بعض المجالات أقل حتى الآن مما كان يأمله المسؤولون.
إيرادات روسيا من النفط والغاز تنخفض للنصف تقريباً في فبراير
قال دانييل تانيباوم، رئيس ممارسات مكافحة الجرائم المالية العالمية بشركة الاستشارات "أوليفر وايمان" (Oliver Wyman)، إن "فكرة توقيع عقوبات جديدة غير كافية، فالحكومات أصبحت بحاجة الآن إلى آليات الإنفاذ".
قال الدبلوماسي الذي طلب عدم ذكر اسمه نظراً لمناقشته لمعلومات حساسة، إن الشحنات القادمة من الصين إلى روسيا ارتفعت أيضاً، حيث تلعب بكين دوراً متزايد الأهمية في إمداد موسكو. لم تفرض دول من خارج الاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا نفسها، لكن غالبية هذه الدول نفت مراراً وتكراراً مساعدتها للكرملين.
فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على نحو 1500 فرد، وقيوداً على صادرات مئات السلع والتقنيات، كما استهدف العديد من مصادر الإيرادات الرئيسية في موسكو، لكن بعض المسؤولين قلقون من افتقار الكتلة إلى أداة ذات فعالية في إنفاذ تلك الإجراءات، وقلقون من تخلفها عن ما حققته الولايات المتحدة.
تمتلك الولايات المتحدة وكالة مركزية وإجراءات أكثر فاعلية لجمع المعلومات، بجانب التشريعات الصارمة وأدوات لإنفاذ القواعد في الداخل والخارج، وذلك في ظل تاريخها الطويل من فرضها عقوبات على القوى الغربية.
وتيرة انكماش الاستهلاك في روسيا منذ الحرب أسرع من وقت الوباء
في الوقت ذاته، يُعد تنفيذ العقوبات جهداً واقعاً في الغالب على عاتق الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. فبينما تراقب المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للكتلة، التنفيذ وتُقدّم إرشادات، تُعد السلطات الوطنية مسؤولة عن تحديد الانتهاكات وفرض العقوبات، وهذا يعني تضارب النتائج.
طبقاً لأحد مسؤولي الاتحاد الأوروبي المشاركين في العملية، فإن الأمر يتعلق في النهاية بالإرادة السياسية، وقد يتعرض المسؤولون الوطنيون لضغوط عندما يتعلق الأمر باتخاذ إجراءات صارمة ضد شركاتهم.
قال نائب رئيس المفوضية الأوروبية، فالديس دومبروفسكيس، في بلغاريا الأسبوع الماضي، إن "العقوبات التي نفرضها صارمة وتسهم في ركود اقتصادي مستمر في روسيا، لكن فاعليتها تعتمد أيضاً كيفية تنفيذها بشكل جيد".
مبيعات أشباه الموصلات في كازاخستان
يبدو أن العقوبات فعّالة في ظاهر الأمر. فقد تراجع الاقتصاد الروسي، بينما لا تزال العديد من بنوك وشركات البلاد معزولة عن النظم المالية والتجارية الدولية. ثمة دليل أيضاً على ضعف الصناعات الروسية الرئيسية وإعاقة قدرتها على الابتكار في المستقبل بسبب القيود المفروضة على التقنيات الأوروبية والأميركية.
كما تشير المعلومات المجمعة من جانب "تريد داتا مونيتور" (TradeData Monitor)، ومقرها جنيف، إلى أن بعض السلع الخاضعة للعقوبات، خاصة أشباه الموصلات المتقدمة، يتحول مسارها إلى روسيا عبر دول تشكل طرفاً ثالثاً، والتي غير كثيراً منها عاداتها التجارية فجأة بعد الغزو الروسي.
في بعض الحالات، انتقلت قيمة صادرات التكنولوجيا المتجهة إلى روسيا، والتي يمكن استخدامها للأغراض العسكرية في أوكرانيا، من صفر إلى ملايين الدولارات.
كازاخستان تقدم مثالاً رئيسياً على ذلك، ففي 2022، صدرت الدولة الواقعة في آسيا الوسطى أشباه موصلات متطورة بقيمة 3.7 مليون دولار إلى روسيا، ارتفاعاً من 12 ألف دولار فقط في العام السابق لشن الحرب.
الحرب ترفع عجز ميزانية روسيا لمستوى قياسي في ديسمبر
كانت روسيا تشتري ما متوسطه 163 مليون دولار من الرقائق المتقدمة والدوائر المتكاملة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان والمملكة المتحدة بشكل سنوي بين عامي 2017 و2021، ثم انخفض الرقم إلى نحو 60 مليون دولار في 2022.
تظهر البيانات أن تركيا وصربيا والإمارات وستة اقتصادات أخرى في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى ساعدت في تعويض النقص. في الوقت نفسه، ارتفعت شحنات مكونات التكنولوجيا الفائقة إلى تلك الدول من الدول الحليفة بمقدار مماثل.
قال الدبلوماسي الأوروبي إن أنماطاً مماثلة تظهر عبر مئات الفئات من المنتجات، لكن الأمر يكون شديداً بشكل خاص عندما يتعلق بالرقائق المتقدمة والدوائر الإلكترونية المتكاملة التي يمكن استخدامها في الأغراض العسكرية.
ملياردير روسي يحذّر من نفاد أموال موسكو في 2024
مع دخول الحرب الروسية في أوكرانيا عامها الثاني الآن، يركز الاتحاد الأوروبي وحلفاؤه بشكل متزايد على القضاء على أي ثغرات ومنع الالتفاف حول الجولات المتتالية من العقوبات التي فرضوها.
تفادي أنظمة التتبع
تتبع الشحنات ليس بسيطاً ومباشراً، حيث يستخدم المشترون أحياناً كيانات مؤسسية تجارية معقدة ونماذج توزيع لإخفاء الوجهة النهائية لبضائعهم. كما يمكن أن يزداد مستوى التعتيم بسبب عدم اكتمال الأوراق، إضافة إلى ما يسمى بنقاط الشحن، حيث يتم نقل البضائع بين المؤسسات أو إعادة تحويل مسارها.
أصدرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الخميس الماضي مذكرة امتثال تستهدف قمع الوسطاء الذين يتم اللجوء إليهم للتهرب من العقوبات وضوابط التصدير المفروضة على روسيا. هذه المذكرة تحدد الصين وأرمينيا وتركيا وأوزبكستان باعتبارها مواقع يمكن استخدامها لإعادة توجيه العناصر المحظورة بشكل غير قانوني إلى روسيا.
العقوبات الغربية تهدد بإضعاف الواردات الهندية من نفط روسيا
أعلنت مجموعة السبع الأسبوع الماضي عن آلية جديدة لتعزيز إنفاذ العقوبات. كما قدم الاتحاد الأوروبي أدوات عدة في حزمه الأخيرة المجهزة لملاحقة أولئك الذين يساعدون روسيا. مع ذلك، تخجل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حتى الآن من استخدام بعض هذه الأدوات وملاحقة الانتهاكات المحتملة في الداخل، على الأقل علناً.
قال مسؤولون ودبلوماسيون إن المناقشات حول تشديد نظام إنفاذ العقوبات في الاتحاد الأوروبي أثارت نقاشاً حول كيفية تقاسم المسؤوليات بين بروكسل وعواصم أوروبا عندما يتعلق الأمر بتدابير الرقابة.
اضطرابات إنفاذ العقوبات
قال تومز بلاتاسيس، القائم بأعمال مدير وحدة الاستخبارات المالية في لاتفيا، في مقابلة: "بالطبع، سيشعر الجميع براحة أكبر إذا كانت هناك مؤسسة واحدة على مستوى الاتحاد الأوروبي مسؤولة عن إنفاذ العقوبات".
أوضح أن لاتفيا جرّمت انتهاك العقوبات، بينما لم تفعل دول الاتحاد الأوروبي الأخرى ذلك، لذلك يمكن للمنتهكين "البحث عن دول أخرى تتراجع فيها احتمالية مواجهة جزاءات نتيجة التهرب من العقوبات".
دور رئيسي لخليج لاكونيكوس قرب اليونان في توريد النفط الروسي
كانت دول الاتحاد الأوروبي حريصة على الحد من التأثير على أرباحها الإجمالية والاقتصاد العالمي الأوسع نطاقاً أثناء تنفيذ جولات متتالية من العقوبات. وهو ما أدى في بعض الأوقات إلى إثارة مناقشات مضنية في الغالب بين الدول الأعضاء حول الإعفاءات ومتطلبات الإبلاغ عن ذلك.
قال وزير أوروبي رفيع المستوى إنه مع كل جولة عقوبات، نتقدم خطوة للأمام باتخاذ تدابير جديدة ونأخذ خطوة للخلف بإعفاءات جديدة، مضيفاً أن بعض الدول الأعضاء أقل حماساً بشأن الإنفاذ ولا تبذل جهداً كافياً تجاه الأمر.
قالت بياتا جافورسيك، كبيرة الاقتصاديين في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، إن "تنفيذ عقوبات التصدير ليس أمراً هيناً، فكل حكومة تريد من كافة الدول الأخرى فرضها لكنها تفضل أن تكون متساهلة مع شركاتها، وهذا ما تظهره تجربة قيود التصدير أثناء الحرب الباردة بوضوح، بالتالي فإن ترك تطبيق العقوبات للحكومات الوطنية ربما لا يسير دائماً بشكل مثالي".